الاخبار العاجلةسياسة

فوضى لافتة وأزمات متكررة.. من صاحب حق الفتوى الدينية بمصر؟

القاهرة- أعاد مؤتمر دار الإفتاء الدولي الأول لمركز سلام لدراسات التطرف -المنعقد قبل أيام- الحديث عن تقنين الفتوى إلى الصدارة من جديد، وما يثار عن الفتاوى السياسية، بالإضافة إلى الضجة المتكررة بسبب تزايد الحديث عن أمور فقهية مثيرة للجدل على مواقع التواصل.

وهو ما أعاد طرح السؤال المتكرر والمثير للجدل: “كيف يتم ضبط الفتوى حتى لا تقع تحت سيطرة الاستغلال السياسي من أجل الحفاظ على سماحة الدين واعتداله؟”

وحسب آخر إحصاءات رسمية معلنة، فقد كشفت دار الإفتاء المصرية عن أن عدد الفتاوى الصادرة عنها في عام 2020 تجاوز مليونا و300 ألف فتوى، بزيادة تقدر بـ200 ألف فتوى عن العام الذي سبقه.

ويرى مراقبون -تحدثوا للجزيرة نت- أن استقلال مؤسسات الفتوى هو السبيل الأول لإنقاذ الفتوى نفسها من الاستغلال السياسي أو مخاطر عدم ثقة المصريين فيها، مما يقوض تأثيرها في مواجهة أي تطرف أو إرهاب.

في حين طالب البعض بإحالة دار الإفتاء إلى إشراف مؤسسة الأزهر الشريف، وذلك إحكاما لاستقلالها ومنعا لمحاولات استغلالها سياسيا.

الاستقلال أولا

في هذا السياق، يرى الأستاذ بجامعة الأزهر والوكيل السابق لوزارة الأوقاف المصرية جمال عبد الستار أن ضبط الفتاوى في مصر لا بد أن يحكمه أمران أساسيان: الأول أن يقوم على الفتوى -خاصة في المؤسسات الرسمية- من تكون لهم مواصفات اختارها العلماء، وأن يختارهم العلماء ولا يكون الإفتاء مجرد منصب اختاره سياسي لأسباب أمنية أو سياسية أو حزبية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عبد الستار أن العلماء حينما يختارون المفتي أو متصدر الفتوى أو الهيئة المسؤولة عن الفتوى؛ سيكون مخلصا لمرجعيته الفكرية والعلمية والأكاديمية، لا لمن اختاره أو لمرجعية حزبية أو سياسية ما لمجرد انتسابه لنظام سياسي بعينه، “وهذه كبيرة من الكبائر بلغة أهل العلم تفسد حالة الفتوى تماما وهو ما نراه كثيرا”، حسب وصفه.

عبد الستار -الذي يشغل منصب الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة- يرى أن الأمر الثاني لضبط الفتوى في تأثيرها وانفصامها عن الوضع السياسي هو أن تعود للأوقاف والهيئات العلمية أوقافها، كي تنفق على نفسها، فما دام المفتي ودار الإفتاء والمرجعيات الشرعية يأخذون رواتبهم و مصاريفهم من التنظيمات السياسية والأنظمة والأحزاب فإنهم للأسف الشديد يصبحون بمعزل عن الحقائق بشكل كبير، ويقومون بالميل للسلطة، وينعزلون عن أصل نشأة المرجعيات الشرعية، ومن ثم تكون جزءا من أي نظام وتدور في فلكه، وهنا يفسد المنصب ويفسد المجتمع.

ضوابط لازمة

ويرى أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية وصفي أبو زيد أن الفتوى منصب عظيم وخطير في الشريعة الإسلامية، وأن كل مفت حقيقي يعرف أنه ينوب في فتواه عن الله عز وجل، ويعلم أنه موقوف بين يديه يوما ما، وهذا يحمّل صاحب الفتوى مسؤولية ضخمة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير أبو زيد إلى أن الفتوى لن تنضبط إلا بعد تصحيح الوضع الراهن، والعمل على استكمال استقلال مؤسسات الفتوى، مع اعتمادها شجاعة في الطرح والبيان للتعبير عن مقصود الشارع، ولتحري مصالح الناس لا مقصود أي حاكم.

ويرى أبو زيد أن تسييس الفتاوى مسألة قديمة جديدة لن تنتهي، ولكن ما يقوضها حقا بعد إقرار ضوابط الاستقلالية هو استمرار الجماهير في الفرز والرفض، والعمل على كشف علماء السلطة ودعم علماء الأمة، وهذه علامة حيوية في المصريين وغيرهم.

ويتوقع فشل محاولات حصر الفتوى على جهات بعينها، في ظل التطور التكنولوجي، وعدم القدرة على إخضاع الجميع، وهو ما يتطلب التركيز على إبراز شروط الفتوى ومقوماتها ومواصفاتها، وإعلاء ميثاق الشرف الصحفي في المؤسسات الإعلامية، حتى لا تستضيف جاهلا يتكلم في الدين ويفتي لهم من دون علم، حسب تعبيره.

اقرأ ايضاً
مسيرات في أنحاء العالم ضد العنف الاسرائيلي في فلسطين

تسييس بشهادة الثورة

من جانبه، ينتقد البرلماني السابق محمد جمال حشمت الخطاب الإفتائي في مصر، موضحا أن “دار الإفتاء فقدت بوصلتها الحقيقية بعد أن تم فصلها عن إشراف الأزهر وصارت مسيّسة”، حسب رأيه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد حشمت أنه لا ينتظر فتوى حقيقية أو رأيا فقهيا معتدلا والانشغال بقضايا المجتمع الحقيقية من دار الإفتاء وأمثالها في مصر، في ظل الاستقطاب السياسي الحاد الذي يسيطر على خطابها الإفتائي.

المتحدث باسم مجلس أمناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والسياسي المعارض ياسر صديق حسين يرى أن تسييس الفتاوى كان نهجا منذ بدايات الثورة، قائلا “عندما راجت فتاوى لمنع التظاهر والخروج على الحاكم، ثم صمتت بعد نجاح الثورة الجزئي، ثم حدث العكس عندما كانت الإرادة منعقدة على الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي، حيث تم ترويج فتاوى معاكسة تماما تدعو المصريين للخروج عليه، ثم سرعان ما عادت للواجهة فتاوى تحظر الخروج على الحاكم، وهنا الأزمة؛ فالتلاعب الظاهر في تسييس الفتوى آفة بمصر”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد حسين أن الأمر لا يقتصر على البعد السياسي، حيث شهدت الفترات الأخيرة فتاوى متعارضة، مثل شهادات البنوك ذات الفائدة 18%، كما حدث في أزمة فتوى الطلاق الشفهي التي رفضها شيخ الأزهر، في حين كان هناك ممثلون للسلطة يؤيدون ما ذهب إليه النظام، بالإضافة إلى فتوى تعدد الزوجات التي طالما تكررت لإشغال المصريين في قضايا هامشية، مما يجعل الأمر مثل اللعب بالنار، وفق تعبيره.

ويؤكد أن المسألة تحتاج إلى استقلال جهات الفتوى عن السلطة، حتى لا تصبح السلطة صاحبة الحق في الفتوى، ويصبح العلماء أداة في تمريرها، مشددا على أن الأزهر يحاول الاستقلال في الفترات الأخيرة رغم الضغوط عليه، وهو ما يحتاج إلى دعم ومؤازرة، حسب اعتقاده.

نماذج عدة

وفي الفترة الأخيرة، شهدت الفتاوى في مصر تناقضات شديدة في المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ففي يناير/كانون الثاني 2011، صدرت فتاوى كثيرة تحرم المظاهرات ضد الحاكم والقلق مما وُصفت وقتها “بالفتاوى الإقليمية” للتدخل في شؤون مصر الداخلية.

وعلى العكس تمام، ففي يونيو/حزيران 2013، صدرت فتاوى عديدة للخروج على الحاكم من أجل المشاركة في مظاهرات للإطاحة بأول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي.

وشهدت مصر بعد يوليو/تموز 2013، فتاوى متعددة تعارض الخروج على السلطة الحاكمة وتصف معارضيها بالخوارج.

ورأى مفتي الجمهورية شوقي علام أن جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تتصدر مشهد السلطة في مصر بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 من “الخوارج”، وهو ما رفضته جماعة الإخوان أكثر من مرة في بيانات رسمية.

واقتصاديا، تباينت الفتاوى طبقا للانحياز السياسي والفكري، خاصة في قضية فوائد البنوك؛ بعدما أعلنت السلطات المصرية تدشين شهادات استثمار بفوائد 18% مؤخرا.

وخرج الداعية المقرب من السلطة خالد الجندي يدافع عن شراء الشهادات، في حين أكد آخرون أنها ربا محقق.

ولم يسلم المسار الاجتماعي -الذي يعاني من أزمات كبيرة في الأسرة- من فتاوى مثيرة للجدل، ومنها تأكيد الأستاذ بجامعة الأزهر أحمد كريمة أن على الزوجة الأولى إعانة الزوج على الزواج بثانية، إذا أراد أن يعف نفسه كي لا يرتكب فاحشة، مشددا على أن استئذان الزوجة قبل الزواج الثاني لم يرد في الشريعة الإسلامية.

حديث كريمة أثار جدلا واسعا، وأصدر شيخ الأزهر أحمد الطيب توضيحا أن تعدد الزوجات رخصة مقيدة. وأبدى الأزهر انزعاجا شديدا من فوضى الفتاوى، وحدد شيخ الأزهر الهيئات المنوط بها التصدي للفتاوى الدينية، وهي “هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ولجنة الفتوى بالجامع الأزهر، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فضلا عن دار الإفتاء”، رافضا أن يكون ذلك لفرد أو أفراد.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى