الاخبار العاجلةسياسة

بين الربح والخسارة.. حسابات الصين الإستراتيجية بعد عام على حرب أوكرانيا

بكين – صاغت الصين موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية بما يتماشى مع نهج سياستها الخارجية العامة، وإدراكها القيمة والهدف من التحالفات الدولية، واقتصرت التصريحات العلنية لبكين بشأن الحرب على بضع رسائل رئيسية، تكررت ولا تزال منذ اليوم الأول للحرب.

وعلى مدى عام كامل، واصلت بكين تقييم انعكاسات الحرب عليها، التي خلقت -في نظر مراقبين- فرصا ومخاطر معينة، وعززت وأضعفت في آن معا يد الصين في العلاقات الدولية.

shutterstock 2138779357
التجارة بين روسيا والصين نمت بنسبة 29.5% في عام 2022 (شترستوك)

مكاسب وخسائر اقتصادية

منحت الحرب بعض الفرص الرئيسية للصين، إذ أدت لإبعاد موسكو عن الغرب مع تعزيز الأخيرة علاقاتها مع بكين على اعتبار أن روسيا الشريك الأصغر للسلطات الصينية، وقد نمت التجارة بين البلدين بنسبة 29.5% في عام 2022، مع تفوق الميزان التجاري لصالح الصين.

وأسهمت العقوبات الغربية في إضعاف جزئي للحكومة الروسية، وجعلها أكثر اعتمادا على الصين والأسواق الشرقية، مما يمكّن بكين من ربط موسكو بـ”أصول الموارد” وتوسيع وجودها في السوق الروسية من خلال القطاعات الصناعية والاقتصادية الرئيسية، ولعل اتفاقية الغاز الطبيعي ذات السعر الثابت التي وقعها البلدان في الماضي كانت من أبرز مكاسب بكين حاليا بعد الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة في سياق حرب روسيا وأوكرانيا.

ويرى الباحث في الشؤون الدولية تشو يوان شي، في مقال له، أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، كان لها جانب إيجابي بالنسبة للصين، إذ تساعد على تعزيز خفض التكلفة النسبية للإنتاج الصناعي، وتعزيز الطلب على السلع الصينية في البلدان الأوروبية والأميركية، وزيادة صادرات بكين إلى السوق العالمية.

في المقابل، تأثرت الواردات الصينية من المنتجات الزراعية الأوكرانية، حيث كانت كييف أكبر مصدر للذرة إلى بكين منذ 2015، وكانت 75% من الذرة المستوردة من قبل الصين تأتي من أوكرانيا.

كما أن أوكرانيا، باعتبارها دولة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، تتمتع بأهمية نموذجية قوية للتعاون بين الصين والدول الأخرى على طول الطريق. لكن احتمال تنفيذ بكين استثمارات إستراتيجية على الأراضي الأوكرانية بات قريبا من الصفر.

وتوضح المديرة التنفيذية لشركة “سينوفول” (sinnvoll) للاستشارات شين سونغ، للجزيرة نت، أن بكين فقدت فرصة المشاركة في مشاريع البنية التحتية بسبب محاولة الحكومة الأوكرانية الحالية كسب السياسيين الغربيين الذين يعارضون أي توسع صيني في المنطقة.

رؤية عسكرية جديدة

يرى محلل العلاقات الدولية في المعهد الأوكراني للمستقبل إليا كوسا أن بكين لا تحتاج إلى روسيا جارا قويا وطموحا يتمتع بنفوذ فوق إقليمي وزعماء قوميين يعملون بدافع الاستياء التاريخي، مضيفا -في ورقة بحثية- أن الصين تنظر إلى روسيا تاريخيا باعتبارها لاعبا متوسط القوة وشريكا في المواقف في المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة.

اقرأ ايضاً
اختتام التمرين العسكري السعودي المصري مرجان-‏‏17

في الوقت ذاته، لا تدعم بيكن العقوبات الغربية أحادية الجانب على روسيا، والتي من شأنها توسيع نفوذ واشنطن الجغرافي والاقتصادي، في الوقت الذي كشفت فيه هذه العقوبات حدود الغرب والخطوط الحمراء، مما يوفر للصين معلومات حيوية بشكل خاص في تحديد كيفية ردها في حال حدوث مواجهة واسعة مع الغرب، على سبيل المثال حول تايوان.

ويقول الباحث في الاقتصاد السياسي أحمد القاروط، للجزيرة نت، إن التدخل الغربي في أوكرانيا ضد روسيا دفع الصين لإعادة ترتيب حساباتها الإستراتيجية فيما يتعلق بالخيار العسكري في تايوان، دون إسقاطه من الحسابات في ظل التقارب المتزايد بين واشنطن وتايبيه.

ثم إن الحرب في أوكرانيا أرست أسسا لمزيد من تعزيز حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، الذي تعتبره الصين مساعدا لتحقيق الأهداف الجيوسياسية للولايات المتحدة، كما دفعت الحرب بكين إلى أن تصبح أكثر نشاطا في توسيع نفوذها في أوقيانوسيا ووسط وجنوب آسيا، مما زاد من حدة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي في المنطقة.

مقاربات بكين المستقبلية

يبدو أن الصين ليست مهتمة بصراع طويل الأمد وعالي الكثافة بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية التي قد تجلبها هذه الحرب، في الوقت الذي لا تريد فيه بكين أن ترى الهزيمة الكاملة لروسيا.

ومن غير المرجح أن تنضم الصين إلى أي عقوبات على روسيا، ليس لأن بكين تدعم غزو موسكو العسكري لأوكرانيا، بل لأن انضمامها يعني الخضوع لإرادة الولايات المتحدة، وهو أمر غير مقبول للحكومة الصينية، في وقت تبدو فيه الأخيرة مستعدة للعب دور في التوسط لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، بيد أنها ترغب في القيام بذلك على قدم المساواة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويلخص الباحثون الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت ما سبق بالقول إن هذا ما يجعل الصين تبدو متناقضة بشأن دعمها لأي من الطرفين في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إن حساباتها الجيوسياسية تؤدي إلى تقييم دقيق للردود والحد الأدنى من المشاركة، الأمر الذي يجعل حسابات الربح والخسارة غير واضحة تماما.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى