نجا من الموت بأعجوبة.. الاحتلال يحاكم فلسطينيا أحرقه قبل 21 عاما
رام الله – تحركه غريزة الأبوة والخوف على حياة ابنه، لينطلق الفلسطيني أمين الزغَيِّر فجرا من مدينة الخليل جنوبي الضفة إلى محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية غربي مدينة رام الله وسط الضفة، لحضور محاكمة ابنه الجريح محمد.
الغريزة ذاتها حركت الوالد طوال أكثر من عقدين بحثا عن علاج لابنه الذي أحرق الاحتلال جسده بصاروخ قبل 21 عاما.
ظهيرة يوم 5 أبريل/نيسان 2002 وبينما كان محمد، ابن التاسعة حينئذ، يلهو أمام منزله وسط مدينة الخليل، أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا، مستهدفة عضوا في حركة الجهاد الإسلامي، وفق ما أعلنه جيش الاحتلال في ذلك الوقت.
لم يصب الصاروخ الإسرائيلي هدفه، إنما أصاب محمدا وسيارة النقل العام التي يملكها والده، فاحترقت السيارة بالكامل وتفحّم جسد محمد، لكنه نجا من الموت بأعجوبة.
يعود بنا الوالد إلى لحظة استهداف ابنه بالقصف، مضيفا أنه “كان أشبه بكتلة لهب مشتعلة نقل على إثرها إلى مستشفى محلي في الخليل ثم مستشفى إسرائيلي، وظل في غيبوبة استمرت أكثر من 3 أشهر”.
منع من العلاج
منذ أكثر من عقدين، يتنقل الأب مع ابنه في الداخل والخارج لعلاج آثار الحروق، فقد أجريت له عشرات العمليات الجراحية ومئات الزيارات الطبية، دون أن يشفى بالكامل.
وأشار والد محمد إلى أنه لم يكلّ أو يملّ في التنقل بين مصر والأردن وفلسطين والمشافي الإسرائيلية بحثا عن علاج لابنه، لكن الطريق أغلق أمامه قبل عام بمنع محمد من السفر إلى الخارج، “في جريمة جديدة تضاف إلى جريمة حرقه”.
“احتاج محمد أكثر من 7 أعوام حتى تمكن من المشي بعدما أصابه من حروق، وحرمه الاحتلال من أهم حقوقه وأبسطها اللعب والتعليم، فأمضى حياته باحثا عن علاج بدل ممارسة حياته الطبيعية”، كما يقول الوالد.
ويضيف أنه سعى لمقاضاة جيش الاحتلال، لكن المحاكم الإسرائيلية ردت القضية عام 2009 بذريعة أن الجيش كان في حالة حرب.
ووفق معطيات مركز فلسطين لدراسات الأسرى، تعتقل سلطات الاحتلال مئات من الجرحى الفلسطينيين، بينهم 41 اعتقلوا في 2022، أغلبهم تعرضوا للتحقيق والاستجواب داخل المستشفيات. ووفق نادي الأسير الفلسطيني، فإن عدد الفلسطينيين المعتقلين حاليا نحو 4900، بينهم 700 أسير مريض.
اعتقال عنيف
في 9 مايو/أيار الجاري اعتقل الجيش الإسرائيلي محمد (31 عاما) رغم إصابته وما سببه له من مأساة على مدى أكثر من عقدين أمضاهما في المشافي بحثا عن علاج، ونُقل محمد فور اعتقاله إلى مرفق صحي تابع لمصلحة السجون الإسرائيلية في سجن الرملة حيث يخضع للتحقيق، وفق والده.
وأمس الخميس، وبعد 10 أيام من الاعتقال، رفضت المحكمة العسكرية الإفراج عن محمد رغم صعوبة وضعه الصحي، ومددت توقيفه إلى الشهر المقبل.
وفي محاولة لاستصدار قرار بالإفراج عنه، حمل الوالد في جيبه صورا لمحمد محروقا عندما استُهدف طفلا، “لعلّها تحرك مشاعر قضاة ملأ قلوبهم الحقد والعنصرية ويصدرون قرارا بالإفراج عنه”، وفق الوالد متحدثا للجزيرة نت.
ويقول والد محمد إن ابنه الذي تزوج وأنجب 4 أبناء ما زال يعاني من تقرحات في أنحاء جسده، وبحاجة لمزيد من العمليات الجراحية في أنحاء جسده، مضيفا “مع ذلك اعتقل محمد بعنف دون مراعاة لوضعه الصحي والتسبب له في مأساة أبدية”.
ويتابع “الاحتلال أحرق ابني وجعلنا نعيش المأساة كل يوم، وأقر بالجريمة، لكنه رفض تعويضه، واليوم يأتي لاعتقاله دون ذنب”. ويتساءل: “أحرقوا ابني وحاولوا قتله دون أن يحاسبهم أحد، واليوم يعتقلونه ويحاكمونه، فأي ذنب اقترفه كي يُنكّل به؟”.
وفي يوم محاكمة ابنه، يتطلع أمين الزغير إلى المؤسسات الحقوقية كي تساعده في نقل ملف ابنه إلى القصاء الدولي، لمحاكمة من أطلق الصاروخ وحاول حرق ابنه ومن أعطى الأمر بالقصف.
جريمة مركبة
من جهته، طالب نادي الأسير الفلسطيني سلطات الاحتلال بالإفراج عن الزغير وحملها المسؤولية عن مصيره. وقال الناطق باسم النادي أمجد النجار “رغم مرور 21 عامًا على إصابة محمد، فإنه ما زال بحاجة إلى مزيد من العمليات والعلاج والمتابعة الصحية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف “بدل محاكمة الاحتلال على الجريمة التي ارتكبها بحقه بلا ذنب، فإنه يحاكم الضحية. من اعتقل الزغير لا يأبه بحالته النفسية ولا حالته الصحية وحاجته للعلاج والأدوية ولمزيد من العمليات الجراحية”.
وتابع النجار -الذي كان شاهد عيان على إصابة محمد عام 2002- أن ملف محمد الزغير يجب أن يذهب إلى المحكمة الجنائية الدولية، ليثبت بصفته شاهدا حيا أنه لم يشكل أي خطر على الاحتلال عندما قصفه بالطيران وتعرض لإصابة بليغة، موضحا أن محامي نادي الأسير الذين زاروا الأسير الأربعاء “صدموا عندما رأوه ورأوا جسده وحالته”.
وشدد على أن كل ساعة يمضيها محمد في السجن دون أن يتناول أدويته فإنها تزيد من معاناته وتقرحاته وتعذيبه الجسدي والنفسي.