الاخبار العاجلةسياسة

التلوث البيئي في بغداد ارتفع 11 ضعفا والخبراء يدقون ناقوس الخطر

بغداد- يعاني العراق منذ سنوات من ارتفاع معدلات التلوث البيئي، وتعد العاصمة بغداد من أكثر المحافظات العراقية تسجيلا لنسب التلوث بعد أن قارب عدد سكانها 9 ملايين نسمة، وهو ما يعزوه مراقبون لغياب التخطيط والعشوائيات وعدم بناء مدينة إدارية جديدة للتخلص من التلوث الذي بلغ مستويات خطيرة أثرت على صحة الإنسان.

وتعد بغداد من أصغر محافظات العراق من حيث المساحة، وتضم معامل ومصانع ونشاطات صناعية وتجارية متعددة، بعضها داخل الأحياء السكنية، بينما تعهدت الحكومة في أكثر من مناسبة بالعمل على معالجة هذا الوضع.

تلوث بلا حدود

كثيرة هي حالات التلوث التي يمكن معاينتها ببغداد، وواحدة منها ما يرويه الصحفي سعد الله الخالدي، الذي يعاني من التلوث في منطقة سكنه جنوب غربي العاصمة، بسبب تسرب غاز الميثان من شبكة الصرف الصحي المتهالكة، والتي فيها تشققات وتحتاج إلى معالجة آنية، بحسبه.

ويقول الخالدي للجزيرة نت إن معظم أهالي المنطقة عرضوا منازلهم للبيع بعدما تسبب تسرب الغاز بحالات اختناق وأمراض أخرى، خاصة ممن يعانون من أمراض تنفسية، مطالبين بإبعاد محطة تصريف مياه الصرف الصحي عن الأحياء السكنية المكتظة بالسكان، وإنشاء أخرى جديدة كون المحطة مستهلكة ومضى على إنشائها أكثر من 40 عاما.

54888 1
بغداد من أصغر المحافظات العراقية مساحة لكنها الأعلى تلوثا (رويترز)

أسباب التلوث

ويشخص المركز العراقي الاقتصادي السياسي (منظمة مستقلة مهتمة بشؤون البيئة) أسباب زيادة معدلات التلوث البيئي بالعاصمة، مؤكدا أهمية إنشاء مدينة إدارية جديدة كخطوة جدية للتخلص من هذا التلوث، ووضع خطط وحلول آنية لإدارة هذا الملف في بغداد وعموم مناطق العراق.

ويقول مدير المركز وسام حدمل الحلو -في بيان أصدره في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري- إن هناك ارتفاعاً كبيراً بمعدلات التلوث البيئي في بغداد، حيث وصل لمستويات خطيرة تناهز 173 وحدة في مقياس درجة تلوث الهواء (AQI).

وأضاف الحلو أن هذا الرقم يعادل 11 ضعفا عما كان عليه المؤشر أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بسبب عدم توسعة العاصمة وعدم إنشاء مشاريع اقتصادية جديدة، والاعتماد على الخطط البيئية التقليدية القديمة، فضلا عن غياب الاهتمام الكافي وقلة المخصصات المالية لملف البيئة، مع انتشار الفساد المالي والتخبط الإداري في جميع الحكومات السابقة التي أدارت الملف البيئي.

** للاستخدام الداخلي فقط *** وسام حدمل الحلو، مواقع التواصل
الحلو: مياه الصرف الصحي وعدم توسعة بغداد أسهما في زيادة تلوث بغداد (مواقع التواصل)

الصرف الصحي

وبين الحلو أن أسباباً متعددة ساهمت في ارتفاع نسبة التلوث في الهواء والتربة والمياه بالعاصمة، مبينا أن من بينها مشاريع الصرف الصحي لمدينة بغداد التي صممت لاستيعاب 3 ملايين شخص فقط عند الانشاء، أما الآن فقد بلغ السكان قرابة 9 ملايين نسمة، بحسب وزارة التخطيط، الأمر الذي تسبب بضغط كبير على البنى التحتية لمحطات معالجة المياه الثقيلة.

وعن أسباب تلوث المياه والتربة، أوضح الحلو أن عوامل أخرى أسهمت بالتلوث السنوات الأخيرة منها شح المياه وقلة الأمطار، فضلا عن البناء العشوائي غير المخطط له رسمياً، وهو ما يمثل واحداً من أبرز التحديات البيئية.

ولفت إلى أن الأعداد الكبيرة والمهولة للسيارات بشوارع بغداد وكثرة المولدات الكهربائية الأهلية ووجود المعامل والمصانع داخل المدينة، والزحف السكاني تجاه مصفى الدورة النفطي -الذي يقع بالجزء الجنوب الشرقي للعاصمة- كلها عوامل أسهمت بشكل كبير بارتفاع نسب التلوث.

6 2 1
الخبير البيئي حمزة يرى ضرورة منع التجاوز على الأنهار للحد من التلوث (الجزيرة)

معالجات ممكنة

وعن سبل معالجات التلوث وخفض معدلاته ببغداد، يرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسة المائية، رمضان حمزة محمد، أن من أهم الحلول الممكنة الآن وغير المكلفة يتمثل بإقناع أصحاب القرار بخطورة المشكلة والحلول المقترحة، والقيام بحملة لتفعيل القانون الخاص بمنع التجاوزات على محرمات الأنهار، والتركيز على تفعيل عمل الشرطة البيئية لتطبيق القانون مع صلاحيات موسعة، وضرورة مشاركة ممثلي الحكومة من الجهات ذات العلاقة لإيجاد رؤية بشأن الحلول المستقبلية.

ويوضح محمد -في حديث للجزيرة نت- أن جودة المياه السطحية بالأنهار تتأثر بالعمليات العادية مثل تقلبات التربة والأمطار والتعرية، فضلاً عن الأنشطة البشرية مثل التصنيع والإنتاج الزراعي، مبينا أن جودة المياه لا تقل أهمية عن كميتها بالنسبة لصحة الإنسان والممارسات الزراعية والصناعية وكذلك البيئة.

اقرأ ايضاً
إحداهما مُدرَجة على لائحة التراث العالمي.. قصف النظام يهدد قريتين أثريتين بالاندثار في الشمال السوري

ويشير إلى أن خصائص جودة المياه تتأثر بأفعال الإنسان، وبالمثل بالحالات الطبيعية، التي تشمل الجيولوجيا والمناخ وكمية الغطاء النباتي، سيما وأن مصادر التلوث تتمثل بمياه الصرف التي تحتوي على الأسمدة، فضلا عن المواد غير العضوية والمعادن الثقيلة، وفق محمد.

مدينة إدارية جديدة

في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت أمانة بغداد إتمام الصيغة النهائية للمخطط الإنمائي الشامل الجديد للعاصمة، مؤكدة تنفيذها حتى عام 2030، منوهة إلى قرب تنفيذ خطة تطويرية لتأهيل قطاعات المياه والصرف الصحي وإكساء الطرق، وتشييد عدد من المجسرات.

وقال أمين العاصمة عمار موسى كاظم -في تصريحات صحفية- إن الأمانة سبق وأن تعاقدت مع جهة استشارية عالمية لغرض إعداد مخطط إنمائي جديد لتحديث المخطط الانمائي الشامل القديم الذي انتهت صلاحياته عام 2000، مشيرا إلى أن المخطط الجديد اقترح عدة فعاليات منها توسعة المدينة باتجاه الأطراف ونقل المناطق الصناعية باتجاه حدود العاصمة، ومعالجة مشاكل النقل والإسكان وفق القوانين النافذة.

وعن تنفيذ الخطة التطويرية، أوضح كاظم أن المخطط سيعلن لمدة 60 يوماً أمام الرأي العام والجهات المختصة لإبداء وتقييم الملاحظات بشأنه، وبعد انتهاء مدة الاعتراض المحددة سيتم إرساله للأمانة العامة لمجلس الوزراء لغرض المصادقة عليه واعتماده وفقاً للسياقات القانونية المعتمدة، مؤكدا أن الخطة تشمل قطاعات المياه والصرف الصحي والإكساء والطرق والجسور، وتطوير مداخل مدينة بغداد ضمن حدودها.

وفي وقت سابق، أكد وكيل وزارة البيئة جاسم الفلاحي ما ذهب إليه المركز العراقي الاقتصادي السياسي، حيث أوضح أن التلوث البيئي في بغداد وصل لمستويات لا يمكن السكوت عنها، بسبب التراجع الكبير بالبنى التحتية، مشيرا إلى ضرورة إنشاء مدينة إدارية جديدة، منوها إلى أن الوزارة لديها قاعدة بيانات للتلوث بجميع المحافظات.

وطالب الفلاحي بتعديل قانون الاستثمار، مشيرا إلى وجوب اعتماد رؤية إستراتيجية للاستثمار والابتعاد عن العشوائية، خاصة وأن هناك إمكانية كبيرة لإقامة استثمارات بالقطاعات الصحية والبيئة في أطراف المدن.

** للاستخدام الداخلي فقط *** د هيثم العبيدي، مدير تعزيز الصحة في وزارة الصحة، الجزيرة نت
العبيدي يؤكد أن التلوث يتسبب بأمراض في الجهازين التنفسي والهضمي (الجزيرة)

العلاج بالتشجير

ومن سبل معالجة التلوث الأخرى زيادة التشجير والأحزمة الخضراء في محيط العاصمة، بحسب الخبير البيئي المهندس ثائر يوسف الذي يرى -في حديث للجزيرة نت- الحاجة الماسة لإنشاء أحزمة خضراء في محيط بغداد، لمعالجة تأثيرات البيئة الناتجة عن قلة الأمطار وانخفاض المساحات الزراعية، منبها إلى أن زراعة الأشجار بالشوارع ستسهم بخفض درجات الحرارة بمعدل درجتين مئويتين سيما في الصيف، مع ضرورة العمل على زيادة المساحات الخضراء كمتنفس للعوائل بأغلب مناطق العاصمة.

ومن جملة المعالجات الضرورية للحد من التلوث، يرى يوسف أهمية استحداث مناطق لمكب النفايات في أطراف بغداد والعمل على تدويرها، ومتابعة ومنع عمليات إطلاق مياه الصرف الصحي في الأنهار، كونها من أشد مسببات تلوث المياه، والتي تؤدي إلى انتشار الأمراض السرطانية كما أنها تقتل الحياة البيئية بالمياه والتربة، مشددا على أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدني لمتابعة كل المخالفات البيئية التي تؤدي إلى تلوث البيئة بشكل عام.

واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة عمل أمانة العاصمة على وضع خطط لفك الاختناقات المرورية، لتخفيف ضغط عوادم السيارات التي تساهم بتلوث الهواء، بعد أن وصلت أعداد السيارات لأكثر من 3 ملايين سيارة بحسب مديرية المرور العامة.

مخاطر صحية جمة

وتشهد مدينة بغداد تلوثا متعدد الأبعاد في التربة والمياه والهواء، مما يؤثر على حياة السكان بشكل عام، ويزيد من معدلات التلوث وانتشار الأمراض كالربو والأمراض السرطانية وغيرها.

ويؤكد مدير تعزيز الصحة بوزارة الصحة هيثم العبيدي أن هناك الكثير من الأمراض الناجمة عن التلوث والإهمال، وأبرزها أمراض الجهاز التنفسي، مبينا -في حديثه للجزيرة نت- أن هناك العديد من الأمراض الباطنية الأخرى الناتجة عن التلوث مثل أمراض الجهاز الهضمي وغيرها الكثير.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى