الاخبار العاجلةسياسة

في عامها الأول.. ماذا حققت الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمصر؟

القاهرة – بالتزامن مع مرور عام على إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بمصر، سلطت منظمة “العفو الدولية” الضوء على “الإستراتيجية” التي وصفتها بأنها “ساتر براق لخداع العالم قبل مؤتمر قمة المناخ”، الذي تستضيفه مصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في مقابل تأكيد رسمي بأن السلطات “تتبنى مقاربة حقوقية شاملة”.

وفي سبتمبر/ أيلول 2021، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الإستراتيجية، مشيرا إلى أنها “تعتبر أول خطة ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان بمصر”، وهي تقوم على إطار زمني يمتد 5 سنوات، وتنتهي بحلول سبتمبر/ أيلول 2026.

واعتبر السيسي إطلاق الإستراتيجية نقطة مضيئة في تاريخ مصر، وخطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان بالبلاد، ولم يختتم حديثه قبل إعلان سنة 2022 “عام المجتمع المدني”.

إطلاق الإستراتيجية جاء بعد عامين من إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وكان من اللافت أن يتولى وزير الخارجية سامح شكري رئاسة اللجنة، وهو ما اعتبره البعض مؤشرا على سياسة حكومية لمخاطبة الخارج.

وتشكلت اللجنة من 12 وزارة وجهة رسمية، على النحو التالي: وزارة الدفاع، وزارة العدل، وزارة الداخلية، وزارة شؤون المجالس النيابية، وزارة التضامن الاجتماعي، جهاز المخابرات العامة، النيابة العامة، هيئة الرقابة الإدارية، المجلس القومي للمرأة، المجلس القومي للطفولة والأمومة، المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى الهيئة العامة للاستعلامات.

وتقول منظمات حقوقية، إن المعضلة الأساسية للإستراتيجية، تكمن في اعتبار الشعب هو السبب الرئيسي لأزمة حقوق الإنسان وليس السلطات، إضافة إلى التشكيك في نواياها باعتبارها موجهة للخارج بدلا من الداخل، وهو ما نفته القاهرة في أكثر من مناسبة.

في المقابل، تحمل معظم بنود الإستراتيجية أمنيات قابلها البعض بالترحيب، والتأكيد على أنها مشروع لتعزيز وحماية حقوق الإنسان السياسية.

ومع مرور عام على إطلاق الإستراتيجية، ترصد “الجزيرة نت” أبرز المؤشرات والتحديات التي تواجه الإستراتيجية، وما حققته مصر منها في عامها الأول، بالتركيز على محور الحقوق المدنية والسياسية، أحد محاور الإستراتيجية الأربعة.

ملامح عامة

تقوم الإستراتيجية على 4 محاور رئيسية؛ هي:

  • الحقوق المدنية والسياسية.
  • الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي القدرات الخاصة والشباب وكبار السن.
  • التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.

وتندرج تحت كل محور مجموعة توصيات (نتائج مستهدفة) بمجموع 226 توصية، دعت الإستراتيجية لتنفيذها عبر مسارات تشريعية ومؤسسية، وأخرى بالتثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان، على أن تتشارك السلطات فيها مع المجالس المتخصصة، على غرار القومي لحقوق الإنسان والقومي للمرأة.

مؤشرات تشريعية

في حين أوصت الإستراتيجية بإصدار وتعديل ما يزيد على 30 تشريعا، إلا أنه أحيل منها للبرلمان 4 مشاريع قوانين فقط -لم يتم البت فيها بعد- وترتبط بمنع الزواج المبكر، وحقوق المسنين، وحقوق المرأة العاملة بالقطاع الخاص.

وذكرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان (أهلية مقرها القاهرة)، أن البرلمان اهتم في العام الأول من إطلاق الإستراتيجية، بالتشريعات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة والطفل وكبار السن، ولم يناقش التشريعات التي تعد أولوية لمنظمات المجتمع المدني، أو قانون تنظيم الحق في تداول المعلومات والوثائق الرسمية، وهو مقترح كان قد قدمه المجلس الأعلى للإعلام (رسمي) منذ أكثر من عامين.

وجدير بالذكر، فإن إغلاق وحجب مواقع الإلكترونية صحفية وحقوقية معارضة لا يزال مستمرا منذ سنوات، بخلاف 56 صحفيًا وإعلاميا لا يزالون رهن الاعتقال، حسب حقوقيين.

انتقادات ونتائج “متواضعة”

أوردت الإستراتيجية مجموعة من النصوص الدستورية اعتبرتها نقاط قوة للأوضاع الحقوقية في مصر، على غرار حق التقاضي المكفول أمام القاضي الطبيعي، وتحقيق العدالة الناجزة، إلا أن جهات محلية ودولية رصدت ما وصفتها بـ “نتائج متواضعة” في عامها الأول.

في تقريرها السنوي الأخير حول حقوق الإنسان في مصر، قالت الخارجية الأميركية إن “الدستور المصري ينص على استقلال القضاء. وفي بعض الأحيان، بدا أن بعض المحاكم الفردية تفتقر إلى الحياد وتجنح إلى التوصل إلى نتائج ذات دوافع سياسية”.

اقرأ ايضاً
 الرئيس أردوغان يصل السعودية في أول زيارة رسمية منذ 2017

وأشار التقرير الأميركي إلى “مزاعم منظمات حقوقية بأن نيابة أمن الدولة تجاوزت أوامر المحكمة بالإفراج عن معتقلين، ثم قامت باعتقالهم مرة أخرى في قضية جديدة، وفي بعض الحالات بنفس التهم”.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قررت السلطة التوقف عن مد العمل بحالة الطوارئ، وأعقب ذلك تعديلات في قوانين حماية المنشآت العامة والحيوية، ومكافحة الإرهاب، والعقوبات، وهي التعديلات التي أقرت إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية بصورة دائمة من دون ارتباط بمدة محددة، كما كان معمولا به كإجراء استثنائي لفترة محددة.

كما خضعت كافة الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق والممتلكات العامة والحيوية لاختصاص القضاء العسكري، ما وضع فئات عدة بالمجتمع تحت طائلة المحاكم العسكرية.

وفي حين رحبت “العفو الدولية”، ببعض توصيات الإستراتيجية، التي شملت مراجعة الجرائم المُعاقَب عليها بالإعدام، والنظر في بدائل للحبس الاحتياطي، وكذلك إصدار تشريع شامل لمكافحة العنف ضد المرأة، غير أنها وصفتها بـ “المتواضعة”.

خطوة إيجابية ولكن

وقالت المنظمة الدولية إن التوصيات “لا تقترب بشكل عام من معالجة النطاق الكامل لأزمة حقوق الإنسان وإفلات الجُناة من العقاب”، مشددة على أن النهوض الحقيقي بحقوق الإنسان في مصر، يبدأ بالإفراج عن آلاف المحتجزين بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية، وفق البيان.

ومشيرة إلى الإفراج عن عشرات السجناء السياسيين في الأشهر الأخيرة، اعتبرت ذلك “خطوة إيجابية وإن كانت ذات تأثير محدود للغاية”؛ وحذرت من مواصلة اعتقال المئات من المعارضين.

وذكرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان (غير حكومية) أن مصر حلَّت في المرتبة الثالثة عالميا في إصدار أحكام الإعدامات، وذلك في تقريرها السنوي عن الإستراتيجية.

كما وثقت الشبكة وفاة 38 سجينا على ذمة قضايا سياسية و7 آخرين على ذمة قضايا جنائية، داخل أقسام الشرطة والسجون، بسبب “التعذيب أو الإهمال الطبي”، وهي مزاعم سبق أن نفتها وزارة الداخلية والنيابة العامة.

وفي المقابل، تشير الإستراتيجية إلى أن الدولة توسعت في البرامج التأهيلية للسجناء، وتسعى إلى خفض عددهم عن طريق تدابير لإخلاء سبيلهم دوريا، من خلال الإفراج الشرطي والعفو الرئاسي والصحي.

لو سلمت النية

وفي تقييمه للإستراتيجية، يرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (رسمي)، وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، عمرو هاشم ربيع، أن ما تم إنجازه في العام الأول محدود، متوقعا في الوقت ذاته حدوث انفراجة في مجال الحريات.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح ربيع أن إستراتيجيات حقوق الإنسان تعتمد على وجود ثقافة عامة، يجب أن تكرس في السياسات والقوانين والمناهج التعليمية وسلوكيات الشارع، وغيرها.

وأشار إلى أن أبرز ما يرتبط بأهداف الإستراتيجية، وإن كان بصورة غير مباشرة هو تشكيل لجنة العفو الرئاسي، باعتباره خطوة مهمة وأساسية، ساهمت في خروج نحو 700 شخص من السجون، إضافة إلى العمل مؤخرا على إعادة الدمج المجتمعي للمفرج عنهم.

ويتوقع ربيع، أن يوسع الحوار الوطني المجال لمزيد من الحريات “لو سلمت النية”، وأوضح أن ذلك يرتبط بنظر السلطات لمسألة الحبس الاحتياطي، والتهم الموجبة له وفترته وبدائله، إضافة إلى كيفية التغلب على تداعياته، وعلى وجه الخصوص مسألة الدمج المجتمعي لمن خرجوا عبر لجنة العفو الرئاسي.

وحول ارتباط أهداف الإستراتيجية الحقوقية والحوار السياسي الراهن، أشار عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، إلى أنه من المتوقع أن تتم مناقشة ملفات الحبس الاحتياطي، وتعديل قانون العقوبات، ومنع التمييز، وسن القوانين الخاصة بالعدالة الاجتماعية، ومنع ندب القضاة لهيئات غير قضائية، واستصدار قانون الإدارة المحلية.

وشدد على أنها ملفات مهمة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة والمشاركة السياسية، مؤكدًا أهمية أن يكرس الحوار الوطني هذه الأمور كوسيلة من موجبات الحوار ونتائج مأمولة من الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

وتشهد مصر تفاعلات سياسية وحقوقية لافتة، بالتزامن مع انعقاد جلسات مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها السيسي في أبريل/ نيسان الماضي، الداعية لـ “حوار سياسي مع كافة القوى من دون استثناء ولا تمييز”، بيد أنه استثنى لاحقا جماعة الإخوان المسلمين، كما أعاد تشكيل لجنة العفو الرئاسي، التي ضمت رموزا من المعارضة.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى