الاخبار العاجلةسياسة

في يوم الإجلاء الطويل.. بعثات دبلوماسية تغادر الخرطوم ومخاوف من معارك ضارية

الخرطوم- سهر آلاف السودانيين في العاصمة الخرطوم ليلة الأحد حتى الفجر على وقع أزيز الطائرات بينما كانت تستبدّ بهم هواجس القصف، لكن سرعان ما تبين أن الحركة التي أرّقتهم كان عملية جوية لإجلاء دبلوماسيين من مقر السفارة الأميركية بضاحية سوبا شرقي العاصمة.

وترزح الخرطوم ومدن سودانية أخرى منذ 10 أيام تحت صراع مسلح غير مسبوق بين الجيش وقوات الدعم السريع خلّف خسائر بشرية ومادية كبيرة، فضلا عن تزايد التهديدات الأمنية التي أقلقت آلاف الأجانب والبعثات الدبلوماسية ودفعت دولهم إلى ترتيب عمليات إجلاء غالبها برا بعد إغلاق المطار المتأثر بالقصف.

وتضاعف عمليات إغلاق السفارات وإخلاء البعثات مخاوف السودانيين من أن الساعات المقبلة ستشهد مواجهات حامية؛ إذ يستخدم الجيش الطيران والمدفعية الثقيلة بينما ترد قوات الدعم السريع بالمضادات الأرضية في معارك مسرحها أحياء مأهولة بالسكان.

إجلاء الأميركيين “المرعب”

في الساعات الأولى من فجر الأحد نفذت الولايات المتحدة عملية إخلاء من طراز نوعي بإرسال طائرة عمودية مدعومة بنحو 6 طائرات أمّنتها قوات جوية خاصة بمساعدة إثيوبيا التي يسّرت تزويد الطائرة بالوقود.

وأفاد شهود عيان في ضاحية سوبا -للجزيرة نت- بأن السكان عاشوا دقائق طويلة من الرعب مع هبوط الطائرة في محيط السفارة، واعتقادهم أن المنطقة تتعرض لهجوم من أحد أطراف الصراع بخاصة مع الغبار الكثيف الذي لفّ المكان وتحليق طائرات أخرى على علو منخفض، إلى أن غادرت الطائرات بعد أقل من ساعة.

وحسب مصادر دبلوماسية تحدثت للجزيرة نت، فإن الأميركيين خططوا منذ أيام لترحيل طاقم السفارة البالغ نحو 70 موظفا وذويهم بطائرات مجهّزة وصلت إلى القاعدة العسكرية في جيبوتي.

ولم تشمل عملية الإخلاء 500 من الرعايا سجلوا طلبات مغادرة، لكن المسؤولين ردّوا بأن الوضع الأمني لا يسمح بالإجلاء جوا، وأن ترتيبات أخرى ستوضع لترحيل الأميركيين الراغبين في الخروج خاصة أن بعضهم موزعون في مناطق خارج العاصمة حيث تعمل أعداد كبيرة منهم مع منظمات ووكالات أممية في ولايات بينها دارفور وكردفان.

وتم فجر الأحد إجلاء أميركيين بينهم 14 من مشاة البحرية وطاقم الحماية المكلف بتأمين السفارة و27 من الموظفين وعائلاتهم. وقالت المصادر إن المجموع الكامل للإجلاء الأميركي بلغ نحو 100 شخص بينهم دبلوماسيون من دول أخرى لم تسمّها.

وكشفت المصادر أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تحدث السبت مع وزراء خارجية السعودية وإثيوبيا ومصر وتشاد وجنوب السودان لإقناع المتحاربين بتمديد الهدنة التي ستنتهي الاثنين، بما يمكن من تأمين خروج الرعايا الأجانب.

استهداف واتهامات متبادلة

وتبادل الجيش السوداني والدعم السريع اتهامات باستهداف البعثات الدبلوماسية. وقال المتحدث باسم الجيش إن “المليشيات” ارتكبت انتهاكات بحق بعثات دبلوماسية في ليل الأحد ونهاره “تمثّلت في سرقة العربة الدبلوماسية الخاصة بالسفير الماليزي أثناء تسوقه بعد إنزاله من العربة وهروبهم بها، كما اعتدت على موكب إخلاء السفارة القطرية المتجه إلى بورتسودان ونهب أموالهم وجميع حقائبهم وهواتفهم النقالة، فضلا عن مهاجمة موكب السفارة الفرنسية بإطلاق نار أدى إلى عودتهم وتعطيل الإخلاء، بينما أصيب فرنسي بعيار ناري من قناص إضافة إلى مهاجمة مقر البعثة في بري”.

لكن قوات الدعم السريع ردت بأن الجيش هاجم قواتها بالطيران أثناء إجلاء رعايا فرنسيين مما أدى إلى إصابة أحدهم ونجاة البقية.

وأضافت في بيان لها “إزاء هذا الهجوم وحفاظا على سلامة الرعايا الفرنسيين، اضطرت قوات الدعم السريع إلى العودة بالموكب لنقطة الانطلاق الأولى”.

Citizens of Saudi Arabia and people from other nationalities are welcomed by Saudi Royal Navy officials as they arrive after being evacuated from Sudan at Jeddah Sea Port
استقبال مواطنين سعوديين في ميناء جدة بعد إجلائهم من السودان (رويترز)

المغادرة برا

واختارت بعثات دبلوماسية عربية وأفريقية الخروج من الخرطوم برا بسلوك الطريق المؤدي إلى بورتسودان شرقا بعد تزايد التعقيدات الأمنية والتهديدت للبعثات، كما غادر نحو 300 من الطلاب الأفارقة بجامعة أفريقيا العالمية بعد تعرّض سكنهم الداخلي لهجوم من عناصر الدعم السريع.

وقال أحد الطلاب الصوماليين بعد وصوله مع رفاقه إلى ولاية القضارف المحاذية لإثيوبيا -للجزيرة نت- إن قوات من الدعم السريع هاجمتهم وطالب أفرادها بالحصول على ملابس لكنهم رفضوا، وإثر ذلك تعرضوا لاعتداء بأعقاب البنادق وضرب مبرح، كما نُهبت هواتفهم وأموالهم ومزّقت وثائق سفرهم وما كان أمامهم إلا المغادرة ومحاولة الوصول إلى إثيوبيا برا ومنها إلى مقديشو، حسب روايته.

وأفاد بأن العديد من الطلاب من جيبوتي ونيجيريا ودول أفريقية أخرى يستعدون للخروج من الخرطوم عبر إثيوبيا بتنسيق مع سفاراتهم.

وعلمت الجزيرة نت أن السفير الجيبوتي وعددا من مسؤولي مفوضية الاتحاد الأفريقي وصلوا إلى القضارف في طريقهم لأديس أبابا عبر معبر القلابات الرابط بين البلدين.

وكانت القضارف استقبلت الخميس الماضي عددا من مسؤولي وموظفي البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية بينهم السفير القطري محمد السادة ونائبه وعدد من أفراد الطاقم بجانب السفير العماني ونائب السفير الكويتي والسفير السعودي، حيث تحرك الرتل الدبلوماسي تحت حراسة مشددة إلى بورتسودان صباح الجمعة ومنها غادر البعض إلى السعودية بحرا وبقى آخرون -بينهم السفير القطري- ببورتسودان في انتظار مزيد من الترتيبات.

دعوات للتجمع

وأمس الأحد أعلنت وزارة الخارجية المصرية إصابة دبلوماسي في بعثتها بالخرطوم بطلق ناري، ودعت رعاياها الموجودين خارج العاصمة السودانية للاستعداد لإجلائهم بواسطة السلطات المصرية المختصة.

كما طالبت الخارجية المصريين الموجودين بالخرطوم بالبقاء في منازلهم لحين تحسن الأوضاع الأمنية وإعادة تقييم الوضع طبقًا لتطور الموقف، وبما يسمح بإجلاء جميع المصريين في السودان.

ويوجد في السودان نحو 10 آلاف من الرعايا المصريين يحتاج تأمينهم إلى إجراءات دقيقة وتحضيرات عالية المستوى.

بدورها، بدأت السفارة التركية إجلاء رعاياها من مواقع عدة بالخرطوم، وحددت نقاط تجمع في العاصمة وبحري ومدينة ود مدني بولاية الجزيرة، وقالت إنها لا تمانع اصطحاب حملة الجوازات الأميركية في رحلاتها البرية إلى بورتسودان.

وأعلنت دول العراق والأردن كذلك تنسيق عمليات لترحيل مواطنيها واستثمار الهدنة التي حددت بـ72 ساعة. وبالفعل وصلت الأحد طائرتان من عمّان إلى بورتسودان لنقل الأردنيين، وفقا لمصادر الجزيرة نت. ولاحقا قالت الخارجية العراقية إن أحد مواطنيها قُتل في الخرطوم.

وقالت روسيا إنها نقلت جميع رعاياها إلى مبنى السفارة بالعاصمة السودانية لحين إيجاد طريق آمن لترحيلهم، بينما أعلنت كندا تعليق العمل بسفارتها في الخرطوم.

وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الجيش السوداني إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلي دبلوماسييها ورعاياها بطائرات نقل عسكرية تتبع لقواتها المسلحة.

وبعد الولايات المتحدة بساعات، نجحت بريطانيا في نقل موظفيها ودبلوماسيين من الخرطوم جوا. واكتفى وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي بالقول إن العملية كانت “سريعة ومعقدة”.

وأوروبيا، أعلن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن بلاده جهزت طائرتين عسكريتين لإجلاء رعاياها ومواطنين من جنسيات أخرى عالقين في السودان، لكنه رهن الخطوة بتحسّن الأوضاع الأمنية الضرورية لهبوط الطائرتين في مطار الخرطوم.

كما قالت مصادر دبلوماسية -للجزيرة نت- إن فرنسا تستعد لترحيل 150 من رعاياها وبعض الجنسيات الأخرى.

وغادرت طائرة نقل تابعة لقوة الدفاع الذاتي الجوية اليابانية قاعدة كوماكي الجوية متوجهة إلى جيبوتي استعدادا لإجلاء المواطنين اليابانيين من السودان. ورجّح وزير الدفاع الياباني ياسوكازو هامادا إرسال طائرة نقل ثانية وأخرى تزودها بالوقود للغرض نفسه.

والسبت نفت بعثة الأمم المتحدة في السودان أنباء عن مغادرة رئيسها فولكر بيرتس عبر طائرة فرنسية. ولم تتحدث عن البعثة عن ترتيبات إجلاء موظفيها، لكن المصادر قالت إن البعثة الأممية أجرت ترتيبات لنقلهم خارج الخرطوم عبر أسطول بري بعد تأمينه بشكل محكم.

khartoum 1682191844
مع عمليات إجلاء الأجانب مخاوف السودانيين تتصاعد من تفاقم المعارك بين الجيش والدعم السريع في الأيام القادمة (رويترز)

نذر معارك ضارية

وحسب المتحدث السابق باسم الخارجية السودانية العبيد مروح، فإن البعثات الدبلوماسية العاملة بالخارج -خاصة منها الغربية- وبعثات الأمم المتحدة لديها دائمًا تقديرات معروفة لمستويات الأمان في أماكن وجودها ومقسمة إلى درجات أو ألوان.

وقال مروح للجزيرة نت “أعتقد أن الوضع الحالي في السودان، ووفقا لتلك التقديرات، بلغ مرحلة الخطورة، ولذلك تبدأ البعثات الدبلوماسية بحث عدة خيارات أبرزها إجلاء الرعايا”. ويعطي هذا الوضع مؤشرا على عدم الأمان ويترتب على ذلك عزلة دبلوماسية غير رسمية، وفقا للمتحدث.

ويمضي المحلل السياسي محمد حامد جمعة في الاتجاه ذاته، ويرى أن إجلاء البعثات الدبلوماسية مؤشر لأوضاع بالغة التعقيد، وأن مستوى الحماية المفترضة للبعثات ومقارها يواجه مشكلات لا سيما بعد تعرض بعضها لاعتداءات وربما هجمات لاحقة.

ويوضح جمعة -في حديثه للجزيرة نت- أن وقوع معظم مقار البعثات الدبلوماسية في منتصف الدائرة الحمراء، أي في مرمى نيران الاشتباكات وسط الخرطوم وشرقها، يمثل دافعا إضافيا لوقف أنشطتها بخاصة أن تلك المواقع تنتشر فيها قوات الدعم السريع حاليا وستكون من ثم هدفا للجيش.

ويرى المحلل السوداني أن عمليات الإجلاء الكثيفة قد تكون مؤشرا على معركة كسر عظم حاسمة قريبا، كما أن إغلاق البعثات سيقلل الضغط المباشر على طرفي الصراع لوقف الحرب والوصول إلى تفاهمات، ولن تكون لديهما خطوط حمراء أثناء الاشتباك، وذلك من شأنه مفاقمة الوضع الميداني.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى