الاخبار العاجلةسياسة

تاريخ من الحروب والصراعات.. اتفاقية السلام التشادية في الدوحة النتائج والمآلات

تتويجا لعدة جولات من المحادثات التي احتضنتها دولة قطر منذ مارس/آذار الماضي، وقّعت الحكومة التشادية الانتقالية وممثلون عن الحركات السياسية -اليوم الاثنين في العاصمة القطرية- اتفاقية للسلام، حملت اسم “اتفاقية الدوحة للسلام ومشاركة الحركات السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل السيادي في تشاد”.

كيف بدأت مبادرة الحوار والمصالحة؟

عقب وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو في 20 أبريل/نيسان 2021 متأثرا بجراح أصيب بها أثناء تفقده مواقع الجيش في شمال البلاد، تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسة ابنه محمد ديبي (37 عاما) ليترأس البلاد لمد 18 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات.

أطلق رئيس المجلس العسكري الانتقالي مبادرة للحوار الوطني، داعيا جميع الأطراف السياسية -بما فيها الحركات المسلحة والجماعات المتمردة- للمشاركة في الحوار الوطني، فضلا عن إنشائه وزراه للمصالحة الوطنية وتعيينه مستشارا للمصالحة والحوار برئاسة الجمهورية.

وفي يناير/كانون الثاني 2022، أعلن ديبي في خطاب إلى شعبه أن الحوار الوطني الجامع سينطلق في 15 فبراير/شباط 2022، بهدف تحقيق المصالحة في البلاد وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

Chad's transitional military authorities and rebels sign an agreement for a national dialogue, in Doha
اتفاق السلام يمهّد لحوار وطني شامل بين الأطراف التشادية (رويترز)

من أطراف المصالحة التشادية؟

لم تشهد تشاد منذ استقلالها تداولا سلميا للسلطة، ولهذا تكثر الأحزاب السياسية والحركات المتمردة، وذلك لطبيعة النهج الذي قاد البلاد من حكم عسكري قابض إلى آخر مستبد يقصي كل القوى التي تعارضه.

قدّرت الحركات العسكرية السياسية التي دُعيت إلى الحوار بحوالي 52 حركة، وتأتي حركة “فاكت” (Fact) -جبهة الوفاق من أجل التغير (Front pour l’Alternance et la Concorde au Tchad)- على رأس هذه القائمة التي كان بعضها على شكل تحالفات تنطلق من بعض البلدان وذات توجه متقارب، إضافة إلى 200 حزب سياسي وتجمع مدني من الداخل والشتات، بعدد يصل إلى 300 شخص من جميع الأطراف المرحّبة والموافقة على المشاركة، كما تم تعيين الرئيس التشادي الأسبق جوكوني وداي على رأس اللجنة المعنية بالاتصال بالحركات العسكرية التي رحبت بالمشاركة.

ما أبرز بنود اتفاق الدوحة؟

لا شك أن حوارا جرى في البداية بين الأطراف حول المشاريع التي طرحتها هذه الأطراف، وبدا البون شاسعا بين بعضهم ومشروع الحكومة، إلا أن الوساطة القطرية بذلت جهدا كبيرا في تقريب المسافات وردم الفجوات، من خلال فرز المقترحات وترتيب الأسبقيات وبعث التطمينات وتعميق الثقة. وفي 8 أغسطس/آب الجاري اختتم الحوار وكانت أبرز بنود الاتفاق:

  • وقف الأعمال العدائية بصورة تامة ونهائية بمجرد التوقيع على الاتفاق، وذلك بالتزام الأطراف الموقعة بعدم استهداف بعضها في الداخل أو الخارج.
  • عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، تتم على مرحلتين:
    الأولى: ابتداء من تاريخ التوقيع على الاتفاقية تباشر الحركات السياسية العسكرية في عملية رفع كشوف للجنة متابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة.
    الثانية: تقوم الحركات السياسية العسكرية بعد الاتفاق في الحوار الوطني الشامل في نجامينا بتزويد اللجنة الاستشارية لمتابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة بقوائم عن تعداد مقاتليها وأسلحتها وأماكن وجودها، بالتنسيق مع دول الجوار التي توجد فيها.
  • تدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية: اتفقت الأطراف على أن يضمن المجلس العسكري لقادة وأعضاء الحركات اعتماد وتطبيق قانون عفو يشمل كل الإدانات القضائية والتهم المتعلقة بالمشاركة في التمرد أو الاعتداء على أمن وسلامة الدولة، إضافة إلى التدابير اللازمة لضمان السلامة الجسدية لأعضاء الحركات الموقعة على الاتفاقية وممتلكاتهم وأقربائهم عند عودتهم إلى تشاد، فضلا عن وضع نظام خاص لمندوبي الحركات وترتيب سهولة انتقالهم وحرية إنشاء حزب سياسي لمن يرغب منهم في ذلك.
  • الحوار الوطني الشامل: تعهد المجلس العسكري والأطراف الموقعة معه على الاتفاقية ببذل كافة الجهود لتنظيم حوار وطني شامل، تكون قراراته ملزمة لجميع الأطراف في نجامينا في أقرب وقت ممكن، على أن يكون التنظيم المادي للحوار الوطني الشامل وإدارة أعماله على أساس توافقي وشفاف وشامل يرضي جميع الأطراف المشاركة، محددة 20 بندا وضعت كأجندة للحوار الوطني الشامل الذي سيعقد في نجامينا، جاء أبرزها:
    الإصلاح الجذري للجيش، ومسألة مراجعة ميثاق الفترة الانتقالية، ومسألة عدم أهلية أعضاء الأجهزة الانتقالية للترشح في أول انتخابات تجرى بعد المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة مصالحة وطنية بعد اختتام الحوار الوطني الشامل.
  • اختتمت الوثيقة بآليات لمتابعة اتفاقية الدوحة، ونصت على إنشاء لجنة استشارية لمتابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة تتألف من 9 أشخاص، وهم كما يأتي: 3 من طرف المجلس العسكري، و3 من طرف الحركات الموقعة على الاتفاقية، و3 ممثلين للمجتمع الدولي الذي شارك في عملية السلام بالدوحة، على أن يرأس اللجنة أحد ممثلي المجتمع الدولي. ومن أهم ما ستضطلع به اللجنة هو الإشراف على تنفيذ الاتفاقية، إضافة إلى عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.
اقرأ ايضاً
انتصار حاسم للجيش أم حرب طويلة؟.. تعرف على أبرز سيناريوهات الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع
Chad's transitional military authorities and rebels sign an agreement for a national dialogue, in Doha
الاتفاق تضمن وقفا فوريا للأعمال العدائية بصورة تامة ونهائية (رويترز)

ما فرص نجاح اتفاقية الدوحة في إنهاء الأزمة بتشاد؟

يذكر التاريخ التشادي أن الخلافات عادة ما تحسم بالقوة العسكرية وليس بالحوار، ولذلك فإن اتفاقية الدوحة تدشن مرحلة جديدة في التاريخ التشادي، ستضع لبنة في تصحيح المنهجيات وفلسفات التعاطي مع المختلف الوطني، حتى إن لم تحقق ما هو مطلوب منها، لكنها تؤسس لمرحلة جديدة.

وتفيد التقارير بأن حوالي 40 حركة وقّعت على الاتفاقية، ورفضتها 19 حركة ولم توقع عليها، وفي مقدمتها حركة “فاكت” كبرى الحركات المتمردة، وأصدرت بيانا تشكر فيه الوسطاء الدوليين والدولة المضيفة قطر وتلقي باللوم على المجلس العسكري لعدم جديته وحشد جماعات لا وزن لها، ولعل أبرز ما تراه سببا للانسحاب من التوقيع هو رفض المجلس العسكري إدخال التعديلات في عدد من النقاط:

  • مسألة عدم أهلية أعضاء الهيئات الانتقالية للترشح في أول انتخابات بعد المرحلة الانتقالية.
  • إلغاء لجنة تنظيم الحوار الوطني الشامل بشكلها الحالي لإفساح المجال للشراكة الرباعية (الحكومة وحلفائها، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسية المعارضة في الداخل، والحركات السياسية العسكرية).
  • تأكيد سيادة الحوار الوطني الشامل.
  • التوزيع لمتساوي لعدد المندوبين بين مختلف أطراف المصلحة في الحوار الوطني الشامل.
  • تعديل ميثاق الفترة الانتقالية.
  • إعادة هيكلة قوات الدفاع والأمن لتصبح جيشا وطنيا جمهوريا حقيقيا.
  •  إطلاق سراح سجناء الرأي (الصحفيين والسياسيين) وأسرى الحرب.
    وهي نقاط ضمنتها وثيقة الاتفاقية في أجندة الحوار الوطني الشامل الذي سيُعقد في نجامينا.

ما مهددات الاتفاقية؟

على الرغم من أهمية الحوار الذي أُنجز في الدوحة وسيراكم على نجاحاته مؤتمر الحوار الوطني الشامل في نجامينا، فإن ثمة عوامل تؤثر على تحقيق الهدف الإستراتيجي، وهو إنهاء كافة أشكال الاحتراب والاحتكام إلى لغة العقل والحوار، هي:

  • حالة الاضطراب السياسي في منطقة حوض تشاد والساحل والسودان شرقا، وهي عوامل إشعال وليست عوامل تهدئة.
  • التدخلات الخارجية والصراعات الدولية التي تشهدها المنطقة، فالأجندة الفرنسية حاضرة والروسية تعمل بهدوء وربما الإماراتية من خلف العقيد الليبي المتقاعد خليفة حفتر الذي يدعم “فاكت”، بحسب كثير من المصادر.
  • المظالم التاريخية وانعدام عامل الثقة بين الأطراف ربما بحاجة إلى وقت ووسطاء لديهم الحرص والحياد والحكمة والمعرفة بخلافات الأطراف.

وأخيرا

الخلافات التشادية قديمة وعميقة ومعقدة، ولذلك يجب اعتبار ما جرى في الدوحة بداية لفهم مشكلات التشاديين بصورة أعمق، وأنهم بحاجة إلى إعادة قراءة أجندتهم الوطنية، والاتفاقية بلا شك مكسب كبير يجب البناء عليه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى