عودة رئيس حزب البشير تثير مخاوف المعارضة وخلافات الحزب تطفو للسطح
الخرطوم- أثارت عودة إبراهيم محمود حامد، المكلف برئاسة حزب المؤتمر الوطني “الحاكم سابقا”، الذي تزعمه الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، مخاوف خصومه، الذين عدّوها خطوة نحو عودته إلى السلطة، في حين يعتقد مراقبون أن توقيتها مرتبط بخلافات تنظيمية في الحزب.
وكانت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 قد أطاحت بحزب المؤتمر الوطني والبشير، لكن وقبل 40 يوما من الإطاحة به نقل البشير سلطاته الحزبية إلى نائبه المعين حديثا حينها أحمد محمد هارون، وعقب اعتقاله في أبريل/نيسان 2019 كلّف الحزب وزير الخارجية إبراهيم غندور برئاسته، ثم آلت الرئاسة مؤقتا إلى إبراهيم محمود إثر اعتقال غندور في ديسمبر/كانون الأول 2019.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أقر اجتماع مشترك بين مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء قانون “تفكيك نظام الإنقاذ”، ونص القانون على حل حزب المؤتمر الوطني، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلا عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له، أو لأي شخص أو كيان مرتبط به، ومصادرة ممتلكاته وأصوله لصالح الدولة.
لكن الحزب المحلول استعاد نشاطه في العامين الأخيرين عبر مظلات مختلفة، قبل أن يعاود العمل باسمه، وصار يصدر بيانات ويحدد مواقفه بصورة علنية.
احتفاء بالعودة
ولدى وصوله إلى مطار بورتسودان مساء السبت، استقبل إبراهيم حامد العشرات من قيادات حزبه ورموزه في السودان، بعدما أمضى أكثر من 13 شهرا خارج البلاد، وخلال مخاطبته الحضور، حيا حامد القوات المسلحة والمشتركة في دارفور، وقال إنها تخوض معركة بقاء السودان، وأثنى على وقوف السودانيين خلف جيشهم.
كما قلل من المخاوف الغربية والأميركية بشأن أوضاع السودان، مؤكدا أنه إذا توحّد أهل السودان فلن تصيبهم مشكلة، ورأى التحدي في أن ينتصر الجيش في معركته وأن يتوافق أهل السودان وقواه السياسية على إدارة شؤونهم.
وقال رئيس حزب المؤتمر الوطني إن الشعب السوداني لن ينخدع مرة أخرى بـ”قصص وحواديت” المعارضة، من شاكلة أن “مشكلة البلد في الكيزان”، (أي الإسلاميين)، وأن بذهابهم سيتحسن الوضع، وتابع “براكم شفتوا الحصل شنو” (لقد رأيتم ما حصل).
وأضاف حامد أن “عز الأمة بالإسلام وليس عند إسرائيل، التي طبّعت الحكومة السابقة علاقتها معها”، وأضاف أن “العالم يعترف بالأقوياء”، مستدلا بحركة طالبان في أفغانستان التي وصفها بأنها “دوخت الولايات المتحدة ودفعتها صاغرة للتفاوض معها”، على حد قوله.
تحذير واستنكار
من جانبه، حذر المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بكري الجاك من عودة حزب المؤتمر الوطني، واعتبر ذلك مؤشرا خطيرا يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية وإطالة أمد الحرب.
وقال في تصريح له إن “ظهور إبراهيم محمود حامد بمدينة بورتسودان يؤكد أن كوادر المؤتمر الوطني ومليشياته بدأت ترتب للعودة لحكم البلاد بعد إشعالها الحرب”، مشيرا إلى أن تحركاتهم الأخيرة تؤكد ذلك “حتى لو كانت في ولاية واحدة”.
وفي السياق ذاته، قال خالد عمر يوسف نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني إن ظهور حامد في بورتسودان وحاكم ولاية سنار السابق أحمد عباس مع شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش في جبل موية يعد إعلانا من الحزب المحلول بالعودة إلى السلطة.
وأشار خالد عمر في منشور على منصة “إكس” إن “ظهور قيادات المؤتمر الوطني المحظور يعني أن هذه الحرب هي حرب النظام البائد للعودة إلى السلطة، على حساب أرواح الشعب وتدمير البلاد”، وتابع قائلا “يريدون جني ثمار المعركة التي أشعلوها قبل أن ينقشع غبارها، وهذه هي الحقيقة التي لن تستطيع أبواق التضليل الإعلامي حجبها”.
أما مبارك أردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية والقيادي في قوى الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية، فقال إنه كان يتوقع أن يعتذر إبراهيم محمود حامد خلال خطابه للشعب السوداني، عن أخطاء نظامهم، في إنشاء وصناعة قوات الدعم السريع.
ودعا أردول حزب المؤتمر الوطني إلى إجراء مراجعات وتقييم لتجربته في الحكم، والتقدم للحوار مع القوى السياسية. واعتبر أن الحوار مع الإسلاميين خطوة ضرورية للبناء الوطني، كما دعا قوى الثورة لمراجعة الأخطاء التي ارتكبتها للإقرار بها وتصحيحها.
تسوية الخلافات
من جهته، قال قيادي في حزب المؤتمر الوطني للجزيرة نت إن عودة إبراهيم حامد طبيعية، وإن حزبهم في أفضل حالاته، وبات قريبا من المواطن السوداني أكثر من أي وقت مضى منذ مغادرته السلطة، “بعدما اكتشف المواطن أنه تعرض لظلم ولحملة إعلامية مسعورة من خصومه ومن وراءهم من قوى إقليمية”.
وبحسب حديث القيادي في المؤتمر الوطني -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- فإن الحزب تجاوز ما تعرض له، وأجرى مراجعات ستعرض نتائجها على الشعب، وأنه سيسعى إلى توافق مع القوى الوطنية “بعدما استطاع الجيش، وخلفه الشعب عبر المستنفرين والمقاومة الشعبية، من إحباط مخطط خارجي، استخدم قوات الدعم السريع لاختطاف البلاد”.
وقلّل القيادي من المعلومات الرائجة عن خلافات في داخل الحزب، واعتبر التباين في التقديرات أو أي خلل تنظيمي يمكن تسويته عبر مؤسساته، مؤكدا أن التعقيدات التنظيمية ليست مرتبطة بأشخاص وإنما فرضتها الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد والحزب.
بيد أن الكاتب الإسلامي ووزير الإعلام السابق في ولاية النيل الأبيض عبد الماجد عبد الحميد رأى أن عودة إبراهيم محمود حامد مرتبطة بخلافات “مكتومة في كابينة قيادة المؤتمر الوطني”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يكشف الكاتب أن “الخلاف حول الشرعية”، حيث يعتبر هارون مكلفا بقيادة الحزب من قبل مجلس الشورى قبل اعتقاله، ثم كلف المجلس لاحقا إبراهيم محمود برئاسة الحزب أيضا. ويحمّل عبد الحميد أحد الرجلين -دون تسميته- مسؤولية التردد وعدم الإمساك بزمام الأمور، حيث كان أحدهما في الداخل والآخر في الخارج، ودعاهما إلى حوار عميق لمعالجة ما حدث.
ووفقا للمتحدث، فإن قواعد الحزب بقيت تعمل بعقل جمعي، وتصدت للمخاطر المحدقة بالبلاد، وتجاوزت المحطات الصغيرة، وشاركت في احتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وحاليا تشارك في القتال في مواجهة قوات الدعم السريع رغم عدم رغبة العسكر وحلفائهم السياسيين في السلطة بذلك، وسعيهم لإبعادهم عن المشهد السياسي.