الاخبار العاجلةسياسة

في ظل الانقسام السياسي وفوضى الكتائب المسلحة.. كيف تبدو خارطة السيطرة العسكرية في ليبيا؟

طرابلس- فتحت الاشتباكات الأخيرة في مدينة الزاوية (40 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس) باب التساؤلات بشأن خارطة السيطرة العسكرية والأمنية في المنطقة الغربية خاصة، وفي ليبيا عامة، في ظل الانقسام السياسي الحاد بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا.

فمنذ الاشتباكات الدامية أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، التي خلفت 5 قتلى و13 جريحا بين المدنيين، حسب مصادر طبية للجزيرة نت؛ تشهد البوابة الغربية لطرابلس وأقرب المدن الكبرى إليها (مدينة الزاوية) حالة من الاحتقان بين كتائب تتقاسم النفوذ بخلفيات قبلية وجهوية، وزادها الصراع السياسي بين حكومتي طرابلس وبنغازي توترا.

على رأس هذه القوى تأتي قوة جهاز البحث الجنائي التابع للداخلية بقيادة محمد بحرون، الملقب “بالفار”، التي أعلنت بعد تردد انحيازها للدبيبة رسميا، وإن لم تشارك في المعارك الأخيرة رسميا، لكنها تقف وراء كتيبة “السيفاو” المتهم بإشعال فتيل الحرب، حسب مصادر أمنية في المدينة للجزيرة نت، على خلفية هجوم شنته على ما يعرف بكتيبة “السلعة” التابعة لوزارة الدفاع.

على الجانب الآخر، نجد قوة دعم الاستقرار التابعة للمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، التي يقودها في الزاوية حسن بوزريبة، شقيق وزير الداخلية في حكومة باشاغا النائب بالبرلمان عصام بوزريبة، التي وقفت بطبيعة الحال بشكل رسمي مع باشاغا في صراعه ضد الدبيبة حين نسقت اجتماعا لقيادات من المنطقتين الغربية والوسطى لحشد الدعم للحكومة المكلفة من البرلمان.

جغرافيا ليبيا العسكرية

أسفرت آخر حروب طرابلس قبل شهرين عن انسحاب بعض الكتائب الموالية لباشاغا إلى الزاوية بعد خسارتها مواقعها وسط العاصمة، لصالح أخرى موالية للدبيبة، مما يراه الخبير العسكري عادل عبد الكافي تأكيدا على سيطرة حكومة الوحدة الوطنية على كامل المنطقة الغربية، وإن لم ينكر وجود “بعض الجيوب، أو الموالين لمعسكر باشاغا وحفتر، لكن لا شوكة لهم وليس لديهم تأثير عسكري يذكر”.

لا ثبات بالمنطقة الغربية

تبدل الخارطة الأمنية في طرابلس بعد الحرب الأخيرة ألقى بظلاله على بقية مدن المنطقة الغربية، وعلى رأسها مصراتة وزليتن والزنتان ورشفانة والزاوية التي زادت فيها حدة التوترات، حيث تشهد هذه المدن احتقانا وتحشيدا مستمرا من قبل الأطراف العسكرية، حسب قيادات عسكرية وأمنية وشهود عيان للجزيرة نت.

فالصراع في مدينة الزاوية تحديدا ألقى بظلاله على بعض المناطق القريبة التي ظلت في مرمى نيران المتصارعين، مثل منطقة ورشفانة التي شهدت اشتباكات متقطعة على مدار الشهرين الماضيين بين قوة تابعة لمحمد بحرون، وكتيبة محلية بقيادة معمر الضاوي الموالي لباشاغا، إذ حاول بحرون تجريدها من مقرها وأسلحتها بوصفها تهديدا لمدينتي الزاوية وطرابلس من جهة الجنوب؛ مما دفع حكومة الوحدة الوطنية إلى دعم بحرون في حصاره وهجومه على المنطقة الواقعة جنوب العاصمة.

لكن رغم محاولات باشاغا وحلفائه التي لا تتوقف لدخول طرابلس، يرجح الخبير العسكري عادل عبد الكافي للجزيرة نت أن الأمر شبه مستحيل، “فحتى القوة التابعة للواء أسامة جويلي لا تأثير لها، كما يتضح من خلال متابعة المعارك الأخيرة؛ فالجزء الكبير من توزيع القوى في المنطقة الغربية يوالي حكومة الوحدة الوطنية”، رغم أن جويلي والتاجوري وحلفاءهما لا ينفكون يتوعدون بالعودة إلى العاصمة.

اقرأ ايضاً
خالد بن سلمان يؤكد استمرار التحالف بقيادة السعودية بدعم الحكومة والشعب اليمني

شرق واحد وجنوبان

وعلى الجانب المقابل (شرقي البلاد)، لا صوت يعلو فوق صوت حفتر؛ فكل التشكيلات المسلحة في المنطقة الممتدة من مدينة سرت التي تتوسط الشرق والغرب حتى بلدة امساعد شرقا على الحدود مع مصر، مرورا ببنغازي (أكبر مدن الشرق الليبي) تابعة عسكريا وأمنيا لما يعرف بالقيادة العامة المدعومة من البرلمان والمؤيدة لحكومة فتحي باشاغا.

في تلك المنطقة تتمركز قوات مشاة ومدفعية مسلحة بشكل كبير، إلى جانب بعض التشكيلات التي تأخذ شكل القوات الخاصة، وعلى رأسها الكتيبة 106 بقيادة صدام نجل خليفة حفتر، ولا ننسى القوات التابعة لوزارة الداخلية في تلك المناطق، وإن كانت تتبع حكومة الوحدة الوطنية إداريا إلى أن ولاءها وبشكل مطلق لخليفة حفتر كما تؤكد عدة مصادر من وزارة الداخلية في بنغازي للجزيرة نت.

وبالعودة إلى الجنوب، نجد الأمر أكثر تعقيدا من الناحيتين العسكرية والقبلية، حيث توجد بعض القبائل الكبيرة المؤيدة للنظام السابق والمعارضة إلى حد ما لخليفة حفتر، كالتهديد المباشر الذي تعرض له خلال زيارته لمنطقة أوباري على أيد قبيلة المقارحة، لكن قبائل الجنوب -خاصة تلك المؤيدة للنظام السابق- جُردت من أسلحتها خلال السنوات الماضية من قبل محسوبين على “ثورة فبراير” في أكثر من مناسبة.

الانقسام في الجنوب يبدأ من المنطقة الوسطى، وتحديدا محيط سرت شمالا وصولا إلى الجفرة الخاضعة لسيطرة مرتزقة “فاغنر” الروسية، وصولا إلى قاعدة براك الشاطئ التي تبعد نحو 80 كيلومترا عن سبها (أكبر مدن الجنوب الليبي).

ويقول عبد الكافي “الصحراء وسط الجنوب تحتوي على مهبط ترابي إلى جانب قاعدتي الجفرة وبراك الإستراتيجيتين، وزودهما الروس بطائرات ميغ-29 ومنظومات دفاع جوي بانتسير ومنظومات “إس-300″ (S-300)”.

وحسب الخبير العسكري، فإن قوات حفتر -إضافة إلى بعض المرتزقة الموالين له من دارفور وتشاد- تستطيع التحرك في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة فاغنر باستثناء بعض المقرات الحيوية ضمن هذه المناطق، ومنها بعض حقول إنتاج الغاز الطبيعي، محاولا اختصار الأمر بأن المنطقة الجنوبية باتت منقسمة بين جنوب شرقي يخضع لسيطرة حفتر، وجنوب غربي يتبع حكومة الوحدة الوطنية ورئاسة أركانها في طرابلس.

تبعية أم تشابك مصالح؟

رأي عبد الكافي يخالفه إلى حد ما مدير مركز بيان للدراسات نزار أكريكش، ويرى أن هذه الأجهزة الأمنية المنتشرة غربي ليبيا “تبدو في الظاهر جزءا من حكومة الوحدة الوطنية، لكنها في بنيتها وتكوينها تنظيمات موازية، لها هيكليتها الخاصة وتتنافس حول النفوذ على مختلف المناطق المهمة في العاصمة”، خاصة تلك التي تحوي المصرف المركزي ومؤسسة النفط، وميناء طرابلس البحري، ومطار إمعيتيقة.

أكريكش يوضح للجزيرة نت أن هذه التنظيمات يمكن أن تتحد ضد بعض التشكيلات المسلحة التي تخالفها في تصور الأزمة الليبية، كما حدث مؤخرا حين طردت الكتائب الموالية لفتحي باشاغا من العاصمة، لكنه يرى أن هذه التحالفات “لا تعني سوى أن كل تنظيم عسكري يسعى للحفاظ على المناطق التي تقع تحت سيطرته، فشبكات النفوذ تدعم السلطات القائمة من جهة، وتمد جذورها لضمان استمرارها في الحياض التي تدافع عنها من جهة أخرى”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى