تصعيد خطير.. إلى أين تتجه أحداث “عين الحلوة” في لبنان؟

بيروت- تطورت الاشتباكات لمرحلة غير مسبوقة في “عين الحلوة”، أكبر المخيمات الفلسطينية المحاذي لمدينة صيدا جنوب لبنان، بين عناصر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، ومجموعة تطلق على نفسها اسم “الشباب المسلم”، حيث شهد المخيم مواجهات عنيفة أمس الأربعاء ليلا، متوّجة في الإطاحة بنتائج اتفاق وقف إطلاق النار برعاية “هيئة العمل الفلسطيني المشترك”.

وبعد انحسارها لساعات، تجددت المعارك داخل المخيم وأصابت شظاياها صيدا، وتزامنت مع زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، وعضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، (حماس) موسى أبو مرزوق بيروت، اللذين أجريا مباحثات مع رئيسي الحكومة والبرلمان وقيادات أمنية وسياسية، بغية وضع حد للتدهور.

وبعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قال الأحمد، إن “العناصر الإرهابية تستغل طبيعة المخيم.. ومن الواضح أن لديهم اتصالات مع جهات أجنبية استخباراتية موثقة لدينا..”.

بالمقابل، قال أبو مرزوق، إن “ما يجري تدمير للمخيم تحت عنوان محاربة الإرهاب، وحاولنا مساعدة من هو بمأزق، ولكن التعهدات التي قُطعت لنا بلا معنى”.

تجدد الاشتباكات

تدهور الوضع الميداني داخل المخيم يمكن ربطه بالوقائع التالية:

• حركة فتح تواصل محاولات التقدم رغم عدم قدرتها على الحسم عسكريا.
• مجموعة “الشباب المسلم” تخوض المعركة مقابل رفضها تنفيذ مطلب تسليم المتهمين بقتل قائد الأمن الوطني بمدينة صيدا، العميد أبو أشرف العرموشي.
• بينما تقف “هيئة العمل الفلسطيني المشترك” عاجزة عن ضمان تثبيت وقف إطلاق النار، ما يجعل المعركة بلا أفق زمني ومفتوحة على شتى الاحتمالات.

وتتصاعد المعارك بعد هدوء دام نحو شهر، عقب مواجهات دامية نهاية يوليو/تموز الماضي، أدت حينها لمقتل 12 شخصا، بينهم العرموشي، و4 من مرافقيه.

وتفيد معلومات ميدانية للجزيرة نت، أن أعدادا جديدة من المقاتلين تدخل المخيم وسط مدّه بالسلاح والذخيرة الثقيلة، ويتساءل أبناؤه عن وجود قرار خارجي بمواصلة المعركة. وتشير المعطيات عينها بأن مواجهة أمس الأربعاء اشتعلت بين حركة فتح و”الشباب المسلم”، بمكان تمركز الأخير بحي حطين، ثم عمّت -لأول مرة- أجزاء واسعة من المخيم.

وأفادت مصادر طبية فلسطينية للجزيرة نت، عن سقوط نحو 8 قتلى، 3 منهم من حركة فتح ونحو 24 جريحا، في المعركة التي استخدمت فيها مختلف الأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية، ما يرفع العدد الإجمالي منذ اندلاعها ليل الخميس الماضي إلى 15 قتيلا، وأكثر ‏من 150 جريحا (حتى الآن).

وبينما يشهد المخيم حركة نزوح واسعة إلى صيدا والجوار، يقول الخبير والصحفي الفلسطيني أحمد الحاج علي للجزيرة نت، إن الهجمات المضادة بين حركة فتح و”الشباب المسلم” جرى فيها استخدام الأسلحة المتوسطة بكثافة، خاصة “بي 10” (B10) والهاون من عيار 60 والدوشكا، وبلغت التعبئة ذروتها بعد إخفاق مفاوضات تسليم المشتبه به بقتل العرموشي، حيث لم يُسحب المسلحون، ولا أُزيلت الستائر الترابية.

ويقول الحاج علي، إن الخسائر المادية كبيرة ويصعب حصرها، وتقدرها وكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) -قبل تجدد الاشتباكات الأخيرة- بحوالي 10 ملايين دولار، وتشمل البيوت والمحال التجارية والمدارس والبنى التحتية المتضررة، بالإضافة إلى تعليق دراسة نحو 6000 طالب فلسطيني بالمخيم، لا يستطيعون التوجه لمدارسهم وسط مخاوف سكان المخيم من عدم تقديم التعويض لهم بعد المعارك.

ويرى مراقبون أن التصعيد يتفاقم مع تحول المخيم لخطوط تماس، وتتعقد فرص حلوله نتيجة تعددية المرجعيات الأمنية ومصادر القرار، وتتحدث معلومات الجزيرة نت عن انقسام المجموعات الفلسطينية على نفسها، مما يعمق أزمة الحسم بوقف إطلاق النار.

محاولات احتواء فلسطينية

بعد اغتيال العرموشي، شُكلت لجنة تحقيق من هيئة العمل الفلسطيني المشترك، شاركت فيها أحزاب وقوى لبنانية، وحددت أن هناك 8 أسماء (4 فلسطينيين و4 لبنانيين)، شاركت بعملية الاغتيال، ولم يُسلّم أحد منهم حتى الآن، بينما قُتل أحدهم مساء الاثنين الماضي نتيجة المعارك.

ودفع تجدد الاشتباكات إلى عقد اجتماع في السفارة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، نتج عنه قرار وقف إطلاق النار، وكان من اللافت بعدها صدور بيان مشترك بين حركتي الجهاد وحماس، يدين بلغة حاسمة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، وعدّ مراقبون أن البيان الذي وردت فيه عبارة، “إن ضرورة توقيف المتورطين بالجرائم، لا يسوّغ ما يجري من تهديد للسلم الأهلي في المخيم والجوار”، يعبّر عن انتقاد ضمني لحركة فتح، كونها تسعى لمحاولة الحسم العسكري.

يقول أمين السر لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، العميد سمير أبو عفش للجزيرة نت، إن وقف إطلاق النار مقرون بمطلب تسليم القتلة للقوى الأمنية اللبنانية، ويصف من يقاتلون “فتح” بالقوى الإرهابية والتكفيرية.

ويضيف “ما يحدث ليس تقاتلا فلسطينيا- فلسطينيا؛ بل هناك فئة إرهابية تسعى لتخريب المخيم كما فعلت في مخيم نهر البارد شمال لبنان في 2007″.

بالمقابل، يقول الناطق الإعلامي باسم حركة حماس في لبنان جهاد طه، إنه كان هناك موقف مسؤول وجاد من حركتي فتح وحماس بوقف إطلاق النار، وتفويض القوى الأمنية اللبنانية مع الهيئة بملاحقة المطلوبين، ولكن “عادت الأمور لمربع التصعيد”، متسائلا عبر الجزيرة نت، عن مدى وجود أيادٍ تسعى لتخريب القضية الفلسطينية وتعميق ضربها من بوابة اللاجئين والمخيمات بلبنان.

ويرى أن “هناك من يحاول أن يوتر الأجواء عبر مجموعات غير منضبطة، ونطالب مختلف الأطراف تحمل مسؤوليتها برفع الغطاء عنهم”.

ويطالب طه الجانب اللبناني الأمني والرسمي بالوقوف لجانب القوى الفلسطينية وبحياد، في وجه المصعّدين خدمة لما يصفه “بالمشروع الصهيوني”، الذي يسعى لشطب المخيمات من الخريطة ضمن مسار كبير هدفه التطبيع.

ويضيف المتحدث بأن المخيمات -وعلى رأسها “عين الحلوة”-، حاضنة للمقاومة الفلسطينية، ويؤكد مساعي حماس المستمرة، بقطع الطريق على “الأجندات” التخريبية.

الدور اللبناني

ترخي المعركة ثقلها على الواقع اللبناني المعقد، وسط تساؤلات عن وحدة الموقف اللبناني، أمنيا وسياسيا، من أطراف النزاع.

وبالسياق، يفيد رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، باسل الحسن للجزيرة نت، بأن ثمة فراغا كبيرا بمسألة ضبط الأمن داخل المخيم، ويقول، إن الدولة والجيش اللبناني لا يفضلان استخدام القوة، وثمة تنسيق مع القوى الفلسطينية لكيفية معالجة الواقع، ويقول، إن “مسألة تسليم المطلوبين مطلب لبناني فلسطيني مشترك، ومنهم من اعتدى على الجيش بإلقاء القذائف على أحد حواجزه”.

ويحذّر الحسن من تصعيد الاشتباكات بالقول، إن “استمرارها يعني أن ثمة مؤامرة لإنهاء “عين الحلوة” لاحقا وتعريض سكانه لمخاطر هائلة، في ظل العجز عن تعويض الخسائر والدمار الذي يشرد آلاف الأسر”.

ويؤكد الحسن أن الجانب اللبناني يتعامل بحيادية مع الأطراف الفلسطينية، “آخذا بالاعتبار أن السفارة تمثل الدولة الفلسطينية، ولها خصوصية لدى الدولة اللبنانية بمعالجة قضية المخيم”.