هل تؤثر استثمارات زوجة سوناك في إسرائيل على دعم بريطانيا للاحتلال؟
لندن- هل هناك تضارب مصالح يدفع للتشكيك في سياسة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك تجاه إسرائيل؟ ربما لا تكون الإجابة مرتبطة فقط بموقف سوناك من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حاليا. بل من تكرار اتهامات لاحقته منذ تقلده حقيبة وزارة الخزانة، بسبب ثروة زوجته “أكاشتا مورتي”.
مورتي التي وصفتها الصحافة البريطانية سابقا بأنها “أغنى من الملكة”، لديها استثمارات في إسرائيل عبر شركة هندية، وتضررت تلك الاستثمارات بسبب عملية “طوفان الأقصى” وعدوان الاحتلال على قطاع غزة.
السؤال الذي تحاول الجزيرة نت البحث عن إجابته، تكرر أيضا بسبب استثمارات زوجة سوناك في روسيا وقت حربها مع أوكرانيا، فضلا عن تساؤلات قبل شهرين عن تضارب المصالح بشأن صفقة تجارية ضخمة بين المملكة المتحدة وشركة “إنفوسيس” (Infosys) الهندية، والتي تسهم فيها زوجة سوناك، ويعتبر والدها من أبرز مؤسسيها. وهو ما دفع الصحافة البريطانية وحزب العمال للمطالبة بالتحقيق مع سوناك بشأن تضارب المصالح.
كما تم استدعاء سوناك للتحقيق -في مارس/آذار الماضي- في شبهة تضارب مصالح تتعلق بشركة لرعاية الأطفال تملكها زوجته في المملكة المتحدة، وبعد 5 أشهر من التحقيق فشل سوناك في تقديم المستندات الكافية إلى لجنة التحقيق، وقدم اعتذاره للعامة، واعتبره خطأ غير متعمد.
أغنى من الملكة
منذ أن كان وزيرا للمالية فشل سوناك في تسجيل أعمال زوجته “أكاشتا مورتي”، ذات العلاقة بقراراته السياسية، خاصة أنها تشارك رسميا في دخل أسرة رئيس الوزراء. وقد وصفتها صحيفة الغارديان البريطانية عام 2020 بأنها “أغنى من الملكة”، مما عرض رئيس الوزراء للعديد من الاتهامات بتضارب المصالح، كلما ارتبطت قراراته السياسية بازدهار أعمال زوجته.
وتقدر مشاركة مورتي في ميزانية الأسرة السنوية بنحو 12 مليون جنيه إسترليني، من أرباح أسهمها في شركة “إنفوسيس” الهندية، بالإضافة لكونها الوريثة الرئيسية لوالدها الملياردير “نارينار مورتي” أحد أكبر مؤسسي الشركة الهندية العملاقة.
وتسهم “إنفوسيس” بنحو 8% من إجمالي الدخل القومي في الهند، إذ تعدّ من أكبر الشركات الهندية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات وتطوير الأبحاث التقنية و السيبرانية والذكاء الاصطناعي والرقابة الإلكترونية، مما يفرض طابعا سياسيا لقرارات الشركة، التي امتدت تعاوناتها مع دول عدة، من بينها إسرائيل.
وفي أغسطس/آب الماضي، أوضحت صنداي تايمز البريطانية أن ثمة مزاعم بأن عائلة سوناك يمكن أن تستفيد ماليا من صفقة تجارية تتفاوض بريطانيا بشأنها مع الهند. ونقلت عن نواب في البرلمان وخبراء في التجارة قولهم إن هناك مخاوف على أعلى مستويات الحكومة بشأن قضايا “شفافية” محتملة تتعلق بالحصة التي تبلغ 500 مليون دولار لزوجة رئيس الوزراء في شركة “إنفوسيس” الدولية في الهند.
استثمارات “إنفوسيس” في إسرائيل
وقعت إسرائيل مع شركة “إنفوسيس اتفاقية تفاهم عام 2012، حيث مثّلت حكومة الاحتلال مكتب رئيس العلماء الإسرائيلي للدراسات والأبحاث، وهو مكتب متخصص في مجال التطوير وأبحاث تكنولوجيا المعلومات، وقد أشاد العديد من الوزراء بالاتفاقية.
كما استثمرت “إنفوسيس” الأم في شركة كلودين (Cloudyn) الناشئة الإسرائيلية عام 2016 بنحو 4 ملايين دولار. وفي أقل من عام استحوذت شركة مايكروسوفت العالمية على كلودين، وضمتها مايكروسوفت لمركز التطوير والبحث الخاص بها، لكن دون إفصاح عن تفاصيل الصفقة، التي قدرتها الصحافة الإسرائيلية بين (50-70) مليون دولار.
وفي عام 2015 استحوذت إنفوسيس على شركة بانيا (Panaya) الإسرائيلية، مقابل 230 مليون دولار، في صفقة قُدم فيها العديد من الشكاوى، وأعقب ذلك موجة من الاستقالات في صفوف كبار العاملين بشركة “إنفوسيس” بينهم عضو مجلس إدارة، اعتراضا على قيمة الصفقة، الذي اعتبروه مبالغا فيه بشكل يثير الريبة.
وبعد 4 سنوات، فشلت محاولات “إنفوسيس” بيع شركة بانيا، وهو ما فسره محللون بفضيحة الشكاوى، مما دفع “إنفوسيس” للتوقف عن محاولات البيع، وبدأت في توسيع أنشطتها داخل إسرائيل.
إنفوسيس و”طوفان الأقصى”
ومع تصاعد عدوان الاحتلال على قطاع غزة، قال الرئيس التنفيذي لشركة إنفوسيس “سليل باريخ” -الخميس الماضي- إن جميع موظفي “إنفوسيس” في إسرائيل بخير، ولكنه رفض الإجابة عن أي معلومات تتعلق بحجم العمالة لدى الشركة في إسرائيل، معللا ذلك بأن العمالة بمكاتب إنفوسيس محلية، مصرا على عدم ذكر الأرقام.
وبالتزامن مع العدوان وتأثيراته السلبية على اقتصاد الاحتلال، هبطت القيمة السوقية لشركة إنفوسيس من 71 مليار دولار إلى 68 مليار دولار.
ويعدّ “ناريانا مورتي” والد زوجة سوناك أبرز مؤسسي الشركة، وقد تأثر بهبوط القيمة السوقية للشركة. وبحسب مؤشر “فوربس”، هبطت ثروته إلى 4.3 مليارات دولار من أصل 4.5 مليارات دولار، قبل بدء عمليات “طوفان الأقصى”.
وقد أشارت مواقع تحليل اقتصادي إلى تضرر تسع شركات كبرى من العدوان الإسرائيلي بينهم إنفوسيس، التي هبطت أسهمها في البورصة 8% هذا الأسبوع.
وفي السياق نفسه نشرت صحيفة “سي إن بي إس” (CNBS) الأميركية تقريرا عن أهم 11 قصة خبرية في العالم، تضمن فيه الحرب بين إسرائيل وحماس وتدهور أسهم شركة “إنفوسيس” الهندية، مما يوضح ارتباط استثماراتها بالاستقرار في إسرائيل.
هل يحقق البرلمان؟
تواصلت الجزيرة نت مع مفوض لجنة المعايير في البرلمان، لمعرفة ما إذا كان هناك تحقيق يتعلق بوجود تضارب مصالح، فيما يتعلق بقرارات سوناك السياسة المنحازة للاحتلال الإسرائيلي، لكن المكتب رفض التعليق على تقرير الجزيرة نت، بموجب سياسات تحول دون تعليق المفوض على سلوك أعضاء البرلمان خارج نطاق التحقيقات الجارية، أو التي تم البت فيها على الموقع الإلكتروني للجنة المعايير.
وكان سوناك قد وعد في نهاية تحقيق تضارب المصالح الأخير، بالكشف والتسجيل عن أي تضارب مصالح محتمل إذا اقتضت الضرورة، ولكن حتى اللحظة لم يعلن بشكل رسمي عن حجم أعمال زوجته في إسرائيل، وتأثير ذلك في قراراته السياسية المتعلقة بعدوان الاحتلال على قطاع غزة.
وينص القانون البريطاني على تسجيل كل النواب والمسؤولين مصالحهم المحتملة مسبقا، لكن بشكل عام يصعب على المحققين اتخاذ مواقف قوية في ما يتعلق بشبهات تضارب المصالح، إذ تمنع قوانين ضبط السلوك الحالية، دون البت القاطع في تحقيقات تضارب المصالح، وهو ما أقره تقرير برلماني عن الشفافية الحكومية صدر في مايو/أيار 2021.
وأوصى التقرير البرلماني بالعمل على تشريع جديد، من شأنه توسيع صلاحيات مفوض مستقل للتحقق، بدلا من الوضع الحالي والذي يسمح لرئيس الوزراء بإبطال التحقيق في أي مرحلة، وهو ما اعتبره التقرير ازدواجية بالأدوار تضر بالشفافية.
موقف سوناك من إسرائيل
ظهر دعم سوناك لإسرائيل منذ توليه منصبه، إذ أكد في يوليو/تموز 2023 على ما سماه “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد المنظمات الإرهابية”.
وخلال العدوان الحالي على قطاع غزة، أكد سوناك تأييده لإسرائيل، كما ذهب إلى تل أبيب في زيارة تضامنية في 19 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وكتب تغريدة على منصة إكس قال فيها “أنا في إسرائيل، أمة في حزن. إنني أحزن معكم، وأقف معكم ضد شر الإرهاب. اليوم ودائما”. وأتبعها بتغريدة ثانية يعبر فيها عن تعاطفه مع عائلات الأسرى الذين اعتقلتهم المقاومة الفلسطينية، وقال إنه سيعمل مع الشركاء “لإطلاق سراحهم من الإرهابيين”، وفق تعبيره.