خبراء: تدمير منشآت إيران النووية غير ممكن بدون تدخل واشنطن
واشنطن– في الوقت الذي تضع فيه إسرائيل المشروع النووي الإيراني على رأس أولويات أهدافها لهجوم عسكري محتمل في إيران، قال ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، سي آي إيه، إن لدى إيران قدرة على تصنيع قنبلة نووية واحدة خلال أسبوع، لكنه يعتقد أن المعلومات المتوفرة تؤكد أن إيران ليس لديها نية لتصنيع القنبلة النووية.
وفي ظل التصعيد غير المسبوق الذي يشهده الشرق الأوسط منذ بدء عملية طوفان الأقصى قبل عام، وما تبعها من عدوان إسرائيل على قطاع غزة، وامتداده للضفة الغربية ولبنان، إضافة لشنها هجمات داخل إيران، وهو ما استدعى ردا إيرانيا في أبريل/نيسان الماضي، وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بمئات الصواريخ الباليستية، لم تستبعد إسرائيل سيناريو شن هجمات على مرافق البرنامج النووي الإيراني، رغم رفض واشنطن العلني لهذه الخطوة.
وتفيد معلومات متداولة أن القنابل القادرة على اختراق التحصينات كالتي استخدمتها إسرائيل في بيروت، لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، تستطيع اختراق التحصينات الجبلية حتى مسافة 16 مترا، في حين أن المفاعلات النووية الإيرانية، أو بالأصح أجهزة التخصيب النووية توجد على بعد 60 مترا تحت الأرض.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن القنبلة الوحيدة القادرة على اختراق هذه التحصينات تمتلكها واشنطن، كما أنها تحتاج إلى طائرة “بي 52” أميركية لحملها، وهو ما يطرح تساؤلا حول دور أميركي فاعل في الضربة الإسرائيلية المحتملة.
جدير بالذكر أنه، ومنذ انهيار الاتفاق النووي عام 2018 على يد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وصلت إيران إلى نسبة 60% من تخصيب اليورانيوم، وهو ما يمثل قفزة كبيرة ارتفاعا من حد بلغ 3.67% الذي التزمت به بموجب الاتفاق.
كما اكتشف المفتشون مؤخرا أن إيران أنتجت جزيئات يورانيوم نقية بنسبة 83.7%، وأنها على بعد خطوة صغيرة من الوصول إلى عتبة 90% من اليورانيوم المخصب المستخدم اللازم في صنع الأسلحة.
أنواع القنابل الخارقة
أشار ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى عدم وجود الكثير من المعلومات المتاحة حول القدرات الأميركية التي يجري الحديث عنها والتي تستطيع اختراق التحصينات حول المنشآت النووية الإيرانية.
وفي حديث للجزيرة نت، قال دي روش إن “مجمع نطنز، وهو منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران، يحتوي على ثلاثة مرافق معالجة تحت الأرض. وتقدر جهات بحثية درجة العمق بأنها ما بين 60 إلى 100 متر تحت الأرض. في حين تقدر مصادر أخرى أن عمق المنشأة الرئيسية في نطنز يمكن أن يصل إلى 145 مترا. كما أنه تم بناء المنشآت تحت جبل، مما يعني أنه سيكون من الصعب للغاية تدميرها بصاروخ باليستي تقليدي أو قنبلة ملقاة جوا”.
وأكد دي روش، أنه “ليس لدى إسرائيل قنابل قادرة على اختراق الصخور الصلبة إلى الأعماق المشتبه بأنها مخابئ نطنز. وعندما اشترت إسرائيل قنابل جي بي يو 29، والتي يعتقد أنها أكبر قنبلة جاذبية مخترقة للأراضي، بدأت إيران في الحفر بشكل أعمق وتعزيز منشآتها النووية. لذا فإن الضربة العلوية المباشرة ربما لن تخترق الأعماق المطلوبة”.
واستدرك بأنه “من الممكن حدوث إصابات مباشرة متعددة من قنبلة خارقة، ولكنها محفوفة بالمخاطر. وأسهل طريقة لضرب مثل هذا المرفق هي باستخدام سلاح يمتص الهواء، مثل صاروخ كروز، لمهاجمة مداخل المنشأة ثم إدخال سلاح ثان وتفجيره في المنشأة”.
وكان تقدير لوكالة أسوشيتد برس بالتعاون مع مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، حول إيران، قد أشار إلى أن “عمق المنشأة يمثل مصدر قلق لأنه سيكون من الصعب كثيرا تدميرها باستخدام الأسلحة التقليدية، مثل قنبلة نموذجية خارقة للتحصينات”.
وأشار دي روش إلى احتمال امتلاك إسرائيل قنابل جي بي يو 28، وهي قنبلة موجهة تزن 5 آلاف رطل (450 رطلا من المتفجرات) يمكنها اختراق 100 متر من الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
وأوضح أن جي بي يو 72 قادرة على تحقيق اختراق أعمق، وقد أعربت إسرائيل عن اهتمامها بالحصول عليها، لذلك قد تكون في الخدمة الإسرائيلية الآن، مضيفا أنه يمكن إسقاطها بواسطة طائرة إف-15 التي تمتلكها إسرائيل، في حين أن عمق الاختراق غير مؤكد، “فقد تم بناء المفاعلات الإيرانية خصيصا لمواجهة أهداف من هذا النوع”.
وأكد دي روش امتلاك الولايات المتحدة قنابل اختراق أكبر، ولكن يجب إسقاطها بواسطة طائرات قاذفة لا تمتلكها إسرائيل. وأضاف “إذا تم استخدام القنابل الأميركية ضد هذه الأهداف، فمن المحتمل أن يكون هناك مزيج من القنابل الخاملة (المخترقات بدون متفجرات) المستخدمة لحفر مسار، تليها القنابل النشطة التي من شأن بعضها أن تخترق أكثر ثم تنفجر على الهدف”.
وأضاف أنه لدى الولايات المتحدة قنابل مزودة بصمامات استشعار الفراغ، حيث لن تنفجر حتى تمر القنبلة عبر الخرسانة الصلبة أو الصخور ثم تصل إلى منطقة مفتوحة، مثل قاعة جهاز الطرد المركزي.
ونجحت إسرائيل في ضرب مفاعل العراق النووي عام 1981، ثم المفاعل السوري عام 2007، إلا أن هذه المفاعلات كانت بدائية مقارنة بنظيرتها الإيرانية.
وأشار دي روش في حديثه إلى أنه “في الماضي، عطلت إسرائيل هذه المرافق من خلال استخدام الهجوم السيبراني، وخربتها، وألحقت الضرر بإمدادات الكهرباء”.
ويرى الخبير الأميركي أن “الإغارة عن طريق الكوماندوز (قوات خاصة) قد تكون الطريقة الأكثر فعالية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية”.
تعطيل المشروع بالكامل
وفي حديث للجزيرة نت، قال جيمس أكتون، الفيزيائي وخبير السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام، إنه “إذا حاولت إسرائيل أو الولايات المتحدة مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أعتقد أن ذلك سيقوي عزم إيران على امتلاك أسلحة نووية دون القضاء على قدرة إيران على القيام بذلك”.
وأشار أكتون إلى خلط الكثير من التقارير بين “المفاعلات النووية الإيرانية وأجهزة الطرد المركزي. هذا الأخير هو الذي يتم دفنه تحت الأرض والهدف المحتمل. فمنشأة نطنز ضحلة (ربما أقل من 10 أمتار). وفوردو أعمق، تصل إلى عشرات الأمتار في الجبل”. ومن المحتمل أن تدمر إسرائيل نطنز ولكن ليس فوردو”.
في حين يرى دي روش أن من “شأن ضربة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على المنشآت النووية الإيرانية أن تكون أكثر فعالية من ضربة إسرائيلية غير مدعومة أميركيًا”.
ويعتقد أنه لكي يوافق المسؤولون الأميركيون على مثل هذا الإجراء، يجب أن يكونوا على يقين من أن إيران لا يمكنها ببساطة إعادة بناء برنامجها بسرعة والإسراع نحو إنتاج سلاح نووي. وهذا يعني أنه سيتعين تعطيل المشروع النووي الإيراني بأكمله، ليشمل مرافق تصنيع أجهزة الطرد المركزي، ومراكز البحوث، وموجة منسقة واسعة النطاق من الاغتيالات ضد العلماء النوويين الإيرانيين.
وخلص دي روش إلى أن العدد الكبير من المهام الصعبة التي يجب أن تكون ناجحة من أجل تحقيق ذلك يجعل مثل هذا السيناريو غير محتمل، مرجحا أن تقوم إسرائيل باتخاذ إجراء من جانب واحد.
في حين استبعد خبير السياسة النووية جيمس أكتون أن تُقدم الولايات المتحدة على الانضمام لإسرائيل في أي هجمات على البرنامج النووي الإيراني في المستقبل المنظور، مرجحا هو الآخر أن تقوم إسرائيل وحدها بالهجمات.