الاخبار العاجلةسياسة

حرب التسريبات في العراق وجه جديد للأزمة السياسية

بغداد- هذه هي المرة الأولى بعد 19 عاما من الأزمات والخلافات والمشاكل بين الأحزاب الحاكمة في العراق، التي تتصدر فيها الأزمة السياسية تسريبات صوتية لمسؤولين وسياسيين على نحو غير مسبوق، لتشكل بذلك مادة مثيرة للجدل في الشارع العراقي الذي لا يزال ينتظر بعد مرور نحو عام على إجراء الانتخابات التشريعية.

الإخفاق والفشل في تشكيل الحكومة العراقية انعكس بشكل واضح على ماراثون التحالفات، إذ إن المناكفات تجري وتتسع بشكل يومي بين جميع الأطراف من دون الوصول إلى حلول مقنعة يمكن من خلالها المضي نحو حكومة يتفق عليها الجميع.

بداية الصدمة

وتفجرت أزمة التسريبات يوليو/تموز الماضي، حين أظهرت تسجيلات مسربة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حديثه عن اقتتال داخلي وعن مشاكل الجيش والشرطة وعدم قدرتها على ضبط الأمن، كما هاجم في هذه التسريبات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر -في مجمل حديثه- إضافة لحديثه عن أغلب السياسيين، ومن ضمنهم بعض شركائه، كما هاجم الحشد الشعبي ووصفهم بـ”الجبناء”.

ولم تقف التسريبات عند المالكي، حيث انتشر تسريب مقطع فيديو لوزير الصناعة السابق صالح الجبوري يظهر فيه وهو يقسم على المصحف بالولاء لزعيم حزب الجماهير النائب أحمد الجبوري (أبو مازن) لتنفيذ وتطبيق كل تعليماته.

من جهة أخرى، نشر مدون عراقي وثائق سرية -قال إن الخزانة الأميركية رفعت السرية عنها- لقيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق (عضو في الإطار التنسيقي) تتضمن معلومات واعترافات كثيرة خلال تحقيق القوات الأميركية معه لدى اعتقاله عام 2007، إذ أدلى الخزعلي بمعلومات قيّمة للأميركان من بينها ما يدين أنصار للصدر.

التسريب الآخر الذي ظهر مرة أخرى كان بين مصطفى اليعقوبي (رجل دين مقرب من مقتدى الصدر) وأمين عام مجلس الوزراء حميد الغزي (من التيار الصدري أيضا)، وتحدثا في هذا التسريب عن الصدر وتظاهرات التيار في المنطقة الخضراء في بغداد، كما أبديا فيه امتعاضهما من الصدر.

تبع ذلك تسريب آخر بين نائبين عن التيار الصدري وهما يتواعدان مع “بنات ليل”، ثم تسريب آخر بين قياديين بارزين ومقربين من الصدر، يتحدثان فيها عن مشاكل التيار ووضع الصدر وعلاقتهم ومستقبلهم داخل التيار.

ورغم أن التسريبات أخذت حيزا واهتماما كبيرا في وسائل الإعلام والشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي، فإنه لم يصدر أي بيان بالنفي أو التأكيد.

تسريبات المالكي كانت الأكثر تأثيرا على جمهور التيار الصدري؛ إذ تباينت ردود الأفعال بين مطالب بتدخل القضاء والخروج بتظاهرات منددة بما حصل، أما زعيم التيار فقد اكتفى بتغريدة قال فيها “لا تكترثوا بالتسريبات، فنحن لا نقيم لها وزنا”.

وعلى إثر التسريبات، أقدمت الكتلة الصدرية على رفع شكوى للقضاء، في السابع من سبتمبر/أيلول الجاري وفقا للمادتين (2 و3) من قانون مكافحة الإرهاب، حيث تتناول المادة الثانية العنف أو التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو تعريض حياتهم وحرياتهم وآمنهم للخطر، في حين أن نص المادة الثالثة يشمل كل فعل له دوافع إرهابية من شأنه تهديد الوحدة الوطنية وسلامة المجتمع ويمس أمن الدولة واستقرارها أو يضعف من قدرة الأجهزة الأمنية.

%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD %D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A.
الحمداني رجح أن تستمر حرب التسريبات بين القوى السياسية في العراق (الجزيرة نت)

التسريبات مستمرة

يرى الكاتب والصحفي والمتابع في الشأن السياسي، صالح الحمداني، خلال حديثه للجزيرة نت، أن هناك مؤشرات كثيرة على أن التسريبات ستستمر، خاصة بعد أن قابلتها تسريبات مضادة، معتبرا أنها شكلت محفزا لتسريبات أكثر قوة.

التسريبات -كما يقول الحمداني- كشفت للجميع طريقة تفكير الطبقة السياسية العراقية وكيف تدار شؤونهم في الكواليس، “بعيدا عن الوطنيات الزائفة وادعاءات العداء للفساد وضرورة القضاء عليه، إضافة لمدى التمسك بالطائفية التي يتغنى العديد من السياسيين بضرورة التخلص منها ومقتها”.

الأزمة السياسية العراقية -حسب الحمداني- كبيرة، متوقعا أنها تفاقمت بسبب التسريبات السابقة واللاحقة، التي قد تؤدي إلى صدامات عنيفة ونزاعات قضائية كبرى.

اقرأ ايضاً
بعد عزل الرئيس عشرات القضاة.. قوى المعارضة التونسية تحذر من استفحال الأزمة وتدعو لإسقاط الاستفتاء

واعتبر أن التسريبات تأتي ضمن إستراتيجية تستهدف كامل الطبقة السياسية، التي قد تختفي معظم شخوصها عن الساحة خلال السنوات القليلة -وربما الأشهر- القادمة.

%D8%A7%D9%94%D9%86%D9%88%D8%B1 %D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D9%8A
الحيدري اعتبر أن التسريبات من أدوات الصراع بين القوى السياسية (الجزيرة نت)

أدوات الصراع

التسريبات إحدى أدوات الصراع بين القوى السياسية بعد أن وصلت مرحلة التنافس حدا تجاوزت فيه أطر الديمقراطية التي في الأصل تبحث في جانب منها عن الفضيحة لا الفضيلة، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد أنور الحيدري.

ويضيف الحيدري للجزيرة نت أن الشارع العراقي اعتاد على الفضيحة في مرحلة التحول الديمقراطي التي تمر بها البلاد، حيث سخّرت القوى السياسية معظم أدواتها الإعلامية لصالحها، بعيدا عن معايير المهنية والوطنية.

توقيتات التسريبات في هذه المرحلة لم تكن بريئة، حسبما يوضح الحيدري، وتأتي لتكريس حالة عدم الثقة بين الأطراف السياسية، لا سيما مع أي محاولة لتقريب وجهات النظر فيما بينها، والهدف النهائي لكل ذلك هو إبقاء البلاد في مرحلة انتقالية بعيدا عن تشكيل حكومة دائمة، وكل ذلك مرتبط بشكل أو بآخر بالتحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، والتي لم تحسم بعد، مما يؤخر معها حسم الملف العراقي.

%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%85 %D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%8A%D9%85%D9%8A
التميمي طالب بفتح تحقيق موسع حول التسريبات ومحاسبة شركات الاتصال (الجزيرة نت)

كيف ظهرت التسريبات؟

التسريبات الأخيرة ظهرت بجودة صوت جيدة، حسب رأي الناشط والمدون محمد أكرم التميمي، معتبرا أن ذلك يدلل على أن هناك عمليات اختراق لشركات الاتصالات المحلية يجري من خلالها التجسس على كل الشخصيات المؤثرة.

ويؤكد التميمي أن كل مواطن عراقي معرض لهذا التجسس، واختراق خصوصية المستخدمين، موضحا أن سجلات المكالمات وتسجيلاتها تستخدم لحفظ الأمن القومي، ويفترض ألا تستخدم إلا بأمر قضائي، فكيف سُربت هذه التسجيلات؛ “لذلك يجب فتح تحقيق موسع في ذلك، ومحاسبة شركات الاتصال والجهات المسؤولة والمشرفة عن هذه الشركات”، وفقا للتميمي.

أصابع الاتهام هذه المرة لم تخرج رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من دائرة الاتهام، حيث شن “الإطار” حملة إعلامية على الكاظمي، متهما إياه بالوقوف خلف نشر التسريبات، في حين نفى ائتلاف دولة القانون -الذي يتزعمه المالكي- صحة التسريبات وأكد أنه تم تزييف صوت المالكي عبر تقنيات حديثة، على حد وصفه.

%D8%B9%D9%84%D9%8A %D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86 %D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1 %D8%AE%D8%A8%D9%8A%D8%B1 %D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A
جابر: الأنظمة السياسية التي تعاني من تشوهات بنيوية لا يكون للتسريبات فيها أثر في الشارع (الجزيرة نت)

وجهة نظر قانونية

ومن جهته، يقول الخبير القانوني علي حسين جابر إن التسريبات تكون مؤثرة في الأنظمة السياسية السليمة، حيث توجد بيئة قانونية سليمة للمؤسسات للتعامل معها، فضلا عن أثر تلك التسريبات في قلب المعادلة الديمقراطية، بدءا بالحراك الجماهيري وانتهاء بالانتخابات، أما في الأنظمة السياسية التي تعاني من تشوهات بنيوية، فإن التسريبات لا تجد أثرها في الشارع الجماهيري.

ويوضح جابر، للجزيرة نت، أنه من الناحية القانونية فإن التسجيلات لا تعد أدلة للإثبات، بل تعتبر قرائن قانونية أو مادية تحتاج لأدلة أخرى تدعمها الشهادات أو الإقرار، لكي يمكن للقضاء إحالة المتهمين لمحاكم متخصصة.

إن مثل هذه التسريبات -بحسب جابر- تعتبر ذات طبيعة اتهامية خطيرة تخضع لمواد قانون مكافحة الإرهاب من قبل المتهمين أو حتى الذي سربها في حال عدم ثبوتها، لكونها جرائم تحريضية تمس أمن واستقرار المجتمع، خاصة لو كانت مصادرها أنظمة مخابراتية دولية.

ويعتقد العراقيون عقب نشر التسريبات أنها تصفية حسابات سياسية بين الأطراف السياسية التي أخفقت في الوجود تحت خيمة واحدة لحسم ملف الحكومة، وعبّروا عن سخطهم بتعليقات ساخرة وغاضبة مما يحدث.

وحتى هذه اللحظة التي خرجت فيها التسريبات، لا أحد يعرف من يقف خلف كل هذه التسجيلات التي ظهرت وكيف سجلت، حتى أن أحد ضباط الأمن أشار إلى وجود علاقة ببرنامج بيغاسوس الإسرائيلي الذي يتجسس على الهواتف الجوالة.

لكن مسار الأحداث سرعان ما تطور في العراق، بعد احتجاجات خرج فيها الصدريون واقتحموا البرلمان في المنطقة الخضراء وأعلنوا اعتصاما مفتوحا، وبعد أيام من الاعتصام وصلت الحال إلى المواجهة، وسقط عدد من القتلى والجرحى، وكان الجمهور يحاول أن يدخل منزل المالكي بأي شكل من الأشكال، لكنهم اصطدموا مع القوات الخاصة وجهاز مكافحة الإرهاب في ليلة لم تخل من الدموية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى