الاخبار العاجلةسياسة

من الغموض الإستراتيجي إلى التصريح العلني.. “نعم أميركا تدعم تايوان في وجه الصين”

واشنطن- قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن بلاده ستدافع عن تايوان إذا غزتها الصين، وهو ما يمثل تناقضا مع الموقف الأميركي الرسمي، والمعروف بسياسة “الغموض الإستراتيجي” بشأن هذه الجزيرة.

وجاءت تصريحات بايدن، في مقابلة بُثت مساء الأحد، عندما سأل سكوت بيلي مقدم برنامج “60 دقيقة” بايدن عما إذا كانت القوات الأميركية ستدافع عن تايوان؟ فردّ الرئيس “نعم، إذا كان هناك في الواقع هجوم غير مسبوق”.

وقال بيلي “على عكس أوكرانيا، لكي نكون واضحين يا سيدي، فإن القوات الأميركية، والرجال والنساء الأميركيين سيدافعون عن تايوان في حالة حدوث غزو صيني؟”.

“نعم” قال الرئيس بايدن الذي أضاف “تايوان تصدر أحكامها الخاصة بشأن استقلالها، نحن لا نتحرك، نحن لا نشجعهم على أن يكونوا مستقلين، هذا هو قرارهم”.

وفي الوقت ذاته، أكد بايدن دعم إدارته لسياسة “صين واحدة” التي تعترف بها واشنطن، لكنها في الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع تايوان. بينما يُلزم قانون “العلاقات مع تايوان” منذ 1979 واشنطن بالمساعدة في تجهيزها للدفاع عن نفسها.

GettyImages 1236591143 2
الرئيس بايدن في لقاء افتراضي سابق بنظيره الصيني شي جين بينغ (غيتي)

تصريحات في توقيت عصيب

جاءت تصريحات بايدن، والتي لم تكن الأولى من نوعها، في وقت تشهد فيه علاقات واشنطن ببكين توترا غير مسبوق إثر قيام رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة إلى تايوان أوائل أغسطس/آب الماضي.

ولم توقع واشنطن معاهدة دفاع مشترك مع تايوان، إلا أنها تزوّدها بالكثير من الأسلحة المتطورة. وأقرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء مشروع قانون يمنح هذه الجزيرة أسلحة قيمتها 4.5 مليارات دولار السنوات الأربع المقبلة، في وقت تُصنف فيه تايوان كحليف من خارج حلف “الناتو”.

من ناحية أخرى، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين -الخميس- على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، في وقت تزداد فيه المخاوف داخل الولايات المتحدة من أن تُلهم حرب روسيا في أوكرانيا الصين لمهاجمة تايوان، بينما يُخشى من تقوية علاقات الدولتين عسكريا.

تجربة أوكرانيا وخصوصية تايوان

تبعد جزيرة تايوان عن الأراضي الصينية أقل من 160 كيلومترا، وتعتبرها بكين مقاطعة منشقّة ويجب أن تعود للبيت الصيني الواحد ولو بالقوة، في حين تدعم واشنطن تايوان عسكريا وتمدّها بأحدث الأسلحة لردع الصين، مع تبنيها في الوقت ذاته سياسة “صين واحدة” وهو ما يمنعها من الاعتراف باستقلال تايوان.

وجددت الحرب الروسية على أوكرانيا النقاش، في العاصمة الأميركية، حول رد فعل واشنطن إذا أقدمت الصين على خطوة مشابهة للهجوم الروسي.

ومع إحجام إدارة الرئيس بايدن عن خطوات قد تراها روسيا تصعيدية، مثل فرض منطقة حظر طيران أو إمداد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة، زادت الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن ستساند تايوان إذا تعرضت لموقف مشابه لما تتعرض له أوكرانيا.

US House Speaker Nancy Pelosi departs Taiwan
تصاعد التوتر الأميركي الصيني بعد زيارة رئيسة مجلس النواب بيلوسي إلى تايوان (الأناضول)

ليست المرة الأولى

لم تكن تصريحات الرئيس الأميركي، حول استعداد بلاده للدفاع عن جزيرة تايوان عسكريا في وجه أي غزو صيني، هي الأولى من نوعها، فخلال زيارته لليابان في مايو/أيار الماضي، صرح بايدن باستعداد واشنطن للرد عسكريا في حال هجوم الصين على تايوان.

اقرأ ايضاً
تقول أوكرانيا إنه تم العثور على 1200 جثة بالقرب من كييف

وقبل ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول 2020 رد بايدن -خلال لقاء نظمته شبكة “سي إن إن” التلفزيونية، على سؤال حول استعداد الولايات المتحدة للدفاع عسكريا عن تايوان إذا تعرضت لهجوم صيني، وقال “نعم لدينا التزام بهذا الشأن”.

وعلى العكس من هفوات الرئيس بايدن السابقة، لم يكن تصريحه أمس هفوة حيث كرر ما قاله عدة مرات واستفاض في التأكيد عندما تابع المذيع سكون بيلي السؤال بسؤال أكثر وضوحا وتفصيلا.

تقديرات واشنطن

يرى بعض المعلقين أن واشنطن أظهرت للصين -من خلال ردها على روسيا- ما يمكن توقعه إذا قامت بكين بمحاولة غزو تايوان.

من جهتها، ترى مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية آفريل هاينز أن الصين أصبحت بالفعل أكثر ترددا في غزو تايوان مما كانت عليه قبل عدة أشهر فقط.

وفي جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب في الثامن من مارس/آذار الماضي، قالت هاينز إن رد الفعل الأميركي على غزو أوكرانيا “من المرجح أن يعزز وجهة نظر الصين بشأن الجدية التي سنتعامل بها مع أي تحرك عسكري تجاه تايوان. وتأثرت الصين كثيرا بالوحدة التي رأتها بين أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في فرض العقوبات”.

وفي مارس/آذار 2021 حذّر الأدميرال فيليب ديفيدسون القائد السابق للقوات الأميركية بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، أعضاء الكونغرس، من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون السنوات الست المقبلة.

مبدأ الغموض

ويعود تبني الإدارات الأميركية المتعاقبة مبدأ “الغموض الإستراتيجي” تجاه الصين إلى سببين:

  • أولا: عدم وضوح ظروف التدخل الأميركي الذي يحرم المخططين العسكريين الصينيين من إدراك حدود المناورة مع الولايات المتحدة. وقد أجبر الغموض الإستراتيجي بكين على افتراض تدخل واشنطن حال شن هجمات أو محاولة غزو تايوان.
    ورغم أن ميزان القوى بمنطقة مضيق تايوان يتغير لصالح الصين، فإن الخبراء يعتقدون أن بكين لا تزال بعيدة عن امتلاك قوات متقدمة تمكنها من النجاح في الاستيلاء على تايوان.
  • ثانيا: يعتقد الأميركيون أن “الغموض الإستراتيجي” يشكل رادعا ضد أولئك الذين قد يميلون إلى إعلان الاستقلال داخل تايوان، فواشنطن تدعم الحكم الذاتي فقط للجزيرة، ومن المؤكد أن إعلان استقلالها رسميا من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع أزمة.
قد تنتهي بأسوأ كارثة في تاريخ البشرية.. لماذا تتجنب واشنطن وبكين الحرب في تايوان؟ Pro-China supporters tear a U.S. flag during a protest against U.S. House of Representatives Speaker Nancy Pelosi's visit to Taiwan outside the Consulate General of the United States in Hong Kong, China, August 3, 2022. REUTERS/Tyrone Siu
صينيون يحتجون على زيارة بيلوسي لتايوان (رويترز)

تايوان والتنافس الأميركي الصيني

تعد تايوان آخر ساحة للتنافس بين الصين وأميركا، ورغم أن الأخيرة ليست ملزمة بموجب معاهدة للدفاع عن تايوان، فإن الهجوم الصيني سيكون اختبارا للقوة العسكرية الأميركية وهيمنتها الدبلوماسية والسياسية.

ورغم أن الدولتين النوويتين والقوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم تخوضان حربا باردة في عدد من الملفات بينهما، فإن خلافهما بشأن تايوان يعتبر القضية الوحيدة التي يُحتمل أن تثير مواجهة مسلحة بينهما.

من هنا وصفت مجلة “إيكونوميست” البريطانية الشهيرة مؤخرا تايوان بأنها “أخطر مكان على وجه الأرض” لما تمثله من معضلة كبيرة للصين وللولايات المتحدة معا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى