بعد تقليص دورها بقانون قيس سعيد الانتخابي المعدل.. ما مصير 280 حزبا سياسيا في تونس؟
تونس- عاشت تونس على مدى 23 عاما -هي فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي- تحت سطوة الحزب الواحد، حتى اندلاع ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 تاريخ سقوط النظام وحلّ حزبه وإفساح المجال أمام الجميع للنشاط الحزبي.
وسمح مجال الحرية الواسع في تونس بتعددية حزبية غير مسبوقة، توزعت بين أحزاب كبرى وصغرى موالية للسلطة ومعارضة لها شاركت في كل الاستحقاقات الانتخابية، رئاسية وتشريعية، وبلغ عددها 280 حزبا سياسيا.
غير أن هذه التعددية باتت مهددة بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز 2021 الاستثنائية وإقصائه الأحزاب بحله البرلمان وإصدار قانون انتخابي جديد قائم على الاقتراع على الأفراد، وهو القائل حتى قبل ترشحه للرئاسة سنة 2019 “انتهى عصر الأحزاب”.
كما أعلنت هيئة الانتخابات منع الأحزاب السياسية من القيام بحملات انتخابية أثناء فترة الحملة المخصصة للانتخابات التشريعية المقررة يوم 17 ديسمبر/كانون الأول القادم.
أين الأحزاب مما يحدث؟
يقول مدير مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية أمين غالي إن هناك نحو 50 حزبا في تونس، أما البقية فكانت مبادرات، وهناك أحزاب اندثرت على الميدان ولكنها لم تندثر على الورق.
ويرى غالي -في حديثه للجزيرة نت- أن الأحزاب تعيش الآن واقعا متغيرا جدا، من نظام برلماني يعطيها دورا هاما جدا، إلى رئاسي بدستور وقانون انتخابي جديديْن يقلل من دور البرلمان وبالتالي من دورها.
ويصف مؤسس حراك “مواطنون ضد الانقلاب” المعارض عمار الجماعي الأحزاب في تونس بمنبت غابي يضم كل الألوان والأشكال، وُلدت غالبيتها ميتة وهي موجودة قانونيا ولكنها لا تستطيع فعليا إنجاز أي شيء، باستثناء بعض تشكيلات غير حزبية أكثر شراسة في التعامل مع الواقع السياسي والتفاعل معه.
ويقول الجماعي للجزيرة نت، إن الأحزاب غُيّبَت على المنصات الإعلامية بتواطؤ مع سلطة قيس سعيّد، وإنه يمكن الحديث عن تراجع نسبي لها بحكم الواقع الجديد الذي فرضه 25 يوليو/تموز 2021.
ويرى أن السلطة ليست بيد أحزاب على حساب أخرى، وأن الأحزاب التي تحاول الالتصاق بالسلطة وتبنّي مقولاتها لا تعترف بها السلطة التي هي تشكيل انقلابي أشبه بمجلس عسكري بلباس مدني تسعى إلى القضاء على الأحزاب، وهو سعي عابث لأن الأحزاب قد تتراجع ولكنها لا تموت، وفق قوله.
أدوار ضخمة
من جهته، يعتبر القيادي بحزب التيار الديمقراطي زياد غناي أن الأحزاب تؤدي أدوارا واضحة داخل فضاءات ديمقراطية، وتتفاعل فيما بينها وتختلف وتلتقي وتتحالف وتشرف على جزء من النقاش العام.
ويقول للجزيرة نت إن الوضع اليوم يختلف في تونس بتنزيل القرارات كأمر واقع في الجريدة الرسمية للبلاد دون أي نقاش وتشاور، وبقي للأحزاب دور وحيد هو استرداد مربع الديمقراطية واعتبار السلطة شأنا جماعيا ضمن قواعد مبوبة في دستور 2014.
ويشدد غناي على أن دور الأحزاب يتمثل في التعبئة ضد سياسات سعيّد وإقناع التونسيين أنه لا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة وبضرورة العودة إلى الديمقراطية الحقيقية.
بالمقابل، يرى المحلل السياسي محمد بوعود أن الأحزاب التونسية بمختلف توجهاتها تلقت ضربة موجعة يوم 25 يوليو/تموز الذي جاء بمنطوق سياسي واضح يدين تماما كل ما يسميه العشرية السوداء.
ويضيف للجزيرة نت أن هذا التاريخ وضع كل الأحزاب في خانة واحدة، وأقصاها وهمشها بانعدام نشاطها وعدم حضورها في الساحة الشعبية، وبإغلاق البرلمان وبالتالي خرجت الأحزاب تقريبا من ساحة العمل السياسي.
ويقول إن هناك بعض الأحزاب اندثرت وأخرى تحاول البقاء قدر المستطاع رغم حملات الشيطنة التي استهدفتها وخلقت نوعا من النفور لدى الناس منها ومن شخصياتها.
كما تحدث بوعود عن أحزاب أخرى اقتنعت بضرورة مناهضة السياسة الجديدة للرئيس قيس سعيّد و ما تسميه الانقلاب، وهي عموما الأحزاب الكبرى التي كانت تتمتع بحظوة في السلطة السابقة، وعلى رأسها حركة النهضة وحزبا الجمهوري والعمال وغيرها.
ويعتبر أن هذه الأحزاب حاولت اختبار شعبيتها في الشارع ولكنها لم تستطع حشد مسيرات مليونية، وبقي تأثيرها محدودا وشعبيتها في تراجع، ولم تعد قادرة على إرغام أي حاكم على مراجعة سياساته.
أين ذهب الدعم الذي تلقته الأحزاب؟
يوضح أمين غالي أن غالبية الأحزاب الـ50 الموجودة لا تمتثل لمقتضيات المرسوم 87 المتعلق بتنظيم الأحزاب، حيث لا تقدم غالبيتها تقاريرها المالية للجهات المعنية، ولم تقدم سوى 10 أحزاب بعض تقاريرها السنوية.
ويضيف أن الدولة لم تستعد الدعم لأنه يكون حسب تمثيلية هذه الأحزاب في البرلمان التي تحصل عليه خلال الحملات الانتخابية وتراقبه محكمة المحاسبات، ويشير إلى وجود تتبعات جبائية ضد الأحزاب التي حصلت على تمويل مسبق في انتخابات 2014 ولم تُمثَّل في البرلمان، كما أشار إلى أن التمويل تحوّل من مسبق إلى لاحق، أي أن الدولة لن تدعم إلا الأحزاب التي يكون لديها تمثيل في البرلمان.
ما مستقبل المشهد السياسي في تونس؟
يرى عمار الجماعي أنه يمكن إغلاق الأبواب أمام الأحزاب ولكن لا يمكن اجتثاثها، مستبعدا مراجعة قيس سعيّد موقفه منها. وبرأيه، فإنه لا يمكن الحديث عن مشهد سياسي مستقبلي أقصى الأحزاب بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، لأنه يحمل كثيرا من العبثية.
ويؤكد زياد غناي أن كل عملية انغلاق وضرب للمؤسسات، من بينها الأحزاب، وكل يوم يواصل فيه الرئيس الحكم خارج التاريخ في غياب أي تواصل مع المجتمع إلا ويخسره التونسيون باتجاه تجميد النقاش العام، وهو ما ينذر بحالة غضب كبيرة جدا أكبر حتى مما كانت عليه قبل 25 يوليو/تموز.
وتوقع حدوث ردود فعل واضحة للمجتمع لإيقاف هذا القطار الذي يسير بالبلاد نحو المجهول، محذرا من خطورة اليوم الموالي لسقوط سعيّد، وداعيا إلى الاشتغال عليه لإيجاد بدائل تجعل التونسيين في مأمن مع سقوط هذا النظام عاجلا أم آجلا.
أما بوعود فيرى أن الأحزاب لن تغيب عن الانتخابات التشريعية المقبلة وأنها ستدفع بالعديد من أنصارها للترشح بأسماء مستقلة وستدعمها في جمع التزكيات والأصوات، لأن وجودها في البرلمان المقبل سيكون موطئ قدم لها للعودة إلى العملية السياسية بنوع من الحضور.
بالمقابل، يحذر من أن نظام الاقتراع على الأفراد سيفرز مشهدا سياسيا هجينا غير متجانس، وفي ظل غياب الديمقراطية والتعددية الحزبية والفكرية والأيديولوجية ستبقى العملية السياسية مبتورة ونوعا من استفتاء آخر على أشخاص يصعدون إلى البرلمان من جملة من يسمون بأنصار الرئيس.
هل تتحمل الأحزاب المسؤولية؟
يحمّل غالي الأحزاب السياسية نوعا من مسؤولية تراجعها من خلال إخفاقها خلال السنوات العشر الأخيرة، ويؤكد أن ذلك ليس مبررا لإقصائها، بل داعيا لإصلاح المنظومة وتعزيز دورها، لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية أو عن نظام سياسي سليم دون أحزاب سياسية.
أما عمار الجماعي فيرى أن ما وقع يوم 25 يوليو/تموز هو نتيجة قصور بنيوي في الأحزاب التي لو كانت مقنعة لما استطاع سعيّد أن ينقلب عليها، “أحمّل بشكل كبير الأحزاب الكبرى منها من عارضت الانقلاب ومنها من ساندته”.