الاخبار العاجلةسياسة

أثارت جدلا واسعا حول حرية التعبير.. الجزيرة نت تستطلع آراء خبراء حول لائحة المحتوى الرقمي بالعراق

بغداد- أثارت اللائحة التي أعدّتها هيئة الإعلام والاتصالات في العراق المعنية بتنظيم المحتوى الرقمي جدلا واسعا بين الأوساط الإعلامية والأكاديمية والقانونية، ولا سيما حول بعض ما ورد في فقراتها من عقوبات تجاه المحتويات الرقمية والمواقع الإخبارية.

وبين من يرى أنها غير منصفة وبحاجة إلى تعديل ينسجم مع حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي، وآخرون يرون ضرورة تطبيقها لتنظيم المحتوى الرقمي بعيدا عن الفوضى، تتكشف تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت الهيئة ستعيد النظر في بعض مواد اللائحة قبل الإعلان عنها رسميا.

المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن
مدير العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية سعد معن أكد استمرار رصد المحتوى المسيء وأن عملية المتابعة تجري وفقًا للقوانين العراقية النافذة (الجزيرة)

حملة اعتقالات

وفي وقت سابق من هذا الشهر، اعتقلت وزارة الداخلية عددا من صناع المحتوى الذي وصف بـ”الهابط”، وبعدما أحيلوا على القضاء صدرت بحق بعضهم أحكاما قضائية بالسجن بين 6 أشهر وسنتين.

وفي حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أكد مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية سعد معن استمرار رصد المحتوى الهابط وأن المتابعة مستمرة وفقًا للقوانين العراقية النافذة، مبينا أن هناك 14 قضية خاصة بالمحتوى الهابط، 6 منها صدرت فيها أحكام، والأخرى في طور التحقيق، مؤكدا أن الحملة لن تكمّم الأفواه أو تؤثر في الجو الديمقراطي، حسب تعبيره.

وعلى إثر هذه الحملة، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات اللائحة التي تتألف من 36 مادة و17 فصلا، إلا أن المادة السابعة تعد الأكثر إثارة للجدل، لا سيما أنها نصّت على عدم إفشاء أو تسريب الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات الرسمية السرية إلا بإذن خاص، وهو ما اعتبره متخصصون “جهلا” بطبيعة العمل الإعلامي في الأنظمة الديمقراطية.

وتضمنت اللائحة المسرّبة عبارات يمكن تفسيرها بأوجه مختلفة، مثل الأمن القومي وحماية الأفراد وتهديد السلم الأهلي ومنع تداول عبارات الكراهية والطائفية، وغيرها، مما عدّها متخصصون عبارات تخضع لجملة معايير يصعب تحديدها ووضع تفسير واضح لها.

كما تضمنت اللائحة أحكامًا جزائية تبدأ بالتعهد وحذف المحتوى وحجب الصفحة المنشور فيها، وصولًا إلى إحالة الملف على القضاء، فضلًا عن غرامات مالية تبدأ من 500 ألف دينار (350 دولارا) وتصل إلى 5 ملايين دينار (3.5 آلاف دولار).

أما عن الأهداف، فقد أعلنت هيئة الإعلام أنها تأتي للحد من الاستخدام السيئ للمحتوى الرقمي “الهابط” أو المسيء، ورصد المعلومات الكاذبة والمضللة والتي من شأنها الإساءة إلى كرامة الإنسان والوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

زياد العجيلي
رئيس مرصد الحريات الصحفية زياد العجيلي يصف اللائحة بـ”غير الموفقة” لأنها تخلط بين القانون والتنظيم (الجزيرة)

اعتراضات ورد رسمي

ويأتي مرصد الحريات الصحفية المعني بشؤون الحريات والصحافة والنشر (منظمة غير حكومية) من بين المنظمات المعترضة على بعض مواد وفقرات اللائحة، ويصف رئيسه زياد العجيلي اللائحة بـ”غير الموفقة” لأنها تخلط بين القانون والتنظيم، خاصة أنها تتألف من 36 مادة و17 فصلا مربكا وغير واضح، حسب تعبيره.

ولا يقف العجيلي خلال حديثه للجزيرة نت عند هذا الحد، ليضيف “يبدو أنها كتبت لحماية الطبقة السياسية الحاكمة من الانتقاد، لأنها تحصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والترويج بموافقتها مسبقا، وهذه رسالة واضحة لمواجهة التنافس السياسي ومحاولات إيقاف كشف ملفات الفساد”.

من جهتها، اعتبرت هيئة الإعلام والاتصالات أن مسودة اللائحة التي انتشرت ليست نهائية، وأن تعديلات جوهرية ستطرأ عليها قبل الإعلان عنها رسميا.

فضلا عن ذلك، يقول عضو فريق إعداد اللائحة ورئيس مجلس المسار الرقمي صفد الشمري إن النسخة المتداولة غير نهائية بل قديمة ليس لها علاقة باللائحة الحقيقية التي استندت إلى الثوابت الدستورية الضامنة لحريات التعبير، وفق قوله.

وفي حديثه للجزيرة نت، نبّه الشمري أن أغلب المخاوف التي يجري الحديث بشأنها لا مبرر لها، في ضوء المعطيات التي وفرتها اللائحة بقصد حماية القيم المجتمعية والأسرية، مبينا أن سريان أحكامها لن يشمل عامة المستخدمين بل وفق معايير محددة تعتمد على عدد المتابعين الذين وضعت لهم عتبة الحد الأدنى، مؤكدا أن الإعلان الرسمي عن اللائحة النهائية سيكون خلال الأسبوع الحالي.

اقرأ ايضاً
كامالا هاريس.. اول امرأة تؤدي اليمين الدستورية نائبة للرئيس في التاريخ الأمريكي
%D8%B6%D9%8A%D8%A7%D8%A1 %D8%B5%D8%A8%D8%AD%D9%8A
ضياء صبحي: اللائحة تضمنت خلطا بين تنظيم الإعلام الرقمي للمؤسسات ومحتوى الأفراد (الجزيرة)

اليونسكو تعلق

وتؤكد بعثة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” (UNESCO) في العراق دعمها للتنظيم الإعلامي والمعلوماتي، لكن وفق معايير حرية التعبير العالمية، معتبرة أن مسودة اللائحة تعد نسخة من لائحة تنظيم الخطاب الإعلامي التي أصدرتها الهيئة في وقت سابق.

في السياق، يقول ضياء صبحي مسؤول قطاع حرية التعبير عن الرأي وسلامة الصحفيين في مكتب المنظمة بالعراق إن اللائحة تضمنت خلطا بين تنظيم الإعلام الرقمي للمؤسسات ومحتوى الأفراد كمستخدمين للإنترنت والمعلوماتية، خاصة أن مجابهة الخطاب المضلل والمزيف وخطاب الكراهية بحاجة لإطار تشريعي نافذ يماشي المعايير الدولية ودستور البلاد.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار إلى أن اليونسكو ترفض استخدام وتوظيف محددات حرية التعبير، ومن بينها التضليل المعلوماتي، كمبررات لفرض عقوبات قاسية مبالغ فيها على المستخدمين، سواء كانوا صحفيين أو مطورين أو صانعي محتوى، على حد تعبيره.

وعادة ما تتصاعد الأصوات الرافضة والمنددة مع كل محاولة لتشريع قانون يتعلق بالإعلام وحرية التعبير، وذلك بحسب رئيس لجنة المراقبة في نقابة الصحفيين العراقيين هادي جلو مرعي الذي أكد أن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من الثقة بين السلطات والفئات الاجتماعية، خاصة أن مؤسسات الدولة لا تزال هشة وضعيفة، منبها إلى الحاجة لتطبيق القوانين أكثر من حاجتها لتشريع أخرى جديدة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول مرعي “إن أسباب الرفض يمكن تلخيصها باعتقاد البعض أن القوانين تمثل تهديدا لحرية التعبير وتكميم الأفواه، نظرا لوجود فجوة بين ما نحتاج إليه من قوانين، وإمكانية تطبيق تلك المشرعة منها”.

3 copy 85
علي التميمي: لائحة تنظيم المحتوى الرقمي مستمدة من مواد الدستور العراقي (الجزيرة)

تعليقات قانونية وعلى المنصات

وبخلاف الآراء الإعلامية والأكاديمية، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن اللائحة ستساعد على تشذيب وتهذيب ما ينشر، لافتا إلى أن اللائحة اعتمدت نظاما وقواعد مع وجود الإنذارات والتنبيه في حالة المخالفة وضرورة إزالتها.

وعن مدى قانونيتها، يشير التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أنها مستمدة من مواد في الدستور العراقي، وهي بمنزلة تعليمات تعمل على تنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية وحماية المجتمع من المستوى الهابط وحماية الطفولة والمرأة وفئات المجتمع الأخرى، وفق تعبيره.

وعبّر عدد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، في اليومين الماضيين، عن آرائهم إزاء مسودة اللائحة المسربة.

ففي تغريدة على تويتر، وصف الباحث والأكاديمي منقذ داغر لائحة تنظيم المحتوى الرقمي المقترحة من قبل هيئة الإعلام والاتصالات بـ”جائحة تكميم المحتوى الرقمي”. أما الناشط والصحفي محمد شفيق فقال إن “اللائحة تتدخل في أدق التفاصيل، وتفتح الباب واسعا أمام استغلال أي كلمة لإدانة صاحبها بسبب كثرة الفقرات الفضفاضة والقابلة للتطويع”.

 

أما النائب بالبرلمان العراقي ماجد شنكالي فغرد قائلا “هناك تمدد واضح للسلطتين التنفيذية والقضائية على السلطة التشريعية لأسباب أهمها ضعف من يمثلون السلطة التشريعية بسماحهم لهذا التمدد الذي وصل إلى أعلى مراحله من خلال ما يسمى مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي التي سبقتها حملة “بلغ” وللعلم والتنويه أن النظام في العراق برلماني!”.

 

 



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى