العراق يصدر فئة نقدية جديدة.. تعبيرا عن التضخم أم تحسينا لسياسة البنك المركزي؟
يتجه البنك المركزي العراقي إلى إصدار فئة جديدة من العملة المحلية للتداول النقدي غير عالية جدا، بعد انخفاض قيمة عملته أمام الدولار، في خطوة توصف بأنها غير مجدية وستزيد التضخم من جانب، وهدفها تحسين كفاءة أداء نظام المدفوعات النقدية في البلاد بعملات وسطية تخدم سرعة التبادل النقدي وتسهيل تسوية المعاملات وأساليب الدفع داخل المجتمع الاقتصادي في جانب آخر.
هذا التوجه جاء على لسان محافظ البنك المركزي العراقي مصطفى مخيف، الذي كشف في حديث له عن عزم المركزي العراقي إصدار فئة جديدة من العملة العراقية بقيمة 20 ألف دينار (13 دولارا تقريبا) بناء على دراسة وأبحاث مقارنة مع دول الجوار، ويعمل على استكمال شكل الورقة، وخلال الأيام المقبلة سوف يتم الإعلان عنها.
وخلال سنوات ما بعد 2003، مرت العملة العراقية بمراحل متذبذبة ومتقلبة أفقدتها قيمتها المحلية وتأثيرها السوقي، إلا أنها تعرضت إلى ما يمكن وصفه بـ”شبه انهيار” في 21 ديسمبر/كانون الأول من عام 2020 بتخفيض البنك المركزي سعر الصرف من 1190 إلى 1450 دينارا مقابل دولارا واحدا، بهدف إدارة أفضل للمدفوعات وللأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وقدر ما يهبط بقيمة العملة المحلية في السوق بنحو 22% من قيمتها السابقة.
تداعيات ومخاطر
وأسفر خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار عن تداعيات كبيرة، حيث نتج عن ذلك ارتفاعات في أسعار أغلب المواد والخدمات الاستهلاكية والغذائية منها على وجه الخصوص بنسبة وصلت إلى أكثر من 45%، حسب تقديرات اقتصادية، مما قلل من الرفاهية الاقتصادية للعملة المحلية أمام العملات الأخرى والدولار تحديدا.
وأكثر ما جعل التخفيض الأخير للدينار العراقي أمام الدولار وهو الأقسى والأكثر ضررا -وفقا لخبراء في الشأن الاقتصادي- أنه جاء في وقت لا تتوفر فيه المقدمات الصحيحة من حيث وجود قاعدة للصناعة والزراعة يعتد بها وتوفر بديلا سلعيا لكثير من السلع الصناعية والزراعية المستوردة التي ارتفعت أسعارها، كما أن التغيير الذي حصل في سعر الصرف كان فجائيا وليس متدرجا.
ومما يجعل انخفاض قيمة العملة العراقية في حرج بسبب انخفاض سعرها، أن اقتصاد البلد أحادي في الإنتاج ويعتمد على تصدير النفط في تأمين ميزانياته السنوية، بمعنى آخر أن تخفيض سعر الصرف لا يساهم في زيادة تصدير النفط كون الأخير تحدَّد أسعاره في السوق العالمية بنظام السعر الواحد.
ويُجيب هذا التقرير عن حزمة من الأسئلة: ما أبرز أسباب إطلاق العملة العراقية الجديدة بقيمة 20 ألف دينار (نحو 13 دولارا)؟ وما إيجابياتها وسلبياتها؟ ثم ما الدور المفترض أن تلعبه في تحسين صورة العملة المحلية بعد موجة من “شبه انهيار” على إثر رفع سعر الدولار وانخفاض قيمتها قبل نحو 3 سنوات؟
ما سلبيات وإيجابيات الفئة النقدية الجديدة؟
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر يُخالف المركزي العراقي ويرى أن الأجدر به كان طباعة فئات صغيرة من العملة النقدية مثل فئة 150 دينارا، لكنه ذهب إلى طباعة فئة جديدة (20 ألفا) بين عُملتين بعيدتين من بعضهما (10 آلاف و25 ألفا) ولا توجد بينهما أي عملة أخرى.
وفي حديثه للجزيرة نت، أبدى كوجر تأييده لطباعة العملات الصغيرة بدلا من الكبيرة أو العالية لكونها تُساهم في خلق مساحة للبضائع التي تدخل إلى البلاد، بحيث يتم بيعها بشكل يخدم المواطن أكثر، فمثلا لا يوجد في العراق بضاعة سعرها أقل من (250 دينارا) لعدم وجود عملة أقل من ذلك، لكن الحال كانت ستكون أفضل لو كانت هناك عملة أخرى أقل، مثل 150 دينارا.
ويقترح النائب العراقي طباعة الفئة الجديدة تدريجيا وليس على دفعة واحدة ولفترات مُتفاوتة، لا سيما أن الحديث يتم عن إمكانية طباعة نحو 70 تريليون دينار عراقي (نحو 45 مليار دولار) لعدة فئات وخاصة فئة 25 ألف دينار، محذرا من حدوث تضخم سوقي في حال دُفعت كل هذه الكميات من الفئات المطبوعة إلى السوق.
ما الدور المفترض للفئة الجديدة؟
يبين مظهر محمد صالح المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء الدور المفترض للفئة النقدية الجديدة، فيقول إنها تأتي في إطار تحسين سياسة البنك المركزي في إدارة نظام المدفوعات النقدية، التي تطلبت -من خلال التجربة- الحاجة إلى إصدار فئة (عملة وسطية) قابلة للقسمة على اثنين لتسهيل المدفوعات النقدية (غير الكبيرة) داخل نظام التداول النقدي.
وينفي صالح في حديث له أن يكون إصدار فئة جديدة للتداول النقدي أنه تعبير عن ظروف تضخمية وإنما هو إجراء لتحسين كفاءة أداء نظام المدفوعات النقدية في البلاد بعملات وسطية تخدم سرعة التبادل النقدي وتسهيل تسوية المعاملات.
هل يساهم إصدار الفئة الجديدة في زيادة التضخم؟
يقر الباحث الاقتصادي ضياء المحسن في رده على سؤال يتعلق بإمكانية أن يساهم إصدار الفئة الجديدة في زيادة التضخم من عدمه؛ بعدم وجود أي فائدة من فكرة المركزي العراقي في هذا التوجه بقدر ما سيكون عبئا على الاقتصاد، فـ”كلما زادت الإصدارات النقدية ستؤدي إلى اختفاء فئات نقدية أخرى في السوق، وهذا قد يؤدي إلى نوع من التضخم في الاقتصاد العراقي الذي تجاوز 6%”.
ويصف المحسن ذلك في حديثه للجزيرة نت بـ”مؤشر خطير على الاقتصاد” لا سيما أن اقتصاد البلد ريعي والقطاعات الحقيقية غير فاعلة، مع تأكيده عدم حاجة العراق لإصدار عملة جديدة لأنه سيؤثر على نسبة التضخم وبالتالي سيتضرر المواطن من هذا الإصدار بدلا من أن يكون فائدة له.
ما الهدف من طباعة ورقة نقدية جديدة؟
في حالة المركزي العراقي فإن الهدف الأساسي لإصدار عملة جديدة فئة 20 ألف دينار تأتي لمنح مرونة أكبر للأفراد في التعاملات والإلتزامات التجارية والمالية المحلية، وفق حديث الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور علي دعدوش للجزيرة نت، وفي نفس الوقت ستكون تكاليفها مغطاة من خلال الفارق بين مبلغ الورقة النقدية (كورقة عادية) ومبلغها الفعلي بعد تداولها في الأسواق، وبالتالي ليس هناك خسارة أو هدر للمال العام.
ويشترط دعدوش مقابل عملية طبع أي عملة من قبل البنوك المركزية أن تقابلها موجودات أو أصول، سواء موجودات أجنبية أو ائتمانات محلية، وبعدها نرى الأهداف التي تريدها البنوك المركزية من إصدار أو طبع أوراق نقدية جديدة (أو إضافة فئات جديدة من العملة)، بالإضافة إلى عدم تجاهل تكاليف الطبع للعملة الجديدة أو المضافة.
ويُعلق الخبير الاقتصادي على احتمالية دخول العملة العراقية بمرحلة انهيار أخرى أمام الدولار الأميركي -كما يتم الحديث بين الحين والآخر- بأن الدولارات النفطية المؤدية إلى زيادة الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي العراقي تمنع انهيار العملة المحلية، وذلك عن طريق نافذة بيع العملة الأجنبية، كما أدى إلى ثقة الأفراد بالدينار نسبيا، وضيق ظاهرة الدولرة التي كان يعاني منها الاقتصاد العراقي.