الاستعباد وتجارة الرقيق.. هل حقا تصالحت بريطانيا مع ماضيها الاستعماري؟
تتساءل مؤسسات بريطانية عريقة عن ماضيها في ضوء زيادة الوعي بتاريخ الاحتلال والرق في المملكة المتحدة، في حين يتابع المؤرخون منعطفات ذلك التاريخ في الأبنية والمنشآت والمحطات والتماثيل، لاستعادة بعده الحقيقي الذي غيبته الألفة مع نية إخفاء ماض استعماري غير مشرف.
وانطلق موقع “ميديابارت” (Mediapart) الفرنسي من منظر تمثالين معروضين كتحف فنية تزين “قاعة الشرفة” في قصر دورهام، رغم أنهما يمثلان رجلين أسودين من ضحايا الاسترقاق يحمل كل واحد منهما على رأسه قدحا ضخما، وكل منهما رجلاه مقيدتان إلى عنقه بالسلاسل.
وأوضح الموقع -في تقرير بقلم ماري بيلون- أن هذين التمثالين -حسبما يؤكد توم بودن مدير قصر دورهام بارك- كانا دائما معروضين باعتبارهما مجرد قطع أثاث وزينة للقصر، إلا أنه ابتداء من عام 2017 بدأ تقديمهما بوصفهما جزءا من “التاريخ الخفي” للقصر، والاعتراف بالسياق التاريخي الحقيقي لهما، وقامت إحدى المؤسسات المهتمة بحفظ التراث “بتغيير الإشعارات التوضيحية وإعادة ترتيب الغرف”.
صور مجهولة
وكان قصر دورهام بارك (غربي إنجلترا) قد شُيّد على قطعة أرض كبيرة غير بعيدة من ميناء بريستول، وأعاد بناءه أواخر القرن 17 وليام بلاثويت، الذي ورثه عن طريق زوجته ماري عام 1689، وهو إداري استعماري كان مفتشا ومدققا لمداخيل المزارع الملكية، مما وفر له كثيرا من المال من خلال الاستعمار والعبودية التي تمارس في المزارع، حسبما يوضح كتيب يوزع على زائري القصر.
بالإضافة إلى التمثالين اللذين قدمهما للمالك وليام بلاثويت عمه، تُعرض لوحة لجزيرة بربادوس في “غرفة المعيشة الصغيرة”، يقول عنهما بودن مدير القصر “نعمل مع متحف باربادوس لدراستها. فهناك عديد من المطاحن وربما مصانع سكر، وهي الأخرى تظهر جوانب من معاناة الناس في العبودية”.
ويضيف بودن أنه “في هذا الميناء أيضًا، تم إنزال الأشخاص المختطفين للاستعباد. هذا التعاون مع البلدان المتأثرة مباشرة بالاستعمار أمر بالغ الأهمية”.
عنصرية
وأشار الموقع إلى مقال للكاتب باترسون جوزيف -نُشر عام 2019 في المجلة الإلكترونية “آرت يو كيه” (Art UK)- يوضح أن هناك “مئات الصور من القرن 17 تظهر الأوروبيين مع التعريف بأسمائهم على عكس الطفل الأسود الذي أشير إليه بالزنجي أو الخادم من دون ذكر اسمه”، وهو ما اعتبره الكاتب “عنصرية وتجريدا للسود من الإنسانية”.
وتعتقد كورين فاولر، أستاذة التاريخ والتراث الاستعماري في جامعة ليستر، أن الرجلين في أثاث دورهام يمثلان “شخصيات عامة”، وقد تم إدراج نص للشاعر الترينيدادي أندريه باغو بعنوان “دعاء لشابين في دورهام بارك” في كتيب متوفر في الغرفة، “كعلامة على احترام هؤلاء الأشخاص وهم في وضع مهين”.
ويريد بودن أيضًا أن يشيد بشخصية مهمة في تاريخ دورهام، وهي سارة ماري بلاثويت، التي ولدت في جامايكا عام 1834، وكانت ابنة مزارع أبيض و”امرأة سوداء حرة”، وفقًا لسجلات باث.
وتزوجت سارة من القس والتر توماس بلاثويت عام 1876، الذي ورث العقار عام 1899. وينوي مدير قصر دورهام بارك إدراج قصتها في رحلة الزائر.
مجرد أسطورة
من جهتها، ترى فاولر أن “التاريخ الاستعماري كان يُنظر إليه لفترة طويلة على أنه شيء يحدث بعيدا عن الوطن، في حين عادت الثروة التي أنتجها هذا النظام إلى بلدنا، والأشخاص الذين تم الاتجار بهم أيضا”.
وتعمل أستاذة التاريخ والتراث الاستعماري على مساهمة الإداريين مثل وليام بلاثويت في الثروة الوطنية والتاريخ السياسي، حيث “كانت هذه القصور مراكز سيطرة وقيادة”، حسب قولها.
وقد تعرضت هذه العالمة في الترث للهجوم من “هيئات رجعية” -على حد قول الكاتب- تنتقد جهود هيئة الثقة الوطنية (National Trust)، وترى أنها تسير في سياق يذهب إلى “شيطنة” التاريخ البريطاني، حتى إن وزير الثقافة السابق أوليفر دودن هدد عام 2020 بسحب الأموال من العديد من هيئات الحفاظ على التراث لهذا السبب.
وقال الوزير دودن حينئذ إن مهمتهم هي “الدفاع عن ثقافتنا وتاريخنا ضد الضوضاء الناتجة عن أقلية من النشطاء الذين يريدون تشويه سمعة المملكة المتحدة”، إلا أن فاولر ترى أن “للماضي عواقب لن يكون من الحياد إخفاؤها”.
وخلص التقرير إلى أن المملكة المتحدة لم تتصالح بعد مع تاريخها، إذ يروي المؤرخ مايكل تيلور -في كتابه “الفائدة”- كيف حارب البرلمان والحكومة وأحيانا أفراد العائلة المالكة في أوائل القرن 19 إلغاء تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي ومن ثم العبودية، مشيرا إلى أن كون البلاد كانت “دولة مناهضة للعبودية مجرد أسطورة”، مع أن البريطانيين يفتخرون بذلك متناسين الدور الذي لعبه أسلافهم في “تنمية العبودية ثم استغلالها”.