بلدة سحمر بالبقاع اللبناني تاريخ من العدوان الإسرائيلي والتضحيات
البقاع- واصفا الوضع في بلدته سحمر في البقاع الغربي، يقول اللبناني زاهد الخشن إن “العدو الإسرائيلي” لم يوقف هجماته الجوية، ويستهدف منازل المدنيين والطرقات العامة والأحياء وسيارات الإسعاف، كما ارتكب أكثر من مجزرة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، مما جعل بلدته مهجورة تماما.
وأضاف الخشن أن الاحتلال ينفذ -على مدار الساعة- غارات جوية لا تختلف بنتائجها الدموية والتدميرية عن تلك التي تصيب مدن بعلبك والهرمل والنبطية والضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت.
وذكر للجزيرة نت أن الدمار كبير جدا والخسائر لا يمكن حصرها حاليا بفعل استمرار الاعتداءات، “لكن ممتلكاتنا وأرزاقنا تهون أمام دماء شهدائنا الذين سقطوا في سحمر، ويحمر، وقليا، وغيرها، أو خلال المواجهات الدائرة مع العدو الإسرائيلي في جبهة الجنوب”.
أم الشهداء
ووفق الخشن، نزح غالبية أهالي سحمر باتجاه قرى القرعون، ولالا، وجب جنين، وبعلول، حيث استقبلهم أهاليها وفتحوا لهم منازلهم وأمنوا لهم الكثير مما يحتاجونه في مثل هذه الظروف الاستثنائية، مؤكدا “لكن تداعيات النزوح الاقتصادية كبيرة جدا على جميع الأهالي، خاصة أن الكل يصنفون اليوم كعاطلين عن العمل، وهذا أمر صعب”.
ومنذ بدء العدوان في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أدت الغارات الإسرائيلية على بلدة سحمر إلى استشهاد 40 شخصا وإصابة نحو 100 بجروح متفاوتة الخطورة، كما دمرت عشرات الوحدات السكنية بالكامل، وأصابت أكثر من 500 منزل بأضرار متفاوتة، وأخرجت المرافق العامة عن الخدمة، وهجرت جميع سكانها البالغ عددهم نحو 7 آلاف شخص إلى مناطق آمنة نسبيا.
بالعودة إلى الماضي القريب، شهدت سحمر مجزرة تل الزعتر عام 1976، التي أسفرت عن سقوط 63 شهيدا، كما استشهد 25 آخرون باستهداف إسرائيلي لسيارات تقل نازحين من أهلها على طريق بعلبك عام 1982، وأعدم الاحتلال 11 شخصا عام 1984 في ساحة البلدة، واستشهد 8 آخرون في عدوان 1996.
ويقول علي. م “لا تقتصر الخسارة على الذين سقطوا في المجازر السابقة، فبلدتي الجريحة قدمت عشرات الشهداء أيضا في مواجهات مع العدو الإسرائيلي منذ سبعينيات القرن الماضي حتى أمس”.
وأضاف للجزيرة نت “اليوم أضيف نحو 40 شهيدا والمعركة متواصلة، هذا قدرنا، شهداء، ودمار، ونزوح داخلي، وهجرات إلى الخارج، نعيش اليوم أعباء نزوح طال أمده بعدما خسرنا منازلنا ومؤسساتنا، لقد دمر منزلي بالكامل وخرجت مع عائلتي بما نلبس من ثياب، وضعنا مأساوي، يكفي أن تسأل عن شعور أي شخص فقد كل ما يملك بلحظة ليصبح مشردا هنا وهناك”.
لحظات صعبة
بدوره، أفاد وهبي أحمد وهبي -نازح من سحمر إلى القرعون- بأنه دفن شقيقته مريم وزوجها عز الدين اللذين سقطا أول أيام القصف على البلدة، “كانت لحظات مؤثرة جدا وصعبة، ما ذنبهما؟”، يتساءل.
وأوضح للجزيرة نت “صهري مريض وشقيقتي طاعنة بالسن، فجأة تحولا إلى أهداف عسكرية لجيش العدو، هذا إجرام ما بعده إجرام، أجزم كغيري من اللبنانيين أن ما يحصل من دمار وقتل ليس بغريب عن نهج إسرائيل، تخيل وأنت تسابق الوقت بين غارة جوية وأخرى كي تدفن أحد أفراد عائلتك، هذا ما حصل معنا ومع كُثر من أبناء بلدتي والأخرى المجاورة خاصة في يحمر وقليا وزلايا ومشغرة وعن التينه ولبايا”.
وبعد مراسم دفن سريعة جدا لشقيقته وصهره، يضيف وهبي أن القصف اشتد على سحمر، مما دفعه إلى نقل عائلته (5 أفراد) إلى القرعون التي تبعد عنهم نحو 5 كيلومترات، حيث استقبلهم أهلها “بكل عطف وتضامن، وأسكنوه هو وأسرته في أحد المنازل، ويقول “أنا اليوم أعد الأيام بانتظار العودة إلى البلدة لتفقد بيتي الذي تضرر كغيره من منازل الحي الذي أسكنه”.
تتشابه معاناة قرى جنوب البقاع الغربي في ظل الغارات التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي. ويقول محمد عباس من بلدة يحمر المتداخلة جغرافيا مع سحمر “غادرنا منزلنا منذ اليوم الأول للعدوان دون أن نحمل معنا أي مقتنيات، حتى ثيابنا. لقد كان القصف الجوي عنيفا جدا على البلدتين وتسبب بمجازر وسط المدنيين والأطفال النساء”.
نزوح كبير
وأضاف عباس “لا أعلم اليوم ما حل بمنزلي، فدخول سحمر أو يحمر يحمل مخاطر كبيرة، فالعدو يمارس هواية القنص بالمُسيرات لكل جسم متحرك، لكني سمعت عن دمار هائل في المباني والمرافق العامة”.
وعن مكان إقامته وعائلته اليوم، قال “منذ اليوم الأول استقبلتنا بلدة القرعون، ووفرت لنا إقامة مجانية في قاعة كنيستها، آمل كغيري بالعودة إلى قريتي لأعرف ماذا حل بجنى العمر، ومهما كانت النتيجة، فهي تهون أمام أرواح من فقدانهم في هذه الحرب”.
ووفق مختار بلدة سحمر ياسر الخشن، لا يوجد إحصاء دقيق يوثق عدد الوحدات السكنية المدمرة كليا أو جزئيا في البلدة. وقال -للجزيرة نت- إن عدد سكانها يبلغ نحو 8 آلاف نسمة بحسب إحصاء وزارة الداخلية، أما عدد الوحدات السكنية، فيناهز 1500 وحدة.
وبحسب معلومات ميدانية، فإن دمارا كليا لحق بـ40% من الأبنية، وأصيب 60% منها بأضرار جزئية، كما لحقت أضرار كبيرة بالمحال التجارية، ومؤسسات تصليح وبيع السيارات الذي هو من أهم القطاعات إنتاجية في البلدة يعتاش منه نحو 50% من أبنائها، علما أن 97% من أهالي سحمر غادروها إلى مناطق أكثر أمنا.