ماذا قصد أمين سلام؟.. استياء كويتي من الوزير اللبناني بسبب “شخطة قلم”
الكويت – أثارت تصريحات وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام، خلال مناشدته لإعادة بناء صوامع القمح التي دمّرها انفجار مرفأ بيروت، والتي ذكر فيها أن الكويت تستطيع القيام بذلك “بشخطة قلم”، استياء واسعا بين الأوساط السياسية الكويتية.
وأعرب وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم الصباح عن استنكار واستغراب دولة الكويت الشديدين لتصريح وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني.
وانتقد الصباح، في بيان لوزارة الخارجية الكويتية، السبت، كلام الوزير اللبناني. وقال إنه يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ويعكس فهما قاصرا لطبيعة اتخاذ القرارات في دولة الكويت، لأنها مبنية على أسس دستورية ومؤسساتية، بما في ذلك المنح والقروض الإنسانية المقدمة للدول الشقيقة والصديقة.
وسبق للكويت، حسب بيان خارجيتها، أن مولت بناء صوامع الحبوب في مرفأ بيروت عام 1969 عبر قرض مقدم من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
وقال وزير الخارجية الكويتي إن بلاده تمتلك سجلا تاريخيا زاخرا بمساندة الشعوب والدول الشقيقة والصديقة، وترفض أي تدخل في قراراتها وشؤونها الداخلية.
استياء نيابي
وسبق بيان وزارة الخارجية الكويتية استياءً نيابياً من تصريحات وزير الاقتصاد اللبناني، التي اعتُبرت تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة الكويت. كما ذهب بعض النواب إلى ربط المنح والقروض الخارجية بموافقة مجلس الأمة، بعد إصدار تشريع بذلك.
وأكد النائب عبد الله فهاد، أن ما ذكره وزير الاقتصاد اللبناني في مقابلته إساءة بالغة لدولة الكويت ومؤسساتها بالقول إن أموال صندوق التنمية تصرف بـ “شخطة قلم”، مشيرا إلى أن اقتراح قانون لموافقة مجلس الأمة على المنح الخارجية بات واجبا ومستحقا.
في حين طالب النائب فهد المسعود باحترام سيادة الكويت ونظامها، موضحا أن تصريح الوزير اللبناني خرج عن القواعد والأعراف الدبلوماسية.
أما النائب جراح الفوزان فطالب بتوضيح عاجل لما ذكره وزير الاقتصاد اللبناني، وقال إنه تجاوز على بلد المؤسسات، مضيفا أنه سيدعم تشريعا قانونيا يتطلب موافقة مجلس الأمة على المنح.
“شخطة قلم” #أمين_سلام تثير أزمة دبلوماسية بين لبنان و #الكويت
#هاشتاج @ajmhashtag pic.twitter.com/sqr2ewC0yX— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 5, 2023
“أموال الشعب لا تُدار بجرة قلم”
من جانبه، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة، النائب عبد الله المضف، أن علاقة الشعبين الكويتي واللبناني قوية جدا، ولا يمكن أن تكون محلا للاختبار أو التقييم. وقال إن تصريحات الوزير اللبناني لم تكن دبلوماسية، خصوصا أن الكويت بلد مؤسسات ويقوم على التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأموال الشعب لا تُدار “بجرة قلم” أو باتصال هاتفي كما قال الوزير اللبناني.
وقال المضف للجزيرة نت إن البيان الذي أصدرته الخارجية الكويتية على لسان وزيرها كافٍ للرد على مثل هذه التصريحات. مضيفا أن الوزير اللبناني قدم اعتذاره وبيّن أنه لم يكن يقصد المعنى الحرفي لما صرح به، وربما خانه التعبير في ذلك.
وعن إمكانية تقدم مجلس الأمة بمقترح لإصدار تشريع يربط تقديم المنح الخارجية بموافقة المجلس، قال المضف إن هذا الأمر وارد الحدوث في دور الانعقاد المقبل، وإنه سيوافق عليه إذا طُرح.
دعوات للاستثمار الداخلي
أما المحلل السياسي فهد الحبيني، فيرى أن وطأة الظروف الداخلية للبنان دفعت الوزير اللبناني لإطلاق مثل هذا التصريح، خصوصا أنه أرسل رسالة إلى وزارة الخارجية الكويتية لم ترد عليها.
وقال الحبيني للجزيرة نت “لا أعتقد أنه كان يجس نبض الكويت في الموافقة على تقديم المنحة أو لا، لأن هذه المسألة تتعلق بظروف الكويت وتقديراتها لتقديم المنح والقروض، وهي ليست وحدها في هذا التوجه، إذ سبقتها دول خليجية أخرى في مثل هذا الاتجاه”.
ويعتقد المحلل أن الحكومة الكويتية تقع تحت ضغط شعبي، وهذا التصريح استفز مجموعة من نواب مجلس الأمة، خصوصا بوجود دعوات لاستثمار أموال صندوق التنمية داخليا بدلا من منحها لدول أخرى تعثّر بعضها في سداد القروض الممنوحة له.
وأضاف الحبيني “لا أعتقد أن تصريحات الوزير اللبناني ستدفع بالعلاقات الكويتية اللبنانية إلى مسار سيئ، إذ إن العلاقات بين البلدين قديمة ومتينة، خصوصا -من باب حسن الظن- أن وزير الاقتصاد اللبناني أوضح ما قصده بعبارة “شخطة قلم”. ونتمنى أن تزول المشاكل والظروف المؤثرة على لبنان، فهي التي دفعت بالدول إلى إعادة النظر في منحه القروض”.
ملاءمة سياسية
ولكن هل يسمح الدستور الكويتي بربط المنح والقروض الخارجية بموافقة مجلس الأمة (السلطة التشريعية في البلاد)؟. يوضّح الخبير الدستوري محمد الفيلي أنه وفقا للدستور الكويتي فإن أي مصروف في الميزانية يجب أن يكون بموافقة مجلس الأمة، لكن هناك مؤسسات منشأة وفق القانون -مثل الصندوق الكويتي للتنمية- لا تحتاج إلى موافقة مسبقة لتقرير المنح والقروض، لأن قانون إنشائها قرر هذا الاختصاص فلا تحتاج للعودة إلى مجلس الأمة.
أما بقية المصروفات، يقول الفيلي للجزيرة نت، إذا لم يكن لها اعتماد في الميزانية العامة للدولة فيجب التصويت على اعتماد إضافي، وخلال ذلك يُذكر وجه الصرف. وهنا يمكن للمجلس أن يقرر ربط صرف الميزانيات المتعلقة بالمنح بموافقته.
ووفق الخبير الدستوري، هناك ملاءمة سياسية بأن يُترك هذا العمل للحكومات وفق توجيه عام وارد في قانون أو قرار لمجلس الأمة، ولكن الصرف المباشر يكون بإشراف وتقدير الحكومة “على اعتبار أننا هنا في إطار إدارة العلاقات الدولية للدولة”.
عدم التدخل في شؤون الدول
وفي محاولة لتخفيف وطأة تصريحات وزير اقتصاده، أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي “عمق العلاقة بين الكويت ولبنان والشعبين الشقيقين ومتانتها والتي لن تشوبها شائبة، مضيفا أن “دولة الكويت الشقيقة لم تتوانَ، ضمن الأصول، عن مد يد العون لإخوانها في لبنان على مر العقود”.
وشدد المكتب الإعلامي لميقاتي، في تصريح أوردته وكالة الأنباء الكويتية السبت، أن رئيس الحكومة اللبنانية “يؤكد احترام لبنان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كافة، وخصوصا دولة الكويت التي تخضع آلية اتخاذ القرار فيها لضوابط دستورية وقانونية ومؤسساتية تعكس حضارة سياسية عميقة ومتجذرة في المجتمع الكويتي”.
وسبق ذلك، توضيح وزير الاقتصاد أمين سلام نفسه، في مؤتمر صحفي، أنه قصد من خلال استعمال مقولة “بشخطة قلم” -وهي عبارة تستخدم باللبنانية العامية- أن الموضوع قابل للتنفيذ وبسرعة، ولم يقصد تجاوز الأصول والآليات الدستورية والقانونية من قبل دولة الكويت أو لبنان. متمنياً أن يقبل البرلمان الكويتي هذا التوضيح، وقال “كنت مرتاح الضمير في طلبي لأنني أناشد بلدا شقيقا لطالما وقف إلى جانب لبنان”.
يذكر أن الوزير اللبناني قد صرح -عشية الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت- بأنه بعث رسالة قبل 3 أسابيع إلى أمير الكويت عبر الخارجية اللبنانية يناشد فيها لإعادة بناء صوامع القمح، معلنا أنه طلب هذا الأمر لشعب لبنان وليس للحكومة.
وقال سلام “كلنا أمل ورجاء، خلال فترة معينة أن يأتينا جواب من الكويت، لأن الأموال موجودة. وأنا تواصلتُ مع وزارة الخارجية، وعلمتُ أنه في صندوق التنمية الكويتي هناك أموال موجودة، ويمكن بشخطة قلم اليوم أن يُتخد قرار ببناء إهراءات لبنان في بيروت وطرابلس”.