أكاديميات التنس الخاصة تزدهر في تونس.. فتيات يحلمن باقتفاء خطى أنس جابر

تونس– “أحب أن أرى فتيانا وفتيات تونسيين وعربا وأفارقة يلعبون في ويمبلدون وبطولات “غراند سلام”. أن أكون مصدر إلهام للاعبات في بلدي تونس وفي قارة أفريقيا يجب عليهن أن يؤمنّ بأنفسهن أكثر”.

كثيرا ما رددت أيقونة التنس العربية أنس جابر هذه العبارات عقب جل مبارياتها في بطولات كرة المضرب، ولكنها لم تكن تعلم أن تلك الرسائل الملهمة والمحفزة ستنفذ بسرعة إلى قلوب عشاقها في تونس، خاصة الفتيات اليافعات اللاتي لم تكن رياضة الكرة الصفراء تمثل شيئا بالنسبة إليهن، وباتت شغلهن الشاغل في السنوات الأخيرة.

وفي الحقيقة، لم تكن رياضة التنس تحظى بمكانة كبيرة في تونس؛ فقد سلبت كرة القدم كل الاهتمام والشغف، ولكن تألق أنس جابر في السنوات الثلاث الأخيرة وبلوغها الدور النهائي لبطولة ويمبلدون في مناسبتين 2022 و2023، ونهائي بطولة أميركا المفتوحة 2022؛ منح هذه اللعبة مكانة كبيرة وجعلها قبلة للآلاف من الشبان والفتيات الحالمين باقتفاء خطى اللاعبة المصنفة خامسة في ترتيب لاعبات التنس المحترفات.

أكاديميات وأحلام وأمنيات

وحفز تألق أنس جابر -التي كانت أول لاعبة عربية وأفريقية تصل عتبة نهائي إحدى بطولات “الغراند سلام” في يوليو/تموز 2022- الكثير من الفتيات في تونس على الإقبال على رياضة التنس وتعلم أصولها داخل أكاديميات متخصصة في تكوين اللاعبات وصقل مواهبهن في التنس وتدريبهن على مهارات اللعبة.

وعلى أحد ملاعب التنس الصلبة في ضاحية رادس (جنوب العاصمة تونس)، تمسك سارة الوسلاتي المضرب بسلاسة اللاعبات الواعدات لتبدأ تعلم بعض مهارات التنس تحت إشراف مدربها معز بوقطاية؛ وهو مدير أكاديمية متخصصة في التنس.

وتقول سارة (6 سنوات) للجزيرة نت “أريد أن أصبح لاعبة مشهورة مثل أنس جابر، بدأت هذا الصيف ممارسة كرة المضرب، وأحب كثيرا هذه الرياضة وأتطلع للتدرب يوميا لصقل موهبتي”.

بدورها، كشفت والدة سارة عن أنها لم تجد أفضل من التنس رياضة تناسب ابنتها، خاصة مع الصعود الصاروخي لمكانة أنس جابر في هذه اللعبة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في السنوات القليلة الماضية، حسب قولها.

وتضيف المتحدثة للجزيرة نت “لم تكن لدينا ثقافة دفع أبنائنا لممارسة التنس قبل أن تبزغ شمس أنس جابر بقوة في ملاعب البطولات العالمية الكبرى. علينا أن نعترف بفضل وزيرة السعادة في تحفيزنا على المراهنة على بروز الفتيات اليافعات في ملاعب الكرة الصفراء بعد أن كان اهتمامنا منصبا على السباحة والكرة الطائرة والجمباز على سبيل المثال، وأتمنى أن تصل ابنتي سارة حتى لنصف الطريق التي قطعتها أنس جابر”.

ويتدرب نحو 40 من الأطفال والفتيات على 4 ملاعب بالأكاديمية التي أنشأها أوائل العام الجاري معز بوقطاية؛ وهو لاعب ومدرب منتخب تونس للشباب لكرة المضرب سابقا، الذي اختار الاستثمار في لعبة وقرت بقوة في قلوب التونسيين منذ أن صار لوزيرة سعادتهم أنس جابر مكانة مرموقة وسط نجمات الكرة الصفراء.

معز بوقطاية مدير أكاديمية رادس للتنس
معز بوقطاية مدير أكاديمية خاصة للتنس في تونس (الجزيرة)

ويقول بوقطاية للجزيرة نت “عندما عدت إلى تونس بعد سنوات من العمل والتكوين في رياضة التنس في فرنسا، لم أجد أفضل من أن أوظف خبرتي لاعبا ومدربا سابقا لمنتخب تونس في صقل المواهب؛ فأسست أكاديمية يتوافد على ملاعبها نحو 40 إلى 50 من الأطفال والفتيات الشغوفين بهذه الرياضة”.

ويرى بوقطاية -الذي لعب لمنتخب تونس أوائل الألفية الحالية، وكان أحد أبرز لاعبي نادي التنس بمقرين (جنوب العاصمة)- أن “إقبال الفتيات على لعب التنس تضاعف مرات منذ أن أضحت أنس جابر واحدة من نجمات العالم. هدفنا الأول هو التكوين، أما اقتفاء خطوات أنس جابر فليس بالأمر الهين، لكن الحلم مشروع”.

ويقول “لدينا كل الإمكانات لنصنع أكثر من لاعبة واعدة؛ التنس رياضة لطيفة وتناسب الفتيات، وتتردد نحو 20 فتاة أعمارهن تتراوح بين 4 و12 عاما على الأكاديمية، نحن نوزعهن على مجموعات حسب العمر، وكل مجموعة يشرف عليها مدرب متخصص، بمعدل حصتين في الأسبوع. هدفنا ليس ماديا بقدر ما هو منح الفرصة للمولعين بالتنس لصقل مواهبهم، وفتح طريق النجاح والبروز أمام الفتيات اليافعات”.

بدورها، ترى المدربة بالأكاديمية أميمة الجبالي أن “مسيرة أنس جابر لم تلهم اللاعبات فقط، بل ألهمت كثيرا من أولياء الأمور لتشجيع بناتهن وأبنائهن على تلقي فنون اللعبة وطرق أبوابها، حتى أنها أضحت الرياضة الشعبية الثانية في تونس بعد كرة القدم، والأولى للجنس اللطيف، حسب قولها.

وحسب تصريحها للجزيرة نت، فإن الجبالي تأمل أن “يتخرج على يدي ومن هذه الأكاديمية كثير من اللاعبات الحالمات بمسيرة لافتة في التنس، وهن قادرات على ذلك بشرط توفر العزيمة والإرادة. طريق أنس جابر كان محفوفا بالعراقيل ولكنه كان ممتعا، وأتمنى أن تسير على خطاها لاعبات أخريات”.

صورة عدد 2 ـ معز بوقطاية مدير أكاديمية رادس للتنس مع عدد من عناصر الأكاديمية وعلى يساره المدربة أميمة الجبالي
معز بوقطاية مدير إحدى أكاديميات التنس يتوسط بعض لاعبي الأكاديمية (الجزيرة)

أنس جابر..  القدوة والملهمة

توجد عشرات الأكاديميات الخاصة للتنس، ويزيد إجمالي عددها على 30 مركزا، حسب أرقام غير رسمية باعتبار أن كثيرا منها ينشط خارج لواء الاتحاد التونسي للعبة.

أما الأندية المنضوية تحت لواء الاتحاد فقد شهدت زيادة ملحوظة في السنوات الخمس الأخيرة، وأصبح عددها 52 ناديا أواخر 2022، بعد أن كان 31 ناديا في 2017، حسب مصادر رسمية من اتحاد التنس التونسي.

أما عدد اللاعبين المجازين فيناهز حاليا 30 ألفا، حسب المصادر ذاتها، بعد أن كان في حدود 10 آلاف قبل 10 سنوات.

وتتمركز أغلب أندية وأكاديميات التنس بالعاصمة تونس، لكن عددا منها يوجد في مدن أخرى مثل المنستير وحمام سوسة (وسط) وصفاقس (جنوب).

يقول عبد الرزاق ولها مدير أكاديمية صفاقس -التي أنشئت منذ 20 عاما- إن “عدد الفتيات اللاتي أقبلن على التسجيل في الأكاديمية تزايد بشكل ملحوظ منذ 3 سنوات. لقد بات واضحا أن كثيرا منهن يحلمن باقتفاء خطى أنس جابر. في أوائل عهد الأكاديمية كان الحضور يكاد يقتصر على الذكور، أما الآن فأكثر من 15 فتاة يترددن على الأكاديمية يحدوهن الشغف والطموح”.

ويضيف في حديثه للجزيرة نت “أدرب التنس منذ نحو ربع قرن، وعندما كان رياضة لا تكاد تحظى بأي اهتمام نجحت في تكوين عشرات اللاعبين، وأتمنى أن أسهم في بروز لاعبات قادرات يوما ما على اللعب في بطولات الغراند سلام. العزيمة سلاح الكثير من اللاعبات هنا، سنقف إلى جانبهن حتى نهاية الطريق”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى