اقتصاد

هدف إماراتي على النيل.. تقنين الاستثمار بمصر بين الترحيب الحكومي والمخاوف الاستخباراتية

القاهرة- بالتزامن مع انطلاق احتفالات مصرية إماراتية -بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس العلاقات الثنائية- وافق البرلمان المصري على قانون لإعادة تنظيم هيئة النقل النهري، بهدف تشجيع الاستثمار في مشروعات مجرى نهر النيل. فما انعكاساته على الاقتصاد المصري وعلاقته بتقنين التخارج الحكومي لصالح المستثمرين الأجانب، وعلى رأسهم الإمارات؟

الموافقة البرلمانية جاءت بعد توقيع اتفاقيات متبادلة بين وزارة النقل المصرية وجهات إماراتية حول الاستثمار في مجال النقل النهري، في وقت كانت قد استحوذت فيه الإمارات على شركتين تعملان في مجال النقل البحري، ومقرهما مصر.

ووسط ترحيب رسمي بوضع الإمارات في المرتبة الأولى لتدفقات الاستثمار الأجنبي إلى مصر، أفاد موقع استخباراتي فرنسي بوجود ارتياب لدى قادة عسكريين حول القطاعات التي تستهدف الإمارات الاستثمار فيها بمصر، وهو ما لم يتسن الحصول على تعقيب رسمي بشأنه.

وفي ضوء تقنين الاستثمار الأجنبي بنهر النيل، وتباين الآراء حول طبيعة الاستثمارات الإماراتية، تتجدد تساؤلات حول أهداف التقنين وهل يخدم الاقتصاد المصري، أو أنه يستهدف مزيدا من الاستحواذ الإماراتي على أهداف حيوية، عدّها قادة عسكريون ومراقبون أمنا قوميا لمصر.

تقنين وتمهيد

ووافق مجلس النواب نهائيا على مشروع القانون المقدم من الحكومة، بإصدار قانون إعادة تنظيم الهيئة العامة للنقل النهري.

وحسب نص القانون، فإنه يهدف إلى تشجيع الاستثمار في مجال النقل النهري، ويسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار في مشروعات مجرى نهر النيل، لمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 15 سنة، وبعد الحصول مسبقا على موافقة وزارة الدفاع بالنسبة لمواقع الموانئ.

ويأتي القانون، بعد أشهر من إزالة عشرات العوامات التراثية على ضفاف النيل، والتوجه نحو تحويل جزر نيلية من محميات طبيعية إلى مناطق سكنية حديثة ومراكز مال وأعمال وفنادق سياحية، وأهمها جزيرة الوراق بالقاهرة، وهي من الأهداف التي تضعها الإمارات ضمن أهدافها الاستثمارية في مصر، وفق مراقبين.

وقبل أشهر، أعلنت مجموعة موانئ أبو ظبي توقيع اتفاقيات مبدئية مع وزارة النقل المصرية تشارك بموجبها المجموعة في 3 مشاريع للنقل النهري، وفق ما ذكره موقع “مدى مصر”.

وفي يوليو/تموز الماضي، استحوذت موانئ أبو ظبي على 70% من حصص شركتي ترانسمار الدولية للنقل البحري وترانسكارغو الدولية، اللتين تتخذان من مصر مقرا لهما، في صفقة بلغت قيمتها ما يعادل 140 مليون دولار.

ومن منظور قانوني، شدد الفقيه الدستوري وأستاذ القانون فؤاد عبد النبي على عدم جواز اتفاقيات النقل النهري المبرمة سابقا بين البلدين، في ضوء القانون الجديد.

وأوضح عبد النبي للجزيرة نت أنه طبقا للقانون، فإن الاتفاقيات السابقة والمرتبطة بصدور قانون جديد، من المفترض أن تتم إعادة مناقشتها ومراجعتها وصياغتها من جديد، على أن تتم الموافقة عليها أو رفضها طبقا لصلاحيتها واتفاقها مع مواد القانون الجديد.

عوائد محدودة

وعن الأبعاد والأهداف الاقتصادية لتقنين الاستثمار في النقل النهري، يقول الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب إنه يسمح للشركات الأجنبية بالمساهمة في الاستثمار في النقل النهري، سواء كان من خلال نقل البضائع أو نقل الركاب أو النقل السياحي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد عبد المطلب أن الخطوة الجديدة ستفتح مجال الاعتماد على نهر النيل في زيادة البضائع المتبادلة بين مصر والسودان بشكل خاص، واستخدام وسائل نقل متطورة في النقل السياحي، وعودة رحلات النيل من القاهرة إلى أسوان للواجهة من جديد، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن على المستوى العالمي أيضا.

أما عن أثر الاستحواذ الإماراتي على أصول ومشاريع يراها مراقبون رابحة، يقول الخبير الاقتصادي إن الدولة تعرض بعض مشاريعها للبيع لمستثمر رئيسي، وعادة يتقدم مستثمرون إماراتيون للشراء، وعادة يدفعون أفضل الأسعار.

وتكمن الأزمة في هذا السياق -حسب عبد المطلب- في المشاكل التي تواجهها الحكومة المصرية على نحو تدبير احتياجاتها من النقد الأجنبي، معتبرا ذلك سببا في دفعها نحو بيع شركاتها ومشروعاتها الرابحة.

وشدد على أن الاستثمار الإماراتي في الأصول المصرية يفيد الجانب الإماراتي بشكل أساسي، في حين تبقى عوائده على الاقتصاد المصري محدودة، حيث يتم استخدام العائد من البيع في دعم الاحتياطي النقدي وعدم ضخه في استثمارات جديدة.

مناخ سياسي صحي

بدوره، يشير ثروت نافع (السياسي المصري وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشورى السابق) إلى أنه قبل اللجوء للإصلاح الاقتصادي وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية لا بد من وجود مناخ سياسي صحي.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال نافع إن غياب الشفافية وما يثار حول طبيعة الموافقة البرلمانية نفسها ومراجعة القوانين المرتبطة بالاستثمار الأجنبي، نحتاج إلى مناخ ديمقراطي أولا، ثم تقييم مدى نجاح أو جدوى مثل هذه المشاريع الاستثمارية، مشددا على وجود طرق عدة حول كيفية الاستثمار، ليس أفضلها تقنين الاستحواذات الأجنبية على مشاريع تعد من الأمن القومي.

اقرأ ايضاً
صندوق النقد الدولي مستعد لمساعدة تونس على إعادة مالية البلاد إلى مسار مستدام

واستشهد في هذا الصدد بعرقلة الكونغرس الأميركي (عام 2006) صفقة تدير بموجبها الإمارات موانئ أميركية بوصفها تخضع للأمن القومي الأميركي.

كما أشار إلى أن رفض الاستحواذ الأجنبي على المصالح المصرية هو ذاته الذي قامت عليه شرعية النظام العسكري المصري في خمسينيات القرن الماضي (أطاح بالنظام الملكي وأقام أول جمهورية)، بالترويج لفكرة إنهاء الإدارة الأجنبية على قناة السويس وأعادها للإدارة المصرية، متسائلا: فكيف يمكن للنظام الحالي أن يرفع شعارات الاستحواذ الأجنبي لإدارة الموانئ المصرية؟

احتكار الاستحواذ

في السياق ذاته، يرى مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية (مقره كندا) مصطفى يوسف أن الإمارات تحاول الاستحواذ على مجالات الاستثمار المصرية التي تتمتع فيها بصورة شبه احتكارية، عن طريق علاقاتها المتميزة مع مؤسسة الرئاسة.

وفي تصريحات للجزيرة، قال يوسف إن الإمارات تسعى للاستحواذ على الموانئ، وكل ما يتعلق بالصناعة اللوجيستية، مثل شركات الحاويات والنقل البحري والنهري، مبينا أن القوانين الحالية تتم صياغتها طبقًا لمصالح المستثمرين الإماراتيين، نظرًا للدعم الكبير الذي تقدمه أبو ظبي لنظام الجمهورية الجديدة، حسب قوله.

وحذر من تداعيات الأمر على أمن مصر القومي، وأوضح أن مثل هذه الصناعات والمشاريع الإستراتيجية ينبغي أن تكون في أيدي مستثمرين مصريين، وأن تكون تحت رقابة وشراكة حكومية، ولو بنسب بسيطة.

وعزا الانفتاح الحكومي على الاستثمار الأجنبي في المشاريع القومية إلى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر حاليا، موضحا أنها تدفع النظام الحالي إلى قبول شروط الممولين.

مزاعم استخباراتية

الأسبوع الماضي، نقل موقع “أفريكا إنتليجنس” الاستخباراتي الفرنسي -عن مصادر استخباراتية مصرية- أن قيادات بالجيش المصري عبروا عن ارتيابهم من الضغوط التي تمارسها الإمارات للإسراع في بيع أصول للدولة إلى مستثمرين إماراتيين، خاصة تلك التي تقع على ضفاف قناة السويس.

وقال لواءات من العاملين في جهاز المخابرات العامة -حسب المصدر السابق- إن تزايد نفوذ الإمارات على هذا النحو يمثل تهديدا للسيادة المصرية في منطقة إستراتيجية شديدة الحساسية. في إشارة إلى قناة السويس.

ووفق “مزاعم” الموقع الاستخباراتي، فإن أبرز المشاريع التي تستهدفها الإمارات:

  • جزيرة الوراق.
  • الاستحواذ على قطعة أرض تقع عليها ناطحة سحاب تابعة لوزارة الخارجية وسط القاهرة.
  • السيطرة على “الشركة الوطنية للبترول”، في سياق البيع المرتقب لعدة شركات تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهي إحدى أذرع النشاط الاقتصادي للجيش المصري.
  • تملك هذه الشركة أصولا من الأراضي في منطقة شرق الدلتا، بالقرب من قناة السويس.
  • بيع الشركة قد يمكن هيئة الإمارات للاستثمار (صندوق الثروة السيادي) من الاستحواذ المباشر على أصول تقع على ضفاف القناة.

والشهر الماضي، كشفت دراسة لمجموعة طوبة للدراسات العمرانية، ارتفاع قيمة استثمارات الإمارات في القاهرة بصورة كبيرة، واستحوذت على عدد كبير من الأراضي، حيث ستصل استثماراتها بحلول عام 2027، إلى نحو 35 مليار دولار.

ونقل موقع المنصة عن الشريك المؤسس لـ”10 طوبة” يحيى شوكت قوله إن الحكومة المصرية تملك أراضي بنسبة 16% لتحتل المركز الأول في القائمة، تليها الحكومة الإماراتية التي تمتلك أراضي بنسبة 6.16%، ثم تأتي حكومتا الكويت والنرويج في مراتب متتالية من خلال صناديق استثمار بحصص أصغر كثيرا.

علاقات قوية

وفي حين لم يتسن الحصول على تعقيب رسمي بشأن ما طرحه المصدر السابق، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي -خلال احتفالية اليوبيل الذهبي للعلاقات المصرية الإماراتية- إن البلدين يرتبطان بعلاقات استثمارية قوية، وهو ما انعكس في ارتفاع إجمالي الاستثمارات الإماراتية المباشرة في مصر لتسجل نحو 4.6 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2021-2022.

وأشار مدبولي إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بحصة تقدر بنحو 29% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى مصر خلال تلك الفترة، ونحو 72% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة العربية.

كما أشاد بما وصفها “بالمشاركة الفعّالة” للمستثمرين الإماراتيين في برامج الطروحات وآليات الشراكة، في إطار توجه بلاده نحو تنفيذ وثيقة “سياسة ملكية الدولة” للأصول خلال المرحلة المقبلة.

والوثيقة أطلقتها مصر في يونيو/حزيران الماضي، وتضم القطاعات والصناعات التي تخطط الحكومة للتخارج منها أو زيادة حصتها فيها، لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتهدف إلى مشاركة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد المصري، ليمثل 65% خلال 3 سنوات مقبلة.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى