الاخبار العاجلةسياسة

يعود تاريخها لحقبة الحكم المصري.. “الكتيبة” ساحة تنافسية بين الفصائل في غزة

غزة- في مثل هذه الأوقات سنويا، تكتسي “ساحة الكتيبة” بألوان تمثل فصائل فلسطينية تحتفي على فترات متقاربة بذكرى انطلاقاتها، غير أن هذه المناسبات لم تعد احتفالية فحسب، بعد أن اكتسبت بعدا تنافسيا، خاصة بين أكبر قطبين؛ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

هذه الساحة الواقعة غرب مدينة غزة، أكبر مدن قطاع غزة، أصبح لها رمزيتها منذ وقوع الانقسام الداخلي إثر سيطرة حركة حماس على مقاليد الأوضاع في القطاع الساحلي الصغير منتصف عام 2007، بعد الفوز الكبير للحركة الإسلامية بالانتخابات التشريعية مطلع عام 2006.

ومنذ ذلك الحين غابت الانتخابات كسبيل لكسب الشرعية، والتسابق لكسب أصوات الجماهير عبر “صناديق الانتخابات”، وتحولت ساحة الكتيبة إلى ما يشبه الاستفتاء الشعبي، فيوظف كل فصيل إمكانياته المادية والبشرية، لإظهار قوته الجماهيرية عبر حشود تشاركه الاحتفاء بذكرى الانطلاقة، أو مناسبات وطنية شبيهة.

ويتندر الغزيون من غير المؤطرين والمنتمين سياسيا على أوصاف يطلقها كل فصيل على هذه الساحة، فتارة هي “الكتيبة الصفراء” بلون راية حركة فتح، وتارة “الكتيبة الخضراء” بلون راية حركة حماس، وفي مرات أقل حدة وجدلا هي “الكتيبة السوداء” بلون راية حركة الجهاد الإسلامي، و”الكتيبة الحمراء” بلون راية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

 

 

حشود ورسائل

آخر هذه المهرجانات التي احتضنتها ساحة الكتيبة كان مهرجان إحياء الذكرى الـ35 لانطلاقة حركة حماس، وسط حضور جماهيري لافت، سبقه مهرجان مماثل للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأعداد أقل بكثير، ومن قبله مهرجان لحركة فتح إحياء لذكرى رحيل الرئيس ياسر عرفات بحضور جماهيري كبير، ودشنت حركة الجهاد الإسلامي الفعاليات في هذه الساحة بمهرجان إحياء ذكرى انطلاقتها بحضور يمكن وصفه بالمتوسط من حيث العدد بين حركتي فتح وحماس.

وخلال سير مهرجان حماس، قال الناطق باسمها حازم قاسم في عدة تغريدات على منصات التواصل الاجتماعي، إن “حشودا غير مسبوقة بمئات الآلاف (شاركت) في مهرجان انطلاقة حركة حماس الـ35، في تأكيد جديد على التفاف شعبنا حول خيار المقاومة والتمسك بالثوابت”.

وقبل ذلك بنحو شهر، قدرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) المشاركين في مهرجان إحياء ذكرى رحيل عرفات بمئات الآلاف، وخلاله تحدث الرئيس محمود عباس عبر الهاتف وبعث برسائل لأطراف عدة داخلية وخارجية.

وكتب ناشط يساري على إحدى المنصات “احتفال حماس يستحق أن يطلق عليه حاشد، وبرأيي تجاوز 100 ألف مشارك، والمشهد يتحدث عن نفسه، وهي الوحيدة القادرة على مثل هذا الحشد، وإن كانت حماس قوية رغم كل مشكلات حكمها وسياستها، يجب أن نعترف أن الآخرين في حالة ضعف”.

غير أن مالك شركة هندسية شاركت في تنفيذ مشاريع تطويرية في المنطقة، يقلل من صدقية هذه الأرقام، بالاستناد إلى مساحة الكتيبة، التي لا تتعدى 20 دونما (الدونم ألف متر مربع)، ويقول -مفضلا عدم الكشف عن هويته- إن المتر المربع يكفي حسابيا لـ3 أشخاص، وبالتالي فإن أي حشد في الساحة لا يزيد على 60 ألف مشارك.

 

 

شرعيات شعبية

وتمثل التنافسية في أعداد الجماهير المشاركة في الفعاليات الفصائلية أهمية كبيرة لا تقل قيمة عن الرسائل التي يطلقها الفصيل المحتفل، ووفق أستاذ العلوم السياسية والمحلل المختص بالشأن الفلسطيني حسام الدجني، فإن الفصائل تسعى من وراء ذلك إلى اكتساب “شرعيات شعبية” في ظل غياب صناديق الاقتراع وهي الأكثر صدقية ودقة.

اقرأ ايضاً
خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيس باكستان في ضحايا استهداف «مسجد بيشاور»

وفي مهرجان حماس الأخير، يرى الدجني -في حديثه للجزيرة نت- أنه تضمن 3 رسائل رئيسية موجهة لأطراف عدة:

رسالة للمجتمع الدولي ودولة الاحتلال والقوى المشاركة في حصار غزة، مفادها أنه رغم مرور 16 عاما على سياسات الخنق والتضييق فإنها لم تنجح في ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، التي تزداد وتتعاظم، وأن المدنيين الأبرياء هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذه السياسات، بمعنى أنها “سياسات فاشلة وغير ذات جدوى”. ورسالة لأصدقاء المقاومة والدول الحليفة، تؤكد أنها تضع مالها ودعمها في المكان الصحيح وأنها تراهن على “الجواد الرابح”، وأن المقاومة لا تزال بخير، رغم سياسات الحصار، ومحاولات التشويه. ورسالة ذات بعد معنوي تحمل الدعم الثوري للمنتفضين والمقاومين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، تؤكد على التحام الساحات.

ويعتقد الدجني أن هذه الرسائل تصل إلى أصحابها، خاصة الاحتلال الذي يرصد ساحة غزة جيدا وكل ما يدور فيها، وكذلك الولايات المتحدة التي قررت أخيرا وبعد سنوات من قطعها، استئناف المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة، ولربما بدأت تدرك أن “سياسة عزل حماس لم تؤت أكلها”، وقد تدرك في المستقبل القريب أن “حماس جزء من الحل وليست المشكلة”، غير أنه مطلوب من حماس في المقابل صياغة خطاب أكثر انسجاما مع القوانين والمواثيق الدولية.

جيش التحرير

في الجانب الآخر من الصورة، يرى مراقبون وأنصار حركة فتح أن جماهيرية الحركة (فتح) في غزة لم تتأثر بعد سنوات من سيطرة حماس على القطاع، وأنها لا تزال قادرة على الحشد والتأثير، وهو ما تظهره الحشود الجماهيرية التي تغطي “ساحة الكتيبة” في جميع المناسبات الفتحاوية.

ويتجاوز المؤرخ الفلسطيني وأستاذ الجغرافيا السياسية سليم المبيض حالة الجدل وصراع الأعداد، ويقول للجزيرة نت إن “ساحة الكتيبة” التي تكتسب اسمها من كتيبة للجيش المصري كانت تتمركز فيها إبان حقبة الحكم المصري للقطاع قبل هزيمة عام 1967، واحتضنت اختبارات لاختيار الفدائيين لجيش التحرير الفلسطيني، تستدعي “تحقيق الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والفصائلية”.

وأضاف المؤرخ “ما زلنا نعيش تحت نير الاحتلال، وجميعنا نكتوي بنيرانه وجرائمه، والتنافس الحقيقي يجب أن يكون في مواجهته، وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني”.

وتأسس جيش التحرير كجناح عسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، مهمته محاربة إسرائيل، بموجب مقررات القمة العربية في مصر عام 1964، واستند قوامه على مجندين من اللاجئين الفلسطينيين، برئاسة أحمد الشقيري أول رئيس للمنظمة.

وقال المبيض إن “ساحة الكتيبة” كانت مقرا للكتيبة الأولى التي التحقت بجيش الشقيري، بعد خضوع أفرادها لفحوص بإشراف أطباء وضباط من الجيش المصري في غزة.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى