الاخبار العاجلةسياسة

سكوت رايتر للجزيرة نت: حماس انتصرت ولا يمكن القضاء عليها

واشنطن – فاجأت حركة حماس العالم بعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الجاري، ولم تكن المفاجأة فقط في حجم الخسائر الإسرائيلة الضخمة، بل امتدت إلى كيفية التخطيط والتنفيذ في سرية تامة دون الكشف عنها، على الرغم مما يحيط بقطاع غزة من شبكات تجسس إسرائيلية تكنولوجية وبشرية متنوعة، وامتدت المفاجأة كذلك إلى مدى نجاح حماس في تحقيق أهدافها، ورجوع المئات من مقاتليها إلى غزة ومعهم أكثر من مئتي رهينة وأسير من الجانب الإسرائيلي.

وللحديث أكثر عن الجانب الاستخباراتي لعملية طوفان الأقصى، وما جرى حتى الآن من رد الفعل الإسرائيلي المدفوع بالدعم الأميركي الواسع، في محاولة استطلاع أفق المستقبل القريب، حاورت الجزيرة نت ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركي السابق سكوت رايتر، الذي يملك باعا طويلا في الخبرة العملية والبحثية والتحليلية في شؤون الشرق الأوسط.

وخلص رايتر إلى أن حركة حماس قد انتصرت بالفعل بعمليتها المعقدة والمتقدمة في السابع من أكتوبر، وأنه لا يمكن القضاء على حركة حماس كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن حماس أصبحت رمزا عمليا ومعنويا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتاليا نص الحوار:

32458460 1697808779
سكوت: كمطلع بشدة على الجيش الإسرائيلي، لاحظت التراجع في المستوي القتالي لجنوده خاصة بين أفراد القوات البرية(وكالة الأناضول)

بداية، بخبرتكم العريضة كضابط استخبارات عسكرية، هل فاجأتكم عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر؟

لا لم أفاجأ برغبة أو بنية حركة حماس شن هجمات على إسرائيل، فقد تركت الاتفاقيات الإبراهيمية الفلسطينيين بلا أمل، وسط تجاهل أميركي وإسرائيلي وعربي لطموحاتهم في دولة مستقلة، لم يكن من المنصف التعامل مع الفلسطينيين كشعب من درجة ثانية، ومن الطبيعي أن يكون هناك غضب كبير، ومن الطبيعي أن يظهر في صورة العنف الذي رأيناه، من هنا لم أفاجأ برغبة حماس في البحث عن فرصة واغتنامها لشن هجماتها.

لكن ما فاجأني بالفعل هو سوء حالة وتردي أداء الجيش الإسرائيلي، كمطلع بشدة على الجيش الإسرائيلي، وأدرسه منذ سنوات طويلة، وقد لاحظت التراجع في المستوي القتالي لجنوده خاصة بين أفراد القوات البرية، وسط اعتماد مبالغ فيه على التكنولوجيا وإمكانيات القوات الجوية.

من ناحية أخرى، كان عندي ثقة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فعلى مدار عقود أظهرت قدرة كبيرة على اختراق حركات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عن طريق زرع شبكة واسعة من الجواسيس، وكان لديهم شبكة محكمة ترصد الكثير مما يجري في قطاع غزة، وكان هناك يقين بين خبراء الاستخبارات يستبعد أن تخطط حماس لعملية بهذا الحجم دون الكشف عنها وإحباطها.

الفشل الإسرائيلي الاستخباراتي كان صادما بالنسبة لي، لكن الأكثر صدمة هو رد فعل الجيش الإسرائيلي فور وقوع هجمات حماس يوم 7 أكتوبر، وما جرى يؤكد أن لدى الجيش الإسرائيلي عدة فرق مميزة ذات خبرات قتالية استثنائية، لكن بقية قوات الجيش ليست على المستوى المطلوب، خاصة أفراد قوات الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للقتال.

 كيف تفسر إذن هذا الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي؟

ما جرى يشبه كثيرا ما جرى عشية حرب أكتوبر 1973، فالوثائق الرسمية تُظهر أن الكثير من صغار ضباط الاستخبارات رصدوا التحركات المصرية والسورية، وحذروا من وقع هجوم مشترك، لكن القيادة السياسية كانت لها حسابات أخرى، ولم تتخذ الاحتياطات الواجبة، وتكرر نفس السيناريو في 7 أكتوبر الحالي، كان هناك الكثير من التقارير عن توقعات استخباراتية تؤكد قرب وقع هجوم لحركة حماس، وبالطبع لم يتحدث أحد عن يوم محدد أو أن يكون الهجوم بضخامة ما شاهدناه.

يكون التحدي الأهم في هذه الحالة إقناع القيادة السياسية بهذه التوقعات، فالقيادة السياسية لها حساباتها، وقد لا تقتنع بحجج الاستخبارات، خاصة وإن كانت تؤمن أن حركة حماس تحت السيطرة، وأنها فقط تريد الاستمرار في حكم قطاع غزة، ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية وإصدار 20 ألف تصريح لموانئ غزة للعمل داخل إسرائيل، تم استبعاد خيار إقدام حماس على الانقلاب على كل ذلك وشن الهجوم الكبير، إضافة لاستبعاد القيام بهجوم بهذه الضخامة.

آمنت القيادة السياسية في إسرائيل أن حماس مهتمة بالحكم أكثر من اهتمامها بالقتال، وقد يكون قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تنازلوا عن قناعاتهم إرضاء للغرور السياسي لنتنياهو.

ولماذا فشلت كذلك “الـسي آي إيه” المعروف تمتعها بأفضل ما لدى أجهزة الاستخبارات في العالم، في توقع ما جرى؟

لقد سمحت الاستخبارات الأميركية أن تبقى رهينة للاستخبارات الإسرائيلية فيما يتعلق بالداخل الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، وتركت “السي آي إيه” هذه الساحة للإسرائيليين وقبلت كل تقديراتهم دون معارضة، وكان “للسي آي إيه” علاقات قوية مع السلطة الفلسطينية، ولديها طرق للتواصل غير المباشر مع حماس، كما أن للمصريين وجود استخباراتي بشري قوي داخل قطاع غزة، ومن المؤكد أنهم علموا بترتيب لشيء ما، لكن بالطبع لم يعرفوا التاريخ أو حجم العملية كما اتضح لاحقا.

تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالقضاء على حركة حماس؟ هل هذا ممكن؟

حركة حماس أصبحت أكثر من منظمة أو جماعة في صورتها المادية التقليدية، حماس أصبحت مفهوما أوسع لمعنى المقاومة، وعلينا أن نتذكر أن حماس قامت بعمل لم يقم به من قبل إلا الجيش المصري أو حزب الله من هزيمة الجانب الإسرائيلي في ساحة القتال، حماس انتصرت بالفعل في 7 أكتوبر، ولا يمكن تغيير ذلك.

عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس يوم 6 أكتوبر 1973 انتصرت مصر، بعد ذلك قامت إسرائيل بهجمات مضادة وقوية، لكن ذلك لم يغير أن مصر انتصرت، ونفس الشيء مع حماس اليوم، لقد انتصرت في 7 أكتوبر، حتى لو قامت إسرائيل بالعمل على تدمير حركة حماس.

اقرأ ايضاً
الإمارات و كوريا الجنوبية توقعان اتفاقيات في مجال الدفاع و التعاون الهيدروجين

لماذا تأخر الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة، بالرغم من مطالبة الكثير من الجهات الإسرائيلية بذلك؟

لأن الجانب الإسرائيلي لا يقدر على ذلك بسهولة، أعتقد أن ما سنراه لن يتخطى هجمات وعمليات محددة تقوم بها قوات إسرائيلية خاصة (قوات النخبة) ضد أهداف داخل غزة، منها بعض الانفاق بهدف تدمير خطوط حماس الدفاعية، أو ربما تحرير بعض الرهائن، لكن هم يعرفون أنهم سيتكبدون خسائر بشرية كبيرة.

قوات الاحتياط لا تعرف كيف تقاتل في الأنفاق، ولا في المدن المكتظة بالسكان، ولو عادت قوات النخبة في صناديق القتلى، فسيضعف ذلك الروح المعنوية لبقية الجنود، وربما يعجل بانهيار الحكومة الإسرائيلية، ولا يوجد لدى إسرائيل سلاح لم تستعد له حركة حماس.

وعلينا تذكر أن واشنطن أرسلت قبل أيام جنرالا من قوات المارينز ومتخصص في العمليات الخاصة، في محاولة أميركية لإقناع الجانب الإسرائيلي بتجنب الاقتحام البري، وليقول لهم إنكم لن تستطيعوا هزيمة حماس.

واشنطن لن تعطي ضوءًا أخضر لإسرائيل لاقتحام غزة، بل على العكس، بايدن لا يريد أن يتوسع نطاق الحرب بانضمام حزب الله وإيران والضفة الغربية، ولا يريد التورط في حرب شرق أوسطية جديدة، ولا يريد حربا إقليمية جديدة في وقت وجود خسائر في أوكرانيا وفي جنوب شرق آسيا، سيكون من الحماقة التورط في حرب ضد إيران.

وماذا عن الجانب العملياتي العسكري؟ هل يمكن تدمير حماس؟

لا أستطيع أن أتصور أن باستطاعة إسرائيل الانتصار عسكريا على حماس، الجيش الإسرائيلي لم يعد بقوته في الماضي، حرب المدن، مثل اقتحام غزة بريا، سيكون صعبا جدا على إسرائيل الانتصار الساحق فيها، فحماس تستعد على مدار العامين الأخيرين لهذا اليوم، وهي لديها معرفة بكل ترسانة الأسلحة لدى إسرائيل وتعرف قدراتها التدميرية، وعليه فإن حماس استعدت للمعركة البرية، وقامت بتخزين طعام وشراب يكفيها لأشهر من القتال.

على الجانب الآخر تهرع إسرائيل في محاولة للقيام بالاقتحام البري بعد وقت قصير من الاستعداد، في وقت لا يتمتع فيه الآلاف من قوات الاحتياط بالقدرات القتالية المطلوبة.

ما قامت به حماس لا يمكن معه إلا تقديم الاحترام والتقدير لقراءتهم التخطيطية والقتالية، وبناء عليه هنا أتوقع نفس الأداء ونفس الكفاءة في حرب الأنفاق وحرب المدن داخل غزة، هدف حماس هو “تعالوا للقتال في أنفاقنا”، لذا فحماس أكثر استعدادا من إسرائيل لهذه المعركة.

وعلينا تذكر أن إسرائيل تعهدت في 2006 بالقضاء على حزب الله، أين نحن من ذلك اليوم، وجود حزب الله وبقاؤه لليوم يمثل هزيمة لإسرائيل، ونفس الشيء ينطبق على حركة حماس، فبقاؤها هو الانتصار.

حماس انتصرت من بُعدين: الأول أن العالم العربي يراها هزمت إسرائيل، والثاني لأن إسرائيل وضعت هدفها مهمة مستحيلة التحقيق، ستبقى حماس وستنهار الحكومة الإسرائيلية.

ولا يجب التقليل من شان أن الرأي العام العالمي يتعاطف مع القضية الأهم اليوم وهي قضية فلسطين، بعدما توقع بعضهم انتهاء هذه القضية للأبد، ويطالب العالم اليوم بتحقيق تطلعات ملايين الفلسطينيين في إنشاء دولة لهم ينعمون فيها بكرامة، بدلا من الوقوع للأبد تحت الاحتلال الإسرائيلي.

وقد تنجح حماس فيما فشلت فيه الحكومات والجيوش العربية، ناهيك عن السلطة الفلسطينية على مدار 3 أرباع القرن، بتحقيق حلم الدولة، بسبب ما قامت به يوم 7 أكتوبر، فمنذ بدء الاتفاقيات الإبراهيمية، لم يتحدث أحد عن الفلسطينيين ومعاناتهم، انظر اليوم، هم حديث العالم كله بدلا من التطبيع، العالم يتساءل كيف نحل هذه القضية بعدما توهم كثيرون أن القضية انتهت.

وكيف لك أن تفسر موقف جو بايدن من هذه الأزمة حتى الآن؟

إدارة بايدن فشلت في كل ملفات السياسة الخارجية، وفي كل أزمة واجهتها. في إيران، كان بإمكان بايدن حل أزمة الملف النووي الإيراني خلال الشهر الأول من حكمه، انظر أين نحن الآن، كان يمكن لبايدن أن يتجنب الحرب في أوكرانيا قبل بدء القتال، انظر كيف تقدمت روسيا ولم ولن تنتصر أوكرانيا، لقد فشلوا في خفض التوتر مع الصين في مناطق المحيطين الهندي والهادي.

كان يمكن لبايدن بدء عملية تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنه فضل الاستثمار في عملية التطبيع الإسرائيلي مع المملكة العربية السعودية، انظر أين نحن الآن، إدارة بايدن تغيب عنها الكفاءة، وعينها على انتخابات 2024، وأغلب الاستطلاعات تُظهر نتائج تراجع كبير لبايدن، وآخر شيء كان ينتظر بايدن هو أزمة جديدة في الشرق الأوسط لا يمكنه فيها معارضة الموقف الإسرائيلي.

يعرف بايدن أهمية وثقل الصوت اليهودي في الانتخابات الرئاسية، ودعمه للحكومة الإسرائيلية الحالية هو هدف قصير المدى، لأن بقاءها محدود للغاية ولن تستمر طويلا، نتنياهو في طريقه للخروج من الحكم.

ما أهم الدروس والعبر التي أكدتها عملية طوفان الأقصى استخباراتيا؟

  1. غياب الخيال، فأول شيء هو كيفية جمع المعلومات الاستخبارية في عالم اليوم، وعلينا التعلم من الفشل في هذه الحالة، كان هناك الكثير من المعلومات عن رغبة حماس في تحريك الأمور ومهاجمة إسرائيل، لكن غياب الخيال لم يسمح لأحد بتوقع ما جرى.
  2. القضية الفلسطينية تم تجاهلها ودفعها للخلف في سلم الأولويات بواشنطن، ومن الفشل عدم إدراك الصورة الجيو-إستراتيجية الأكبر حال استمرار هذا التجاهل لفترة طويلة، وكان من خطأ الحكام العرب قبول ودعم تجاهل القضية الفلسطينية.
  3. أن عالم اليوم تتمتع فيه الولايات المتحدة بنفوذ، لكنه يتراجع لصالح عالم متعدد الأقطاب، أميركا لم تعد تسيطر كما كانت، وعلى العرب حكاما ومحكومين، إدراك ذلك والتعامل على أساسه.

عن سكوت رايتر وخبرته

عمل سكوت رايتر كضابط مخابرات في سلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز) لمدة 12 عاما، ثم تركزت مهامه على التحليل الجيو-إستراتيجي ضمن قوة الانتشار السريع لسلاح مشاة البحرية فيما يتعلق بالغزو السوفياتي لأفغانستان والحرب الإيرانية العراقية، وخلال حرب الخليج الأولى عام 1991 عمل في مهام التحليل الاستخباراتي تحت قيادة الجنرال نورمان شوارزكوف.

وبعد انتهاء عمله مع البنتاغون، عمل ريتر كمعلق أمني وعسكري لشبكة فوكس نيوز، وكان لديه أيضا “علاقة طويلة ذات طبيعة رسمية” مع وكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية MI6، كما شارك في مهام التفتيش على أسلحة الدمار الشامل ضمن فرق الأمم المتحدة في العراق قبل غزوه عام 2003.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى