الاخبار العاجلةسياسة

لوموند: انفجار المدن العربية بإسرائيل مسألة وقت

كشفت أعمال العنف العام الماضي عن عورات التمييز الذي يواجهه الفلسطينيون في إسرائيل، تلك الدولة التي يقولون إنها تنفي وجودهم من الأصل، ولذلك يشعر العرب في المدن المختلطة بالغضب والإحباط، مما يعني أن انفجار الوضع قادم وليس سوى مسألة وقت.

هكذا لخصت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية مقالا -بقلم مراسلتها في القدس كلوتيلد مرافكو- تحدثت فيه للفلسطينيين من داخل إسرائيل، من المدن التي يعيش فيها اليهود والعرب جنبا إلى جنب، من دون اختلاط حقيقي، حيث انفجرت أعمال الشغب بين عشية وضحاها العام الماضي، وانتشرت مشاهد الإعدام خارج نطاق القانون وتخريب أماكن العبادة ونهب المحلات التجارية، لتفتح بذلك جبهة أخرى داخل حدود إسرائيل وبين مواطنيها.

وبعد عام من تلك الأحداث، يلخص أحد التجار الوضع في اللد قائلا إن “الجو فاسد”. وفي منطقة رمات أشكول بؤرة أعمال العنف العام الماضي، يقول فلسطيني -اشترط عدم ذكر اسمه- إن “الأمر بسيط، نحن نعيش تحت الاحتلال. نحن ضحايا العنصرية طوال الوقت”، ويقول أربعيني آخر “أنا عربي فلسطيني إسرائيلي. وهم (الإسرائيليون) يريدون منا أن ننسى من نحن منذ عام 1948، لكننا لا ننسى. نحن نعيش في هذا البلد، لذلك سنقاوم هنا”.

جو مقزز

ولا أحد هنا يريد إعطاء اسمه -كما تقول المراسلة- فهؤلاء الرجال الثلاثة يتحدثون عن حال 20% من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، من ذرية أولئك الذين بقوا بعد النكبة وما نتج عنها من تهجير 700 ألف فلسطيني قسريا عند إنشاء الدولة اليهودية عام 1948، وهم يتهمون رئيس بلدية اللد، عضو الليكود يائير ريفيفو بتأجيج هذا الجو المقزز، لما عرف به من سياساته الإقصائية تجاه ناخبيه الفلسطينيين، الذين يمثلون ثلث السكان.

ويقول الباحث الإسرائيلي حاييم يعقوبي، وهو مهندس معماري وأستاذ جامعي، إنه “كان بإمكان أي شخص أن يتنبأ بما حدث مايو/أيار العام الماضي، لأن فلسطينيي اللد يقصون بشكل مضاعف، كسكان عرب في المدينة وكمواطنين فلسطينيين في إسرائيل، وذلك نتيجة سياسات تعود للطابع الاستعماري لإسرائيل”، مشيرا إلى أن الفلسطينيين في أثناء الانتفاضة الثانية عام 2000 لم يحتجوا، بل حاولوا أن يظهروا أنهم مواطنون في إسرائيل.

ويوضح هذا المتخصص في قضايا التخطيط الحضري أن إسرائيل لم تفعل لهم شيئا تقريبا خلال 20 عاما، ويقول تقرير صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية إن معدل الفقر في ما يسمى بالمدن “المختلطة” أعلى بمرتين في المجتمع العربي منه في المجتمع اليهودي، وفي اللد مثلا -كما تقول المراسلة- تسهم هذه السياسات، التي تشمل هدم منازل الفلسطينيين لعدم وجود تخطيط حضري ملائم، في تأجيج الاستياء الشديد.

وفي سياق هذه السياسات، ذكّرت المراسلة بمقتل موسى حسونة برصاصة خلال مظاهرة احتجاجية بعد توغل عنيف داخل المسجد الأقصى في العاشر من مايو/أيار 2021، الذي اعتقل بسببه 4 يهود إسرائيليين، يشتبه في ضلوعهم في إطلاق النار، ثم أطلق سراحهم بعد 3 أيام، حتى إن رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت وصف اعتقالهم بأنه “ظلم أخلاقي”، مما أثار كثيرا من الغضب، كما تقول فداء شحادة التي تعمل في مجلس المدينة.

يجب أن يدركوا ألمنا

وتضيف هذه الفلسطينية التي تعرضت للتهديد من قبل رئيس البلدية وأطلق على منزلها الرصاص، إن مظاهرة العاشر من مايو/أيار 2021 كانت سلمية، وكانت الشرطة هي من هاجمتها، وأضافت إن مدنيين يهودا إسرائيليين مسلحين قاموا بعد ذلك بمسيرة مضادة، وأطلقوا النار على الشباب، بمن فيهم موسى حسونة، فخرج الوضع عن السيطرة، ليقتل في اليوم التالي يهودي إسرائيلي في سيارته.

اقرأ ايضاً
قطر تدين حرق القرآن من قبل المتطرفين السويديين بشدة

أما اليوم، فهناك حدود لا يمكن تجاوزها بين المجتمعين، كما تقول فداء “فنحن نمشي في شارع واحد مع اليهود، ولكن كما لو أننا لا نسير في المكان نفسه، وهذا لم يحدث بين عشية وضحاها، بل هو نتيجة تقويض العمل الذي تم على مستوى المؤسسات”.

الإسرائيليون بدأوا يفهمون بشكل متزايد أننا فلسطينيون، ولسنا عربا إسرائيليين

ومن جانبه، يتوقع الصحفي الفلسطيني رامي يونس، الذي نشأ في حي إسرائيلي يسكنه يهود، أن “الانفجار القادم ليس سوى مسألة وقت”، وقد أطلق من اللد برنامجا على التلفزيون الإسرائيلي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بعنوان “دعني أريك الطرف الآخر”، في محاولة لمواجهة الإعلام السائد الذي “يصور العرب على أنهم جحافل من المتوحشين”، يقول هذا المخرج “هم هنا ونحن هنا، ولكي نتعايش حقا يوما ما، يجب أن يدركوا ألمنا”.

وذكّرت المراسلة بأن مدينة اللد، التي ابتليت بالمخدرات والجريمة اليوم، كانت ذات يوم مدينة مزدهرة، إلا أنها أفرغت من جميع سكانها في يوليو/تموز 1948، بعد شهرين من إعلان “دولة إسرائيل”، إثر هجوم دموي شنته القوات الإسرائيلية، أدى إلى مقتل أكثر من 400 من سكانها، وطرد نحو 50 ألف فلسطيني من سكان اللد والرملة، لتضع الدولة اليهودية مكانهم عشوائيا بعض البدو، ثم تشجع وصول اليهود من المغرب ثم من الاتحاد السوفياتي السابق، وفي السنوات الأخيرة، بعض المستوطنين من الضفة الغربية، بهدف الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة.

يافا بركان يغلي

وعلى شرفة في يافا، وهي مدينة فلسطينية تاريخية كاللد، تم دمجها الآن في مدينة تل أبيب على شواطئ البحر الأبيض المتوسط​​، يقدم الناشط محمد باباي (42 عاما) صورة مماثلة، قائلا “عدد السكان اليهود يتزايد باستمرار. إذا تحدث أحد معك عن التعايش، فهذا هراء. يشعر الناس بالغضب والإحباط، ولم يعد بإمكان الكثير منهم أن يعيشوا حياة كريمة. يافا من الداخل بركان يغلي”.

وفي هذه المدينة التي أفرغت هي الأخرى من سكانها عام 1948، تسببت أعمال العنف التي حدثت في مايو/أيار العام الماضي في آلام خاصة، فهناك تظاهر الفلسطينيون دعما للقدس وغزة فكان “رد فعل الشرطة وحشيا للغاية”، كما يقول الناشط، ولئن لم يتدخل السكان اليهود هنا، فإن مجموعة من الغوغاء قامت بمهاجمة سائق سيارة عربي في بلدة بات يام المجاورة، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة.

وأشار محمد باباي إلى أن ما حدث في مايو/أيار 2021 نبه الفلسطينيين في إسرائيل من غفلتهم، “أصبحنا لأول مرة منذ النكبة، نتحدث جميعا لغة المقاومة نفسها، سواء في إسرائيل أو القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة”، موضحا أن الإسرائيليين “بدأوا يفهمون بشكل متزايد أننا فلسطينيون ولسنا عربا إسرائيليين”.

وفي مكاتب منظمة عدالة غير الحكومية، على بعد أمتار قليلة من ميناء حيفا، يقول حسن جبارين إن هذه هي المرة الأولى منذ عام 1948 التي يهاجم فيها مدنيون مدنيين، مشيرا إلى أن “الدولة فخورة بالتمييز ضد العرب”، مبديا خشيته من حدوث اشتباكات جديدة، لأن السلطة الإسرائيلية تعتقد أنها ستثني العرب عن التعبئة مرة أخرى في المدن المختلطة من خلال بث الخوف في نفوس الشباب، ولكن “من جانبنا النضال من أجل المساواة في الحقوق وإنهاء الاحتلال أقوى من أي وقت مضى. لن نستسلم” كما يقول.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى