اقتصاد

المغرب.. ضرائب جديدة تثير غضب أصحاب المهن الحرة

الرباط- قادما من مدينة تطوان شمال البلاد، شارك الطبيب المغربي “شراف لحنش” إلى جانب زملائه في المهنة في وقفة احتجاجية منتصف الأسبوع الجاري قبالة مبنى البرلمان بالعاصمة الرباط ضد المقتضيات الضريبية التي جاءت بها الحكومة ضمن مشروع موازنة 2023.

وشارك في هذه الفعالية إلى جانب الأطباء في القطاع الخاص، صيادلة ومحاسبون وأطباء أسنان ومختصو علاج طبيعي لإعلان رفضهم هذا التوجه الحكومي.

وكانت الحكومة قد اقترحت ضمن مشروع الموازنة -الذي ما زال يناقش حاليا في البرلمان- فرض الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل عن طريق الحجز في المنبع (الاستقطاع من المنبع) بنسبة 20%، ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 20% تكريسا للعدالة الضريبية.

وحولت هذه التدابير الضريبية الجديدة ساحة البرلمان بالرباط إلى فضاء لاحتجاجات متواصلة منذ أسابيع لأصحاب المهن الحرة، حيث طالبوا بحذفها كونها ستضر بالتوازنات المالية لشركاتهم، وستؤدي إلى زيادة التكاليف على العملاء.

المحامون أول المحتجين

كان المحامون أول المحتجين على المقتضيات الضريبية التي جاءت في مشروع الموازنة، إذ بدؤوا منذ 3 أسابيع سلسلة من التحركات تنوعت بين وقفات احتجاجية واعتصامات ليلية في المحاكم وإضرابات عن العمل وصولا إلى الإضراب عن الطعام.

وفرض مشروع الموازنة الجديدة على أداء الشركات المدنية للمحاماة تسبيقا ماليا عن الضريبة تلقائيا في صندوق المحكمة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي.

وحدد مبلغ التسبيق المالي في مشروع قانون المالية بـ300 درهم (حوالي 30 دولارا)، عن كل ملف في محاكم الدرجة الأولى، و400 درهم (حوالي 40 دولارا)، في محاكم الدرجة الثانية، و500 درهم (حوالي 50 دولارا) في محكمة النقض.

واعتبر أصحاب البذلة السوداء هذه التدابير ضربا “لرسالة الدفاع وخصوصية مهنة المحاماة، كما تمس بشكل سافر حق التقاضي المجاني المضمون دستوريا للمواطنين”.

ودعا مجلس جمعية المحامين بالمغرب كافة أعضائه إلى التوقف عن العمل بدءا من الاثنين الماضي إلى إشعار آخر، ما سبب شللا تاما في المحاكم.

وتسبب هذا الإضراب في تعطيل مصالح المتقاضين وإغلاق صناديق المحاكم في البلاد، ويودع المحامون -عددهم يقارب 16 ألف محام – يوميا في هذه الصناديق مبالغ مهمة تتعلق بالرسوم القضائية أو إيداع الودائع والغرامات والضمانات والكفالات وغيرها.

ولتهدئة الوضع، التقى رئيس الحكومة مع مجلس جمعيات المحامين أول أمس الثلاثاء، وتم الاتفاق على تخفيض الاقتطاع من المنبع إلى نسبة 10% عوض 15% بالنسبة للمحامين الذاتيين و5% بدل 10% بالنسبة للشركات المدنية.

كما تم الاتفاق على إعفاء المحامين الجدد من أداء الضريبة لمدة 5 سنوات وتخفيض مبلغ التسبيق المالي من 300 إلى 100 درهم (من 30 إلى 10 دولارات) عن كل ملف.

غير أن هذا الاتفاق لم يلق ترحيبا في صفوف هيئات المحامين بعدد من الجهات وواصلوا شل المحاكم إلى إشعار آخر.

المحامون خلال احتجاجاتهم على المقتضيات الضريبية الجديدة / مصدر الصورة: مواقع مغربية
المحامون خلال احتجاجاتهم على المقتضيات الضريبية الجديدة في مشروع موازنة المغرب (مواقع مغربية)

الطبقة المتوسطة متضررة

اتسعت رقعة الاحتجاجات لتشمل أصحاب مهن حرة أخرى، ويقول شراف لحنش رئيس التنسيقية الوطنية للأطباء العامين في القطاع الخاص، إن الأطباء منزعجون من توجه الحكومة نحو فرض ضريبة الاقتطاع من المنبع.

وأوضح لحنش في تصريح للجزيرة نت أن هذه الفئة تعاني من مشكلة السيولة ومن غلاء المواد الأولية ومن ثقل ضريبي كبير ولا يمكنها تحمل ضرائب جديدة.

ولفت إلى أن هذه الضرائب ستؤثر على الاستثمار في المجال الطبي وعلى الممارسة الطبية، في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو تعميم التغطية الصحية الشاملة.

وأشار إلى أن الأطباء نسقوا مع المهنيين في باقي القطاعات من أجل مواجهة هذه التدابير بشكل جماعي، وقال “ننتظر تجاوب الحكومة مع احتجاجاتنا، وفي حال عدم تجاوبها ستتجه الأمور نحو التصعيد”.

اقرأ ايضاً
وقف جديد للغاز الروسي يضيق الخناق على الطاقة في أوروبا

من جهته، أوضح الخبير المحاسباتي الطيب أعيس للجزيرة نت أن رفع الضريبة إلى 20% على أصحاب المهن الحرة تُضاف إلى 20% نسبة الضريبة على القيمة المضافة، ما يعني أن مجموع الاقتطاعات التي تستهدف هذه الفئة ستصل إلى 40%.

ورأى أن هذه الاقتطاعات الضريبية الجديدة، تراجع عن الإصلاح الضريبي الكبير الذي شهده المغرب في ثمانينيات القرن الماضي.

وهذا الإصلاح -وفق المتحدث- كان قد اعتمد الضريبة على أساس المحاسبة الواقعية بدل الاقتطاع الجزافي، ما شجع الاستثمار بفضل مناخ الثقة، وساهم في تشكيل طبقة متوسطة خلقت توازنا في البلاد.

لذلك، يرى أعيس، أن من شأن الضرائب الجديدة التي وضعتها الحكومة، إضعاف الطبقة المتوسطة وزعزعة ثقة المستثمرين في الشركات الصغرى والمتوسطة.

وأضاف “عوض اعتبار جميع المستثمرين في المهن الحرة متهربين من الضرائب والاقتطاع من المنبع، كان على الحكومة تفعيل الآليات القانونية لمتابعة المتهربين وزجرهم”.

ونبه المتحدث إلى أن مثل هذه التدابير ستدفع عددا من أصحاب المهن الحرة إلى التوجه نحو القطاع غير المهيكل مما سيضر باقتصاد البلاد، ومن جهة أخرى سيدفع الوضع الكثيرين منهم إلى الهجرة نحو الخارج.

وأكد أعيس على ضرورة اعتماد المقاربة التشاركية في وضع مثل هذه القوانين كما نص على ذلك الدستور، مشيرا إلى أن الحكومة لم تفتح أية مشاورات أو حوار مع الأطراف المهنية المعنية بهذه التدابير الجبائية للتوافق حول صيغ ترضي الجميع.

احتجاجات الأطباء والصيادلة أمام مبنى البرلمان بالرباط /
اتسعت رقعة الاحتجاجات وشملت فئات مختلفة من أصحاب المهن الحرة (الجزيرة)

دعم موازنة الدولة

لجأت الحكومة المغربية إلى هذه الإجراءات لدعم موازنة الدولة وتحقيق العدالة الجبائية وفق تعبير الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس.

وقال بايتاس في ندوة صحفية إن مشروع الموازنة هو آلية مهمة -بالإضافة إلى آليات أخرى- لمعالجة المعضلات الاجتماعية ورفع مستويات التنمية.

ولفت إلى أن الحكومة تتجه من خلاله إلى إقرار عدالة ضريبية، مشيرا إلى أن السياسة الجبائية سابقا كانت تستهدف تحفيز الاستثمار لكنها لم تعط النتائج المرجوة.

ويأتي الإعداد لمشروع موازنة 2023 في سياق دولي يتسم بارتباك سلاسل الإنتاج والتوريد والحرب الروسية الأوكرانية والتضخم العالمي؛ ما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد جدري أن اللايقين هو السمة التي ستطبع السنة المقبلة، لافتا في حديث مع الجزيرة نت إلى أنه مقابل السياق الدولي المضطرب فإن المملكة مقبلة على تحديات كبرى تتعلق بالحماية الاجتماعية وتحويل الاقتصاد الوطني ومواجهة مخلفات التقلبات المناخية.

لذلك فالحكومة مطالبة باستعادة الهوامش المالية عن طريق إعادة النظر في السياسة الضريبية للمقاولات، وفق تعبير الخبير.

ويرى جدري أن الرفع من الضريبة على الشركات بالنسبة لفئة المهن الحرة من شأنه أن يؤثر على قدرتها على الاستمرار والتطور، مشيرا إلى أن بنية الشركات بالمغرب تتشكل أساسا من الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، حيث إن نسبتها تفوق 92%.

وفي نظره، فإن أي رفع للضرائب على هذه الشركات، سيزيد في تكلفة الإنتاج، كما سيدفع المستهلك ثمن ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

ولا يتوقع جدري أن تتراجع الحكومة عن المقتضيات الضريبية التي جاءت بها، لأنها في نظره تريد استعادة هوامشها المالية عن طريق ترشيد نفقات التسيير والرفع من المداخيل، من خلال الرفع من الإيرادات الضريبية.

ويشير إلى أن نفقات الدولة في سنة 2023 ستصل إلى أكثر من 600 مليار درهم (حوالي 56 مليار دولار)، في حين أن المداخيل المتوقعة لن تتجاوز 534 مليار درهم (حوالي 50 مليار دولار)، لذلك فإن أي تراجع عن هذه المقتضيات من شأنه الرفع من عجز الميزانية الذي يتوقع وصوله لأكثر من 64 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار).

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى