مستشفى القدس.. عدوان مكثف ومخاوف من تكرار “مجزرة المعمداني”
غزة- “أوضاعنا مأساوية، قصفونا في بيوتنا، وهجرونا من أراضينا، ويهددوننا بقصف المستشفى زي (مثل) مجزرة المعمداني”. هكذا وصفت الخمسينية أم محمد شملخ، جزءا من معاناتها بعد أن نزحت إلى مستشفى القدس الذي تهدد إسرائيل باستهدافه.
وأظهرت مقاطع مصورة من داخل المستشفى، التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، ازدحام النازحين الشديد في الساحات وداخل المباني وطرقات الأقسام، والذين تقدر إدارته أعدادهم بنحو 14 ألفا، جُلّهم من الأطفال والنساء وكبار السن، يفتقرون لأبسط مقومات الحياة الأساسية.
وتغالب أم محمد شملخ مخاوفها التي تشتد عليها خلال ساعات الليل، ومنذ نزوحها إلى المستشفى لم تعرف من النوم إلا قليلا، حيث تتزاحم في رأسها ذكريات وتجارب من حروب سابقة. ورغم الثقة التي أبدتها في “أداء المقاومة” كما تقول، إلا أنها تخشى التوغل البري، ووصول جيش الاحتلال إلى عمق غزة.
وتتذكر أم محمد الحرب الأولى على غزة أواخر العام 2008، عندما تمكنت قوات الاحتلال من التوغل داخل حي تل الهوى، ومارست القتل والاعتقال.
وتتابع السيدة والنازحون في المستشفى بقلق شديد توغل دبابات وآليات عسكرية إسرائيلية برا من منطقة “جحر الديك” جنوب شرقي مدينة غزة، وصولا إلى “مفترق الشهداء” عند المدخل الجنوبي للمدينة؛ على شارع صلاح الدين الرئيسي، الذي يصل شمال القطاع بجنوبه، قبل تراجعها بوقت قصير.
ويندرج هذا التوغل ضمن محاولات عدة تصدّت لها كتائب الشهيد عز الدين القسام؛ الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفصائل المقاومة، خلال الأيام الماضية، ولم تتمكن خلالها قوات الاحتلال من التقدم سوى لمسافات قصيرة، وفي مناطق زراعية وخالية من السكان على الأطراف الشرقية لمدينة غزة، وبلدة بيت لاهيا شمال غربي القطاع.
تهديدات ساخنة
وتزداد المخاوف من تعرض مستشفى القدس لاستهداف مباشر، في ظل “تهديدات ساخنة” تلقتها إدارته وعدد من النازحين إليها، وإنذارات من جيش الاحتلال بضرورة إخلائها، والتوجه إلى جنوب القطاع، تحت مبرر أنه يقع في “منطقة عمليات عسكرية” ووجودهم فيها يشكل خطرا على حياتهم.
وينتمي عدد كبير من النازحين هنا لعائلة “شملخ” وتشتهر بمهنة الزراعة، وهي إحدى أكبر العائلات في حي “الشيخ عجلين” الساحلي غربي مدينة غزة، وقد تعرض عدد من منازلها للاستهداف الجوي، ودمرت فوق رؤوس ساكنيها، وارتقى فيها شهداء وجرحى.
الإخلاء المستحيل
ورغم الخطورة، عبّر مدير المستشفى الدكتور بشار مراد عن رفضه وإدارته بشدة إخلاء المستشفى، لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر محدقة بحياة النازحين ومئات المرضى والكوادر الطبية.
وفي بيانات متلاحقة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أكدت أنها تتمسك بقرار استمرار العمل في المستشفى وعدم إخلائه، رغم ما لحق به من أضرار مادية، نتيجة الغارات الجوية المكثفة، التي تعرض حياة آلاف النازحين والمرضى والكوادر الطبية للخطر.
ويقدم مستشفى القدس 3 خدمات أساسية، وهي -بحسب الدكتور مراد- خدمة الإسعاف والطوارئ، وخدمة العلاج للمرضى وجرحى العدوان، وخدمة الإيواء الطارئة للنازحين.
وحذر في حديثه للجزيرة نت من “كارثة كبرى” قد تقع جراء الغارات الجوية المكثفة في محيط المستشفى، خاصة مع وجود مولدات كهرباء، ومحطات توليد أكسجين، ومن شأن انفجارها أن يتسبب في وقوع “مذبحة” داخل المستشفى.
ومنذ اندلاع الحرب في السابع من الشهر الجاري تلقت إدارة مستشفى القدس إنذارات إسرائيلية عدة بضرورة الإخلاء، الأمر الذي اعتبره مراد “مستحيلا”، باعتبار أن إخلاء مستشفى يضم هذا العدد الكبير من النازحين، بحاجة إلى “دعم لوجستي كبير”، وتوفير أماكن داخل أقسام العناية المركزة “المكتظة” في المستشفيات لنقل المرضى إليها.
مدينة أشباح
ومع اقتراب الحرب الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة من شهرها الأول، برز حي “تل الهوى” الذي يقع فيه مستشفى القدس، كأحد أكثر الأحياء استهدافا بغارات جوية مكثفة ومركزة تشنها مقاتلات حربية على مدار اللحظة، وتزداد حدة وخطورة خلال ساعات الليل.
ويلف الدمار هذا الحي الواقع جنوب غربي مدينة غزة، وتميز تركيبته الهندسية مبان مكونة من 7 طوابق، تتبع في غالبيتها لجمعيات إسكان تعاونية، منحتها السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي أراضي حكومية لإقامة هذه المباني وإسكان ذوي الدخل المحدود.
وما بين مبان مدمرة أو “خاوية على عروشها” هجرها سكانها بدافع من الرعب والإرهاب، تحول هذا الحي المكتظ إلى ما يشبه “مدينة أشباح”، لا حراك فيها لبشر إلا من “بقايا حياة” في محيط مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومراكز إيواء قريبة منها تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
حزام ناري
وعلى مدار الأيام الماضية، تعرض حي “تل الهوى” -وهو جزء رئيسي من محور ممتد من حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة وحتى منطقة المغراقة جنوبا، مرورا بحي “الشيخ عجلين”- لغارات جوية عنيفة ومتزامنة شكلت ما يوصف بـ”حزام ناري”.
وخلال الأسبوعين الماضيين، وتحت ضغط التهديد والوعيد الممارس من الاحتلال عن طريق اتصالات ورسائل صوتية هاتفية وعبر منشورات ورقية تلقيها الطائرات، نزح آلاف من سكان هذه الأحياء والمناطق إلى جنوب قطاع غزة، في حين لجأت “حشود” من سكان أحياء “تل الهوى” و”الشيخ عجلين” و”الرمال الجنوبي” إلى مستشفى القدس واحتمت به، ظنا منها أنها في “مأمن” من الغارات.
غير أن مقاتلات حربية لاحقت النازحين بغارات جوية هزت أركان المستشفى، ومراكز الإيواء المحيطة به، وأحاطتهم ومئات المرضى والكوادر الطبية بخطر شديد.
وعلى إثر ذلك، عبرت وزارة الصحة عن مخاوفها وخشيتها من تكرار “مجزرة مستشفى المعمداني” التي راح ضحيتها نحو 500 شهيد ومئات الجرحى، جلهم من النساء والأطفال.
وفي رسائل متتابعة للناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة، حذر مما وصفها “النوايا المبيتة” للاحتلال الإسرائيلي في استهداف مستشفى القدس، بعد تركيزه المستمر على قصف محيطه وإلحاق أضرار متعددة به.