ماذا بعد تحذير أردوغان من احتلال إسرائيل لسوريا؟
أنقرة- في تصريح لافت خلال حوار مع الصحفيين على متن طائرته أثناء عودته من زيارة إلى ألبانيا، عبّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوفه إزاء ما وصفه بخطر تحرك إسرائيلي نحو دمشق، مما فتح باب التساؤلات حول تداعيات هذا السيناريو على الأوضاع الإقليمية.
وحذر أردوغان من أن أي سيطرة إسرائيلية على العاصمة السورية قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد، مشيرا إلى أن هذا الأمر لن يقتصر على دمشق بل قد يمتد إلى الشمال السوري، مما قد يشكّل تهديدا مباشرا للأمن التركي على حدوده الجنوبية.
وشدد على ضرورة تفعيل آلية تعاون ثلاثية بين روسيا وسوريا وإيران، لافتا إلى أهمية اتخاذ خطوات “أكثر حزما” في مواجهة ما وصفه بـ”التنظيمات الإرهابية” المدعومة من الولايات المتحدة، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل القوة الأساسية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
تحول
وجاءت هذه التصريحات بعد خطاب سابق لأردوغان قال فيه إن “الإدارة الإسرائيلية التي تتحرك بوهم الأرض الموعودة، وضعت الأراضي التركية ضمن مخططاتها بعد فلسطين ولبنان”. وأكد أن “العدوان الإسرائيلي لا يتوقف عند حدودهما، بل يشمل تركيا أيضا”، مشددا على أن بلاده ستتصدى لـ “إرهاب الدولة بكل الوسائل المتاحة، دفاعا عن الوطن والشعب والسيادة”.
وعقد البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، جلسة مغلقة سيظل مضمونها سريا لـ10 سنوات، عرض فيها وزيرا الخارجية هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، تطورات العدوان الإسرائيلي وتوسيع الهجمات من غزة إلى مناطق أخرى، والمخاطر المحتملة على تركيا.
يرى المحلل السياسي باقي لالي أوغلو أن تصريحات أردوغان حول التهديدات الإسرائيلية لسوريا تعكس تحولا في السياسة التركية، إذ لم تعد تركز فقط على القضايا الإقليمية والإنسانية، بل باتت ترى أن “السياسات العدوانية لإسرائيل” تؤثر مباشرة على تركيا.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح لالي أوغلو أن التحركات الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا وإيران تسببت في زعزعة الاستقرار الإقليمي مما انعكس سلبا على تركيا.
وأضاف أن الهجوم البري المحتمل على سوريا قد يؤدي إلى موجة نزوح جديدة نحو الشمال السوري، ما قد يضطر أنقرة لتوسيع مناطقها الآمنة هناك.
وأشار إلى أن احتلال إسرائيل الكامل لسوريا غير مرجح حاليا، لكن الاحتلال الجزئي في جنوبها ممكن. كما حذر من أنها قد تسعى لاستهداف بعض الأراضي التركية ضمن ما يُسمى بـ “أرض الميعاد”، خاصة مع دعم الموساد لحزب العمال الكردستاني، مما يعزز التهديد المستقبلي لتركيا.
مصدر قلق
من جانبه، أوضح الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية محمود علوش أن ما حذرت منه تركيا طوال العام الماضي أصبح واقعا ملموسا اليوم، إذ توسّع إسرائيل دائرة التصعيد في الشرق الأوسط دون رادع، مما يوضح أهدافها بجلاء، لا سيما ما وعد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تغيير جذري في المنطقة.
وأشار علوش -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن التحركات الإسرائيلية لم تعد مقيدة بحدود واضحة، مما يرفع مستوى المخاطر على جميع دول المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن وإيران، موضحا أن الموقف قد يتفاقم إذا وجدت إسرائيل أن تكلفة توسعها منخفضة.
وبرأيه، يشكّل هذا الوضع مصدر قلق خاصا لتركيا، إذ إن مزيدا من الاضطرابات الإقليمية سيكون له انعكاسات أمنية واقتصادية وسياسية مباشرة على أنقرة.
وأوضح علوش أن نجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها سيؤسس لواقع جديد في الشرق الأوسط تكون فيه هي القوة المهيمنة، وهو ما سيلحق أضرارا جيوسياسية كبيرة بالقوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك تركيا.
ووفقا له، يُعد المشروع الانفصالي الكردي في شمال سوريا أحد أكبر المستفيدين من أي تحولات كبيرة في الصراع، مما يثير قلق أنقرة، إذ يرى أردوغان أن تصاعد التهديدات في سوريا يجب أن يكون دافعا قويا لدمشق وحلفائها الروس والإيرانيين لتعزيز عملية التطبيع مع تركيا.
وفي خطوة مفاجئة، قام زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، الذي طالما عارض الحوار مع الأكراد، بمصافحة أعضاء حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب المتهم بصلته بحزب العمال الكردستاني، ما أثار تكهنات كثيرة حول احتمالية تغيير موقف التحالف الحاكم تجاه الأكراد.
وفي تعليقه على الحادثة، قال أردوغان “نرى أن مصافحة السيد بهتشلي مع قادة حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية، وتصريحاته التي أطلقها أمس، خطوات قيمة للغاية، نحن نرى ضرورة أن تقوم الأحزاب التي تدعي انتماءها لتركيا بمحاسبة نفسها على ما فعلته في الماضي”.
وأفاد موقع “المونيتور” بأن محادثات استكشافية جارية حاليا بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان، زعيم الكردستاني المسجون، بهدف استئناف المفاوضات لعملية سلام جديدة بين الحكومة والأكراد.
وبحسب الموقع، فقد تمكن أوجلان مؤخرا من التواصل المباشر مع قيادة حزبه المتمركزة في جبال قنديل بشمال العراق. ووفق أحد المصادر، قال أوجلان للقيادة الكردية “لقد حان الوقت لمناقشة إلقاء السلاح”.
جهود تليين
برأي المحلل السياسي محمود علوش، أن هذا التحول يعكس جزءا من جهود التليين التي بدأها الرئيس التركي مع المعارضة عقب الانتخابات المحلية. ويعتقد أن تهدئة الاستقطاب الداخلي باتت ضرورة ملحة لمساعدة تركيا على الحد من تداعيات الحرب الإقليمية وتأثيراتها على البلاد.
ويضيف أن انفتاح التحالف الحاكم على الحزب الكردي يأتي مدفوعا بشكل رئيسي بأهداف سياسية داخلية، أبرزها رغبة أردوغان في تعديل الدستور، خاصة بعد تراجع رهاناته على التطبيع مع حزب الشعب الجمهوري، كما أنه يحمل بُعدا آخر يتمثل في السعي لإيجاد أفق مستقبلي لمعالجة الصراع المستمر بين الدولة والحالة السياسية الكردية.
إلا أن الباحث الأكاديمي جنك سراج أوغلو يرى أن هذه التحولات في سياسة تحالف الشعب الحاكم، رغم مكاسبها الداخلية كتسريع عملية إعادة صياغة الدستور وضمان ترشح الرئيس أردوغان لولاية جديدة، تحمل أيضا فوائد إستراتيجية على المستوى الخارجي. وإحداها -برأيه- قد تتمثل في تسهيل التوسع التركي في الشمال السوري عبر تفاهم مع الأكراد مقابل تنازلات تقدمها الحكومة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الباحث الأكاديمي إلى أن التحرك الإسرائيلي في سوريا تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني لا يضمن بشكل واضح نوايا تل أبيب الحقيقية.
وبيّن أن العمليات الإسرائيلية في سوريا إن حدثت ستفتح المجال لدور أميركي أكبر في المنطقة، ما قد يساهم في تقوية المشاريع الانفصالية التي تدعمها قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد).
كما لا يستبعد سراج أوغلو احتمال قيام أنقرة بعملية عسكرية في مناطق شرق الفرات، مؤكدا أن الهدف الرئيسي منها سيكون حماية مصالح تركيا، ومنع قيام كيان انفصالي في سوريا يمثل تهديدا لأمنها القومي.
وأوضح أن التحركات العسكرية التركية الأخيرة، بما في ذلك التعزيزات الكبيرة التي دفعت بها إلى مواقعها في شمال غربي سوريا، خاصة في إدلب، تشير إلى أن أنقرة مستعدة لمواجهة أي تطورات ميدانية قد تفرضها الأوضاع على الأرض. وقال إن المحادثات بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان، إن صحت، ستفتح الباب أمام فصل جديد في العلاقات بين الطرفين.