محنة إيكواس في النيجر.. انقسامات وخلافات تقلّل فرص التدخل العسكري
يرى كثير من المراقبين للأوضاع في منطقة الساحل الأفريقي، أن قيادة “إيكواس” تعجّلت في إطلاق التهديدات بالتدخل العسكري في النيجر بعد الصدمة التي تلقتها جراء الانقلاب هناك، وقبل القراءة المتفحصة للأبعاد “الجيوسياسية”، وربما -أيضًا- قبل المشاورات الكافية، وفحص الاستعدادات الذاتية للمنظمة، وفاعلية آلياتها في ظل ثقل البُعدين الإقليمي والدولي في هذه الأزمة.
ومع التباينات التي برزت وسط أعضاء برلمان منظمة دول غرب أفريقيا (إيكواس)، يجدر الحديث عن أن أربع دول في هذه الكتلة تُعدّ وازنة، وتقيّد مواقفها -إلى حد كبير- خيارات المنظمة؛ وهي: مالي وبوركينا فاسو وغينيا ونيجيريا.
وأبعد من المواقف السياسية، أبدت مالي وبوركينا فاسو مواقف متشددة ضد أي تدخل عسكري في النيجر، مع استعداد كامل للقتال إلى جانب الجيش النيجري، وهو ما يُعدّ أكبر العقبات أمام احتمالية التدخل العسكري لوقف الانقلاب في نيامي.
انقسام برلمان إيكواس
بعد انتهاء المهلة التي منحتها “إيكواس” للمجلس العسكري في النيجر لإنهاء عملية الانقلاب، وإعادة الرئيس المحتجز محمد بازوم إلى الحكم، اجتمع برلمان المنظمة بشكل طارئ، وبحضور 22 عضوًا. لكن تباينت المواقف بشكل عكس حجم الخلافات الداخلية الكبيرة حول أنسب الطرق لحل أزمة انقلاب النيجر. وتعدّدت هذه المواقف على النحو التالي:
- تيار يؤيّد دعم الجهود الدبلوماسية والحوار، حتى تتجنب المجموعة كارثة إنسانية في النيجر، التي تعاني الفقر المدقع.
- تيار يرى ضرورة التدخل من أجل وضع حد للانقلابات العسكرية التي تعانيها المنطقة، معدّا أن الاكتفاء بالحلول الدبلوماسية فقط، أسهم بقدر كبير في زيادة موجة الاستيلاء العسكري على الحكومات في منطقة غرب أفريقيا.
وكان أبرز المعارضين للتدخل العسكري، هون إدريس واسي؛ النائب الأول لرئيس البرلمان، الذي رفض حلّ معضلة الانقلابات باستخدام القوة العسكرية. وقال “يجب أن لا نبدأ شيئًا ليس بمقدورنا التحكم في كيفية إنهائه”، ضاربًا المثل بالحرب في أوكرانيا التي اعتقد كثيرون أنها حرب محدودة، ولا تزال مستمرة دون معرفة متى وكيف ستنتهي.
وبرز من بين الرافضين للتدخل العسكري -أيضًا-، ممثّل نيجيريا في برلمان إيكواس علي أندومي، الذي اعترض على إغلاق رئيسه النيجيري بولا تينوبو، للحدود مع النيجر وقطع الكهرباء دون أخذ موافقة البرلمان. وقال “نحن ممثّلو الشعب، وأيًّا كان الإجراء الذي يجب اتخاذه، فيجب أن يكون على أساس ما يريده الشعب”.
أما الدول التي أيّدت التدخل العسكري؛ فهي: السنغال وساحل العاج ونيجيريا على المستوى الرسمي، بينما تقف في معسكر الرفض كلٌّ من: مالي وبوركينا فاسو وغينيا، في الوقت الذي تعاني فيه توغو من آثار الانقلاب بالنيجر، ولم تبدِ موقفًا واضحًا. مع ضبابية في موقف نيجيريا النهائي بعد رفض مجلس الشيوخ، وعدد من الولايات المتاخمة للنيجر التدخل العسكري.
القدرات العسكرية للدول المؤيدة والرافضة
- الدول المؤيدة للتدخل العسكري: تأتي نيجيريا في مقدمة المجموعة من حيث القدرات العسكرية، ويعدّ جيشها 223 ألف عسكري، منهم 135 ألفًا في الخدمة، ولديها إمكانات عسكرية كبيرة، خاصة من الطائرات المقاتلة الحديثة.
وتأتي ساحل العاج في المرتبة الثانية، بقوة قدرها 30 ألف عسكري، وتُعدّ الدولة الثانية في المجموعة من حيث القدرات العسكرية. بينما تحلّ السنغال ثالثًا، وتملك 17 ألف عسكري. ثم غانا بعدد 15 ألف عسكري، وبنين بحوالي 5 آلاف عسكري. - الدول الرافضة للتدخل العسكري: تأتي مالي في المقدمة بعدد 20 ألف جندي، منهم 18 ألفًا في الخدمة، ولديها قدرات قتالية متقدمة، خاصة بعد التسليح الجديد الذي وصلها من روسيا بعد الانقلاب الأخير. وتأتي ثانيًا بوركينا فاسو بعدد 17 ألف جندي، والنيجر بعدد قوات 13 ألف عسكري، وغينيا أخيرًا بعدد 12 ألف عسكري.
وتعدّ نيجيريا المفتاح في قيادة العملية العسكرية، كونها تترأس مجموعة “إيكواس” حاليًا، وتمتلك أكبر الجيوش عددًا وعدّة في المنظمة، ولكن لديها جملة مشكلات قد لا تمكّنها من المشاركة في أي عمل عسكري ضد النيجر، فضلًا عن قيادة هذه العمليات.
في الأثناء، ظهرت مواقف متشددة ورافضة للتدخل العسكري من خارج مجموعة “إيكواس”؛ وهي دول: تشاد وموريتانيا والجزائر. ولهذا الرفض تأثير مباشر في الموقف الكلي لعملية معالجة الأزمة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من أزمة أكبر، ليس بمقدور المنطقة ولا ظروفها من تحمّل تبعاتها.
بعد وساطة وفد من علماء الدين في #نيجيريا إلى #النيجر وحديث قادة الانقلاب عن انفتاحهم على الحل الدبلوماسي.. فما القاعدة المشتركة التي يمكن الانطلاق منها لحل الأزمة؟#الأخبار pic.twitter.com/5qInwWxnye
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 14, 2023
أسباب تراجع فرص التدخل العسكري
- الانقسام حول مبدأ التدخل العسكري وعدم جدواه في إعادة الرئيس النيجري المحتجز إلى الحكم، وخشية إخفاق المجموعة في المهمة، مما يمهّد لسابقة قد تؤدي إلى نهاية المنظمة ذاتها.
- رفض مجلس الشيوخ في نيجيريا منح الرئيس تفويضًا بالتدخل، مع رفض الولايات المتاخمة للنيجر لأي عملية عسكرية، وهي 7 ولايات لها وزنها في ممارسة الضغوط على حكومتها، لمنع التدخل في ظلّ تقارير تحدثت عن أن الحرب في النيجر ستؤثر سلبًا في شمال البلاد خاصة. وبما أن نيجيريا هي التي يتطلّع إليها المتحمسون للتدخل العسكري، فإن الفرص تتضاءل بشكل كبير.
- التأييد الكاسح الذي وجده الانقلابيون في النيجر، واستعداد آلاف الشباب للانخراط في الجيش والقتال إلى جانبه.
- تهديد مالي وبوركينا فاسو بالقتال إلى جانب الجيش في النيجر يُعدّ أحد أهم العوائق في تنفيذ التدخل العسكري لمجموعة “إيكواس”، خشية توسّع نطاق الحرب إلى مستوى الإقليم.
- ضبابية الموقف الأميركي الذي لا يزال يمسك العصا من المنتصف؛ حيث لم تصنّف واشنطن ما جرى بالانقلاب خوفًا على مستقبل وجودها في المنطقة إذا بدّلت النيجر مواقفها وتحالفاتها، بل دعمت الولايات المتحدة الجهود الدبلوماسية، وقالت إنها لم تتلقَ طلبًا بسحب قواتها من النيجر. وهو ما يقرأه السياسيون في المنطقة على أنه رغبة في التوصل إلى حلّ دبلوماسي للأزمة.
- تحذير المجلس العسكري في نيامي لمجموعة “إيكواس” بأنه قد يقتل الرئيس محمد بازوم، إذا صعّدت موقفها العدائي تجاهه.
ولم يبقَ أمام “إيكواس”خيارات كثيرة في التعامل مع أزمة النيجر، فقد نثرت كل أوراقها دفعة واحدة، مقابل تمكّن المجلس العسكري في نيامي من ترتيب أوضاعه، وتحييد عدد من الفاعلين في المنطقة. ومن ثم تقييد عاصفة التدخل العسكري، الذي تتضاءل فرصه كل يوم إلى لا شيء تقريبًا.