خبير سعودي للجزيرة نت: الدعم العسكري الأميركي للرياض لم يكن مجانا وهذا سر الشراكة بين الدولتين
أكد الخبير السعودي ورئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز بن صقر أن الدعم الأمني والعسكري الأميركي للمملكة العربية السعودية على مدار العقود الماضية كان ولا يزال مدفوع الثمن، ولم يكن أبدا مجانا.
ويرى عبد العزيز بن صقر -في حوار مع الجزيرة نت- أن السر الذي حفظ علاقة التعاون الأمني والعسكري السعودي- الأميركي يكمن في استمرار عامل الحاجة المتبادلة لكلا الطرفين، مشددا على أن هذا الدعم قائم على أسس واقعية وعقلانية وليس عاطفية، أهمها حماية المصالح المشتركة لكلا الطرفين.
ويشير رئيس مركز الخليج للأبحاث إلى أن السعودية لا تستبعد صدور قرارات -قد تكون مؤقتة التأثير- تخص إعادة تقييم العلاقات بين الرياض وواشنطن، ومن ضمنها إعادة تقييم سياسة الدعم العسكري الأميركي، لكنه أكد أن ذلك سيكون ضمن حدود استمرار الالتزامات الأميركية بحماية مصادر الطاقة الدولية، وهو هدف أميركي أساسي، ارتفعت مؤخرا درجة أهميته.
وتوقع عبد العزيز بن صقر أن تتوصل السعودية والولايات المتحدة إلى صيغة جديدة لديمومة علاقات الشراكة الإستراتيجية، ولكن ضمن أطر ومفاهيم ومعطيات تناسب الوضع الدولي القائم، وتلبي الحاجات المستجدة لكلتا الدولتين.
وفي ما يلي نص الحوار:
-
العلاقات السعودية الأميركية معروف أنها تاريخية وتمتد لـ8 عقود؛ في رأيك ما حدث مؤخرا توتر عارض أو خلاف قد يستمر طويلا؟
من الخطأ القول إن هناك حالة تحالف إستراتيجي سعودي-أميركي، أو إطلاق هذه الصفة على العلاقات السعودية-الأميركية، راهنا أو تاريخيا؛ بل هناك حالة “شراكة إستراتيجية”، وليست “تحالفًا إستراتيجيا”. ويجب التمييز بين مضمون المصطلحين؛ فعلاقات الشراكة الإستراتيجية -كأي علاقة شراكة تجارية أو اجتماعية- تحتمل الاختلافات والخلافات وتضارب المصالح والمواقف، وهناك دوما هامش لاختلاف وجهات النظر وتباعد التقييمات والتقديرات التي تتأثر بعوامل تغيير الزمن وتغيير البيئة المحيطة.
ورغم عمق العلاقات السعودية-الأميركية تاريخيا، فإنها لم تخلُ من خلافات عميقة، ومن ظاهرة تضارب المصالح، وهو أمر طبيعي وصحي في أي علاقة بين طرفين مختلفين في طبيعتهما وخلفيتهما السياسية والتاريخية والاقتصادية والحضارية. وشهدت العلاقات هزات كبيرة؛ كان أهمها قرار المغفور له الملك فيصل عام 1973 بقطع تصدير النفط للدول الداعمة لإسرائيل، ومن ضمنها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب.
التوتر الراهن قد لا يتجاوز أزمة تصحيح للعلاقة، وإعادة تقييم مساهمة كل طرف من الطرفين، فهي على الأغلب أزمة مؤقتة في إطارها الزمني، ولكن لا يستبعد أن تكون نتائجها كبيرة وربما بعيدة المدى.
-
قرار “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمليوني برميل يوميا، تؤكد المملكة أنه قرار فني واقتصادي بحت وغير مسيّس ضد أحد، والهدف منه الحفاظ على استقرار سوق الطاقة العالمي، لماذا تنظر الإدارة الأميركية لهذا القرار على أنه موجه ضدها تحديدا؟
قرار “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، من وجهه النظر السعودية كان قرارا اقتصاديا خاليا من الدوافع السياسية، والقراءة الأميركية كانت تركز على البعد السياسي الذي لم يكن من أولويات الحسابات السعودية. مع العلم أن موقف المملكة في المحافل الدولية قائم على إدانة قرار “الغزو الروسي لأوكرانيا”، ولا يوجد تعاطف سعودي رسمي أو شعبي مع التبريرات الروسية لعملية “غزو” أوكرانيا.
ولا يوجد مبرر لدى صناع القرار في المملكة لاتخاذ قرارات موجهة ضد الحليف الأميركي، ولكن الحليف الأميركي عليه أن يدرك أن السعودية دولة مستقلة ولها سيادة القرار ومن حقها حماية مصالحها الذاتية، وإحدى أهم مصالح الدولة بكونها دولة تعتمد على تصدير النفط هو المحافظة على أسعار معقولة لهذه المادة الإستراتيجية.
-
وكيف يمكن الرد على الاتهامات الموجهة للمملكة بتسييس النفط؟
بعد تجربة عام 1973، برزت المملكة بكونها من الدول الأوائل التي اعترفت بأن النفط لم يعد سلاحا، ولا يجب استخدام النفط أداة سياسية تحت أي ظرف من الظروف، بل هو مادة إستراتيجية يجب أن تثمن بناء على منافعها، ولكن الأهمية السياسية للنفط تأتي من كونه مادة إستراتيجية تتحكم في الاقتصاد العالمي وعجلة الحياة والرفاهية والتطور والتنمية.
وإذا كان هناك اتهام للمملكة بمحاولة “تسييس النفط” عبر دعمها قرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، فإن التهمة نفسها يمكن ردها على الولايات المتحدة التي حاولت منع تبني قرار التخفيض.
مهمة “أوبك” -ولاحقا “أوبك بلس”- كانت دوما تدور حول قضية مراقبة أسعار النفط، وضمان الاستقرار ومنع التذبذب وتقلبات الأسعار المفاجئة، وهي مهمة ذات قيمة للدول المنتجة والدول المستهلكة لكونها عاملا أساسيا في ضمان الاستقرار الاقتصادي. فالولايات المتحدة ترحب بدور أوبك عندما تقوم بخدمة مصالحها في السيطرة على أسعار الطاقة الدولية، ولكنها ترفض الدور نفسه عندما يتعارض مع المصالح الأميركية؛ فمساهمة أوبك لم تكن دوما مرفوضة من الولايات المتحدة.
المملكة لم تجد تعاطفا أميركيا أو غربيا عندما انخفض سعر برميل النفط إلى 8 دولارات أو أقل، وكانت له نتائج سلبية خطيرة وحتى كارثية على اقتصادات الدول المنتجة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
-
في ظل هذا التوتر، كيف يمكن تصور العلاقة المستقبلية بين الرياض وواشنطن؟
لا عيب في مبدأ إعادة النظر في أي علاقة وإعادة التقييم لأي تحالف؛ فعنصرا الزمن والتطور وتغييرات البيئة السياسية والإستراتيجية تستوجب تقييم الأولويات، وهذه جميعها عوامل لا تقبل الجمود وقابلة للتغير. ورغم هذه الحقيقة فإنه لا توجد مبررات تسمح بتفكيك الأواصر والأسس القوية التي تقوم عليها العلاقات السعودية-الأميركية.
وفي تقديرنا أن المصالح الإستراتيجية العليا لكلا الجانبين السعودي والأميركي ستتغلب على المواقف الآنية والأزمات الهامشية، فلا يوجد بديل للسعودية عن الولايات المتحدة في مفهوم الشراكة الإستراتيجية، ولا يوجد بديل للولايات المتحدة عن السعودية في مفهوم مجال تأمين الطاقة، والدور والنفوذ الإقليمي.
في تصورنا أن العلاقة السعودية-الأميركية ستتم إعادة تقييمها من كلا الطرفين، وليس فقط من الجانب الأميركي المعلن عنه، وهذا التقييم ضروري لديمومة أي علاقة، خاصة في ظل معطيات تبدل الظروف الدولية وتبدل حاجات ومطالب طرفي العلاقة؛ فالولايات المتحدة اليوم هي غير الدولة التي تشاركت مع المملكة قبل 80 عاما، وخلال الفترة الزمنية نفسها قطعت المملكة شوطا كبيرا في بناء الدولة والمجتمع، وتطوير علاقاتها وتحالفاتها الخارجية.
لذلك نتوقع أن يتم التوصل بين الطرفين إلى صيغة جديدة لديمومة علاقات الشركة الإستراتيجية، ولكن ضمن أطر ومفاهيم ومعطيات تناسب الوضع الدولي القائم، وتلبي الحاجات المستجدة لكلتا الدولتين.
-
وهل موقف الرئيس الأميركي من السعودية منذ أن كان مرشحا رئاسيا له تأثير في التوتر القائم؟
من دون شك كان موقف الرئيس جو بايدن المعادي للمملكة خلال حملة الانتخابات الرئاسية مصدر قلق وعدم ارتياح في الرياض؛ فالهجمات الكلامية على المملكة وقياداتها لم يكن لها مبرر في حملة انتخابات رئاسية داخلية، ولكن عُدّ هذا الأمر قليل الأهمية لكونه سلوكا مرتبطا بالحملة الانتخابية، ومحاولة مرشح رئاسي لتوظيف “سعودي فوبيا” أو “الفوبيا السعودية” الظاهرة ضمن المجتمع الأميركي كأداة انتخابية تخدم أهدافه.
وعندما تم انتخاب الرئيس بايدن قررت القيادة السعودية فتح صفحة جديدة مع قائد جديد لأهم دولة كبرى شريكة للمملكة؛ لذلك كان موقف حسن النوايا هو الموقف السائد في السلوك السعودي تجاه إدارة الرئيس بايدن منذ يومها الأول.
لكن حسن النوايا من الجانب السعودي لم يقابله موقف مماثل من قبل الإدارة الأميركية، حيث تبنت الإدارة الأميركية الجديدة سياسة النقد والتجريح تجاه مواقف الدولة السعودية وقياداتها، واستغلال الفرص للطعن في مصداقية سياسة المملكة، وتبني موقف غير متوازن بين ما يعد سلبيا وما يعد إيجابيا، ومحاولة التغاضي وتجاوز الإصلاحات والإنجازات والتغييرات الهائلة التي تم إدخالها في الدولة ومجتمعها وأنظمتها وتشريعاتها القانونية، التي قد تعد ثورة إصلاحية بالمفاهيم السياسية.
وفي نهاية المطاف، تمتلك القيادة السعودية القدرة على التعايش مع هذا النوع من المواقف السلبية، ومحاولة تحجيم آثارها السلبية على سياستها الخارجية وعلى علاقاتها مع دول العالم.
-
خرجت دعوات من الولايات المتحدة لفرض عقوبات على السعودية وحرمانها من استيراد الأسلحة، وسحب أي ضمانات أمنية منها، كيف ترى مثل هذه الدعوات والموقف الرسمي للمملكة منها؟
هذا الأمر ليس جديدا، وهذه الأصوات من الداخل الأميركي مكررة لنفس النغمة وتعزف على نفس الأوتار التي اعتادت عليها المملكة منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلاقات التعاون الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة شهدت أزمات كبيرة، خاصة نتيجة الضغوط الإسرائيلية، ونفوذ “اللوبي اليهودي” في الولايات المتحدة الذي كان يهدف إلى حرمان السعودية من أي أسلحة أميركية ذات مواصفات تكنولوجية عالية.
فعلاقات التعاون العسكري مع الولايات المتحدة كانت علاقات متذبذبة، ولم تكن علاقات تتصف بالتعاون الصادق دوما، ورغم كل العوائق والصعوبات والتحديات والأزمات استمرت هذه العلاقة 8 عقود.
والسر الذي حفظ علاقة التعاون الأمني والعسكري السعودي-الأميركي يكمن في استمرار عامل الحاجة المتبادلة لكلا الطرفين، وكونه علاقة عملية وليست عاطفية. والتعاون والدعم الأمني والعسكري الأميركي للمملكة كان دوما -ولا يزال- تعاونا مدفوع الثمن بالكامل، وليس دعما مجانيا، كما هي الحال مع الدعم الأميركي لإسرائيل، وهذا الدعم قائم على أسس واقعية وعقلانية وليست عاطفية؛ أهمها حماية المصالح المشتركة لكلا الطرفين.
فالدعم العسكري الأميركي للمملكة هو دعم لحماية أهم مصدر لموارد الطاقة العالمية، وليس بالضرورة دعم لدولة اسمها المملكة العربية السعودية. فالجدال الدائر في واشنطن حول إعادة النظر في الالتزامات الدفاعية الأميركية للمملكة لا يعني قدرة الولايات المتحدة على التخلي عن دورها في حماية مصادر الطاقة النفطية العالمية التي تعد السعودية واحدة من أهم الدول المزودة لهذه المادة الإستراتيجية.
لذلك فإن الرياض لا تستبعد صدور قرارات -قد تكون مؤقتة التأثير- تخص إعادة تقييم العلاقات السعودية-الأميركية، ومن ضمنها إعادة تقييم سياسة الدعم العسكري الأميركي، ولكن الأمر سيكون ضمن حدود استمرار الالتزامات الأميركية بحماية مصادر الطاقة الدولية، وهو هدف أميركي أساسي، ارتفعت مؤخرا أهميته وأولوياته ضمن الأجندة الدفاعية والإستراتيجية الأميركية بسبب الصراع الأوكراني. ومن المهم إدراك أن واشنطن لا تمتلك أي مصلحة أو منفعة في توليد الضغوط، ودفع وإجبار المملكة للبحث عن بدائل أمنية ودفاعية ومصادر جديدة وبديلة لتوريد السلاح.
-
السعودية من أكبر الدول في المنطقة ولها تأثير إقليمي كبير، كيف يمكن أن ينعكس التوتر مع واشنطن على المنطقة بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص؟
في حال تصاعدت الخلافات السعودية-الأميركية لن تكون البيئة السياسية الخليجية بعيدة عن إسقاطات وتعقيدات وسلبيات هذا الخلاف؛ فجميع دول الخليج العربية تربطها علاقات تحالف وتعاون وثيق مع طرفي الخلاف السعودي-الأميركي، وهذه الدول ستجد نفسها في موقف صعب لتبني موقف الحياد أو التوازن في هذا النوع من الخلافات بين الحلفاء الأساسيين.
لذلك فإن تصعيد الخلاف السعودي-الأميركي ستكون له تأثيرات سلبية على عموم السياسة الخليجية. وقد يكون هدف أو تكتيك واشنطن هو إحداث شرخ في العلاقات الخليجية أو في وحدة البيت الخليجي، ولكن آلية التنسيق والتشاور ضمن القيادات الخليجية قد تكون كفيلة بمنع تطور أي خلاف خليجي-خليجي جديد، ومن المحتمل أن تدخل جهود الوساطة الخليجية لتسوية الخلاف السعودي-الأميركي في حالة تطوره أو تصاعده. في هذه المرحلة لا زال الموقف في العلاقات السعودية-الأميركية لا يتجاوز اختلاف وجهات النظر، وأحاديث وإشارات غير محددة لنوايا إعادة تقييم العلاقة، ولم يتطور لخلاف وإلى صراع حقيقي يستوجب القلق.
-
هل من الممكن أن تعيد المملكة العربية السعودية تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة من منظور سياسي وأمني وإستراتيجي جديد في ضوء هذا التطور الأخير؟
المملكة ستتخذ “رد فعل” للفعل الأميركي، ومن السابق لأوانه الحديث عن خطوات المملكة في إعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، لعدم وجود أي إجراءات أميركية تشير إلى جدية التحرك لإعادة تقييم العلاقات الأميركية مع المملكة، أو وجود قرارات أميركية ذات طابع سلبي أو عقابي يمس أمن ومصالح المملكة بشكل مباشر.
ولكن في حالة تحرك أميركي جدي لتبني إعادة تقييم للعلاقات، وتلازم هذا التقييم مع إجراءات سلبية تمس أمن ومصالح المملكة، فإن المملكة ستُجبر على تبني خطوات مماثلة تحت مظلة “إعادة التقييم” نفسها.
فالعلاقات الدولية قائمة على احترام المصالح بشكل متقابل ومتعادل ومتوازن، وإخلال أي طرف بقواعد علاقات التحالف سيجبر الطرف الآخر على اتخاذ خطوات لحماية مصالحه؛ لذا فإن أي قرار أميركي في توليد الضغوط على المملكة يجب أن يُدخِل في حساباته ردود الفعل السعودية المحتملة.