الاخبار العاجلةسياسة

محاباة سياسية أم إجراء ضروري.. ماذا وراء سحب الجيش العراقي من المدن؟

بدأت الحكومة العراقية مؤخرًا نقل مهام إدارة الملف الأمني في بعض المدن من وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية، على أن تنتشر قوات الجيش العراقي خارجها، ضمن توجّه حكومي جديد، وسط مخاوف من تأثيرات سياسية دفعت باتجاه اتخاذ هذا القرار.

وتسلمت وزارة الداخلية إدارة الملف الأمني في محافظات المثنى والديوانية (جنوب العراق)، ومحافظة واسط (وسط البلاد)، حيث غادرت وحدات الجيش عائدة إلى معسكراتها ضمن خطة حكومية أوسع ستشمل مدن البلاد الأخرى مستقبلًا.

ومنذ  الغزو الأميركي عام 2003، يبسط الجيش العراقي سيطرته على جميع مدن البلاد؛ باستثناء مدن إقليم كردستان العراق، إذ تنتشر حواجز التفتيش والسيطرات الخارجية والمعسكرات داخل مدن البلاد وحولها، إضافة لوجود قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية.

34 1
المحنا يرى أن نقل الملف الأمني من وزارة الدفاع إلى الداخلية يعد أمرا طبيعيا بعد زوال التهديدات الأمنية (الجزيرة)

استتباب الأمن

وخلال السنوات الماضية، سعت الحكومات المتعاقبة إلى إحلال قوات محلية، بدلًا من الجيش، لكن الأوضاع الأمنية والحروب التي شهدتها البلاد حالت دون ذلك، فضلًا عن تشابك الصلاحيات، وتوزيع مهام القيادة بين قوات وأجهزة عسكرية وأمنية عدة.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء خالد المحنا أن “نقل الملف الأمني من وزارة الدفاع إلى الداخلية يعدّ أمرًا طبيعيًا بعد زوال التهديدات الأمنية، التي أوجبت انتشار مختلف القطعات العسكرية داخل المدن وتأسيس قيادات العمليات، لكن هذا الحال تغير الآن مع بروز تهديدات مغايرة؛ مثل: الجريمة المنظّمة، وانتشار المخدرات، والسلاح المنفلت، والعنف الأسري وغيرها”.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المحنا أن “وزارة الداخلية تسلّمت الآن الملف الأمني في 3 محافظات؛ هي: الديوانية والمثنى وواسط، على أن تبدأ تسلّم المدن الأخرى تباعًا، وحسب الجاهزية للقوات في تلك المدن”، مشيرًا إلى أن تسلم الملف الأمني لا يشكّل فرقًا بالنسبة لوزارة الداخلية، كون أغلب المحافظات تستخدم الموارد البشرية لوزارة الداخلية بنسبة 85- 95%، حسب قوله.

وأشار المسؤول العراقي إلى أن التغيير سيكون في قيادة الأمن، الذي سينتقل من قيادات العمليات المرتبطة بأمر من وزارة الدفاع، ليحلّ بدلًا منها قيادة الشرطة في إدارة أمن المدن المشمولة بانسحاب الجيش العراقي منها.

وكان البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد تضمن بندًا ينص على سحب جميع وحدات الجيش من المدن، وتسليم الملف الأمني فيها لوزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية بالتنسيق مع بقية الأجهزة الأمنية؛ مثل: الأمن الوطني وجهاز الاستخبارات.

ومن شأن هذا القرار -حسب مراقبين- فسح المجال أمام الجيش العراقي لاستعادة قوّته وتأهيل أفراده بعد سنوات من الانشغال بالمعارك العسكرية وضبط الأمن الداخلي، خاصة وأن الكثير من الفرق والألوية العسكرية تضررت جرّاء اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق عدة صيف عام 2014، ما تسبّب بتلف الآليات والمدرعات والتجهيزات الأخرى، فضلًا عن الخسائر البشرية.

%D8%A5%D9%8A%D8%A7%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9 %D9%86%D8%AA
الجبوري: قضية سحب الجيش من المدن تخضع للتقييم العسكري ولا يمكن إدخال المحاباة السياسية (الجزيرة)

خطة طموحة

بدوره، يرى الخبير الاستراتيجي علاء النشوع أن سحب الجيش من المدن يعدّ مبدأ صحيحًا في السياقات الأمنية والعسكرية والمدنية، معلّقًا “عندما ينتشر الجيش في المدن، فإنها تشهد فوضى وإرباكًا؛ بسبب المحددات التي تفرضها القيادات العسكرية في المنطقة، مثل: حماية مقارها الأمنية من الخروقات، وهو ما يتطلب مساحات كبيرة من العمل الذي قد يشمل الشوارع والممرات والتقاطعات في المدن، مما ينعكس على حركة المواطنين، ويفرض قيودًا عليهم”.

اقرأ ايضاً
الغارديان: بداية حقبة سوناك ونهاية أوهام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد النشوع أن قرار إخراج الجيش من المدن سيصبّ في مصلحة المواطنين، حتى وإن كانت هناك أبعاد سياسية في الأمر، مع ضرورة أن يشمل القرار الفصائل المسلحة، التي أصبحت تشكّل عقدة أمنية وسياسية واجتماعية كبيرة، فضلًا عن قوات الحشد الشعبي، في ظل تدخلات بعض أفرادها بالشؤون المحلية، وعجز الحكومة عن إنهاء تلك التدخلات، حسب تعبيره.

وخلال المفاوضات السياسية التي جرت قبيل تشكيل حكومة السوداني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، طالبت قوى وأحزاب من المكون السُّنّي بإحلال قوات من الشرطة المحلية بدل الجيش، وترتيب أوضاع تلك المدن مع إنهاء تنازع القرار الأمني فيها.

وتبرز مطالبات متكررة من تلك القوى والأحزاب بضرورة سحب الجماعات المسلحة، والفصائل العسكرية المنتشرة في تلك المناطق، بداعي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وسط اتهامات متكررة لها، من سياسيين ونواب، بممارسة التضييق على أبناء تلك المدن، والتأثير في الإدارات المحلية.

%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8 %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86 %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9 %D9%86%D8%AA
الميزان يرى أن سحب الجيش من المدن يبعث برسالة اطمئنان للسكان (الجزيرة)

تعدد مصادر القرار

وعن ذلك يقول النائب السابق في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي إياد الجبوري “إن قضية سحب الجيش من المدن، تخضع للتقييم العسكري، ولا يمكن إدخال المحاباة السياسية، أو فرض الإرادات في هذا الملف، إذ إن جميع القوات الأمنية داخل المحافظات هي عراقية، سواء كانت من الحشود العشائرية، أو الجيش”.

وشدّد -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة تصحيح الاختلالات التي شهدتها المرحلة الماضية في الملف الأمني، لافتًا إلى أن تعدد الجهات العسكرية وتنوع مصادر القرار يخلق فجوة أمنية، معلّقًا “إن تحريك الحشود وسحبها ليس أمرًا ثابتًا؛ بل يخضع للتقييمات الأمنية ومستوى التجهيز والتدريب الذي تحظى به، خاصة وأن تلك الحشود جاءت في ظرف محدّد، وأدّت واجبها بالتنسيق مع الجهات الأمنية الأخرى”.

ويثير وجود قيادات العمليات المشتركة التي تشكّلت بداية عام 2007 الجدل بين الأوساط السياسية والدوائر الأمنية؛ بسبب التقاطعات الحاصلة في القرار الأمني، في حين يشتدّ الخلاف بعد كل هجوم مسلح أو تفجيرات تشهدها مدن البلاد.

طمأنة الشارع

في السياق، يقول المحلل السياسي كتاب الميزان إن “سحب الجيش من المدن سيمثّل رسالة اطمئنان لأبناء المحافظات المحررة أو الجنوبية، لكن يجب أن لا تقتصر العملية على استبدال العسكريين فقط، بل الحاجة أصبحت مُلحّة وضرورية لتطمين الشارع، وبناء علاقة ثقة جديدة مع المواطنين، ما يستدعي البدء بحملات موازية تعيد تعريف مفهوم الشرطة المحلية ودروها، وتوثّق العلاقة مع المواطنين في جميع المناطق”.

وفي تصريح للجزيرة نت، أضاف الميزان أن تنفيذ هذا القرار بحاجة لجدّية كبيرة من قِبل رئيس الوزراء؛ كي لا يتم تسويفه كما حصل مع رؤساء الحكومات السابقة، منبهًا إلى ضرورة دعم القوى السياسية الأخرى للمضي في هذا المشروع، حسب تعبيره.

وفي حال أكملت الحكومة العراقية تسليم الملف الأمني لوزارة الداخلية، فإن السوداني قد يصدر أمرًا بحلّ جميع قيادات العمليات لانتفاء الحاجة إليها، وهو ما قد يعزّز الوضع الداخلي للمدن.

وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي قد شكّل قيادات العمليات المشتركة عام 2007، إذ خُصّصت قيادة عمليات لكل محافظة او اثتتين، ويتولى قيادتها ضابط من وزارة الدفاع برتبة رفيعة، مع إشراف هذه القيادة على مختلف الفرق العسكرية والألوية المنتشرة، والأجهزة الشرطية في المناطق الخاضعة لها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى