مع استمرار العدوان على غزة.. ما فرص نجاح قمة القاهرة للسلام؟
القاهرةـ جدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الدعوة إلى قمة دولية تبحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية في ظل العدوان المتواصل على غزة. وأكد في لقائه مع المستشار الألماني أولاف شولتس، أمس الأربعاء، أهمية أن تسفر القمة عن وقف التصعيد في القطاع حقنا لدماء المدنيين، وللتعامل مع الوضع الإنساني المتدهور، وإعطاء دفعة قوية لمسار السلام.
ووجّه السيسي، عقب اجتماع لمجلس الأمن القومي المصري قبل أيام، دعوة إلى القوى الإقليمية والدولية ودول الجوار للمشاركة في “قمة القاهرة للسلام”، سعيا للوصول لتهدئة توقف العدوان المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بعد إطلاق فصائل المقاومة لعملية “طوفان الأقصى”.
وقال كُتاب وصحفيون مقربون من السلطات المصرية إن الدعوة لاقت تجاوبا واسعا من رؤساء وقادة إقليميين ودوليين، بيد أنه لم ترشح أنباء رسمية عن تأكيد حضورهم، أو بشأن موعد القمة، لكن المتاح من المعلومات ترجّح عقدها مطلع الأسبوع المقبل.
جهود مصرية رسمية
لم تفصح وزارة الخارجية حتى الآن عن عدد وأسماء الدول المدعوة، تحسبا -وفق مصادر دبلوماسيةـ لإمكانية اعتذار عدد من الدول عن المشاركة، أو اعتراض الولايات المتحدة على مشاركة روسيا والصين، رغبة من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن في “إبعادهم عن أي تأثير في قضية الشرق الأوسط الأهم”.
محمد العرابي وزير الخارجية المصري سابقا يكشف عن حجم الحشد الدولي لدعوة قمة #القاهرة_للسلام #أحمد_أبوزيد#من_غزة_هنا_القاهرة #تضامنا_مع_فلسطين#فلسطين #القاهرة_الإخبارية pic.twitter.com/osXl7lPBa8
— AlQahera News (@Alqaheranewstv) October 16, 2023
وبحسب وزير الخارجية المصري سامح شكري، فإن دعوة مصر لعقد هذه القمة تستهدف تحقيق حزمة من الأهداف، منها:
- بحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية.
- وضرورة أن يتحدث المجتمع الدولي من خلال قادة دول لها تأثيرها ومكانتها، سواء كانت إقليمية أو دولية، بصوت واحد للتأكيد على ضرورة التهدئة ومراعاة الأوضاع الإنسانية.
- وفتح آفاق لتسوية الصراع على أساس حل الدولتين، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بشكل يحقق طموحات شعوبنا”.
ومضى شكري بالقول في تصريحات صحفية إن “القمة تأتي انطلاقا من الدور المصري الدائم، الساعي للاحتواء وتحقيق التهدئة والسلام للخروج من الأزمة، وإدراكا لخطورة توسيع رقعتها، ومخاطر ذلك على الأمن والاستقرار، وأيضا المزيد من الضحايا من المدنيين”.
شكوك في إمكانية الانعقاد
وشكك دبلوماسيون ومحللون سياسيون في إمكانية عقد القمة من الأساس، في ظل وجود خلافات بين واشنطن وتل أبيب من جانب، وتوتر العلاقات بين مصر وإسرائيل مؤخرا من جانب آخر.
وتتعلق الخلافات بين القاهرة وكل من تل أبيب وواشنطن بشأن ملف تهجير سكان غزة إلى سيناء، ومرور المساعدات الدولية للقطاع، وتأمين خروج الأجانب منه، عقب استهداف طيران الاحتلال لمعبر رفح بالقصف عدة مرات، وصولا إلى استياء العديد من الدول من قصف إسرائيل للمستشفى المعمداني في غزة، مما أدى لإلغاء لقاء رباعي كان مقررا أن تستضيفه الأردن بحضور بايدن، وهو أمر لا يستبعد تكراره مع القمة الإقليمية الدولية.
وبحسب حسن نافعة الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، متحدثا عن فرص نجاحها “هذه القمة ولدت ميتة، ولا فرص لها لتحقيق انفراجة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”.
ويشكك نافعة في إمكانية عقد القمة، وقال إن القوى المدعوة لحضورها “أخفقت” في تأمين دخول المساعدات لقطاع غزة “فهل تنجح في تحقيق وقف إطلاق النار وتحقيق التهدئة وتمهيد الأجواء لاحقا لاستئناف المفاوضات؟”.
ولفت نافعة في حديث للجزيرة نت، إلى أن وقف العدوان على قطاع غزة مكانه ليس في قمة إقليمية دولية تشارك فيها واشنطن، وتمارس ضغوطا قوية على المشاركين لتنفيذ رغبات الاحتلال، بل عبر اللجوء إلى مجلس الأمن، وانتزاع قرارات ملزمة تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، وفق مقررات الأمم المتحدة، وتمنع جرائم الإبادة الصهيونية ضده، وليس لقاءات بروتوكولية تكرس العجز العربي عن إنقاذ الفلسطينيين.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الدعوة للقمة لم تتجاوز كونها رغبة في إعلان وإثبات الوجود فحسب، ومحاولة الظهور في المشهد كقوة فاعلة لدعم الشعب الفلسطيني، وتجنب الوصف بالعجز عن فعل أي شيء، موضحا أن الوضع كان يتطلب طرد السفراء الإسرائيليين من القاهرة، واستدعاء السفراء العرب من تل أبيب، وليس الدعوة لقمة إقليمية دولية محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ.
ورفض نافعة التفسير المتعلق بأن هدف مصر من القمة إيجاد غطاء دولي لرفضها تهجير الفلسطينيين لسيناء، معتبرا أن هذا الأمر شأن سيادي مصري يحتاج قرارا قويا، وليس الدعوة لقمة إقليمية دولية لن تقدم ولن تؤخر.
ضرورة الانعقاد وصعوبته
من ناحيته، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، صعوبة في إمكانية التئام “قمة القاهرة للسلام”، بسبب تباين مواقف القوى التي من المفترض مشاركتها في القمة حول ملفات عديدة.
وأوضح هريدي أن الدعوة لقمة القاهرة للسلام من قبل مصر لن تخلو أجندتها -إذا تم انعقادهاـ من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وإقرار حل الدولتين، بقيام دولة فلسطينية عاصمتها “القدس الشرقية” هذا على المدى البعيد.
أما على المدى القصير، يضيف هريدي، فلن تخلو من الدعوة للعمل على وقف العدوان على غزة، وإقرار التهدئة ورفض استهداف المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وتأمين دخول المياه والوقود والدواء لضحايا القصف الإسرائيلي.
كما لن تخلو أجندة القمة من التأكيد على رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين لسيناء، وإبلاغ المجتمع الدولي برفض تصفية القضية الفلسطينية، باعتبار ذلك نهجا خاطئا لن يسهم في أمن واستقرار دول المنطقة.
خطوة استباقية
بدوره، رأى المحلل السياسي والكاتب عمار علي حسن أن دعوة مصر لعقد القمة “خطوة استباقية” لإمكانية تدهور الوضع إلى حرب إقليمية، انطلاقا من أن تصميم بايدن ونتنياهو على تهجير الفلسطينيين لسيناء يضع مصر على خط النار، لافتا إلى خشية مصر من أن تجبر الضربات الإسرائيلية الفلسطينيين في شمال وشرق غزة على النزوح إلى سيناء إذا خُيروا بين الهلاك والفرار.
ونبّه المتحدث إلى أن مصر تسعى كذلك لإطلاع القوى الدولية والإقليمية إلى خطورة قيام إسرائيل بإلقاء كرة النار في حجر المصريين، مما يجبر مصر على التدخل العسكري لحماية حدودها، فضلا عن أن تهجير الفلسطينيين لسيناء سيحولها لمنطلق جديد لهجمات المقاومة الفلسطينية على الاحتلال، بشكل يجبر الإسرائيليين على الرد على أهداف داخل مصر، وهو ما سترد عليه القاهرة بالمثل بشكل سيهز اتفاقية السلام من البلدين.
وقال حسن -للجزيرة نت- إن هذه رسائل واضحة ستنقلها القاهرة للمشاركين في القمة، في ظل التهديدات الشديدة التي تواجهها المنطقة بشكل غير مسبوق.
وتسعى القاهرة للحصول على دعم القوى الدولية للسماح بفتح معبر رفح ودخول المساعدات الإنسانية إليه، باعتبار ذلك وفق الأهداف المصريةـ تثبيتا لصمود الفلسطينيين في غزة، وإفشالا لمشروع تهجير الفلسطينيين لسيناء، كما يقول المحلل السياسي.
ويشير حسن إلى أن مصر تريد غطاء دوليا لموقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية، والضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات، وإقرار التهدئة والتمهيد لاستئناف المفاوضات لحل القضية الفلسطينية، باعتباره السبيل الوحيد لمنع تكرار الحرب.