ضحايا منسيون.. الاحترار العالمي يفاقم ظاهرة لاجئي المناخ
تتفاقم آثار تغير المناخ يوما بعد يوم مع تزايد النشاط البشري في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، وزيادة الانبعاثات الكربونية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتي تنتجها هذه القطاعات، مما أدى إلى زيادة شدة وتواتر الظواهر الجوية المتطرفة، والمتمثلة بهطول الأمطار الغزيرة بشكل غير طبيعي، والجفاف طويل الأمد، والتصحر، والتدهور البيئي، وارتفاع مستوى سطح البحر.
كما أدى الاحترار العالمي إلى جعل الموارد الطبيعية المحدودة -مثل مياه الشرب- أكثر ندرة في أجزاء كثيرة من العالم، وتكافح المحاصيل الزراعية والماشية من أجل البقاء في ظروف مناخية حارة وجافة للغاية، أو شديدة البرودة والرطوبة.
وتدفع الكوارث الطبيعية والجفاف وغيرها من الأحداث المناخية، بأعداد متزايدة من السكان إلى الفرار من منازلهم، والنزوح إلى أماكن أكثر أمانا داخل بلدانهم الأصلية، أو حتى الهجرة وعبور الحدود الدولية، وهو ما اصطلح على تسميته “اللجوء المناخي” أو “الهجرة المناخية”.
من هم لاجئو المناخ؟
ظهر مصطلح “لاجئو المناخ” منذ عام 1985، عندما عرّف خبير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عصام الحناوي لاجئي البيئة بأنهم أولئك الأشخاص الذين أجبروا على ترك موطنهم الأصلي، مؤقتا أو بشكل دائم، بسبب الاضطراب البيئي الطبيعي أو الناجم عن تصرفات البشر، والذي يعرّض وجودهم للخطر، أو يؤثر بشكل خطير على سبل حياتهم.
واللاجئون بحسب تعريف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هم الأشخاص الذين فروا من الحرب أو العنف أو الصراع أو الاضطهاد، وعبروا الحدود الدولية للعثور على الأمان في بلد آخر، وعرفت الاتفاقية العالمية للاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “شخص غير قادر أو غير راغب في العودة إلى بلده الأصلي، بسبب خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة، أو رأي سياسي”.
لكن هذه التعريفات لا تأخذ في الاعتبار الأشخاص الذين يجب عليهم الفرار من الفيضانات أو الجفاف، أو ارتفاع منسوب مياه البحار، أو الأراضي ذات التربة شديدة الملوحة بحيث لا يمكن استغلالها في زراعة المحاصيل، وجميعها آثار تغير المناخ.
ضحايا منسيون
يرى فرانشيسكو جريللو، وهو زميل زائر في معهد الجامعة الأوروبية في مدينة فيسول الإيطالية، والأستاذ المشارك في مدرسة سانتانا العليا في مدينة بيزا الإيطالية، في حديث إلى “الجزيرة نت” أن الأمم المتحدة لا تزال تجهل وجود فئة تسمى “لاجئو المناخ”، فاللاجئون في الوقت الحالي هم نتيجة ظروف مختلفة، لا تتعلق بمشاكل الكوكب، لكن من الواضح تماما أنه إذا تجاوزت آثار تغير المناخ حدودها في بعض مناطق العالم، ستدفع بكثير من الأفراد نحو الهجرة، وهذا ما يحدث خصوصا مع ازدياد المعاناة المتعلقة بالزراعة، ومن ثم سيعاني الناس من الجوع.
وتتعرض الزراعة لتهديد كبير مع زيادة موجات الجفاف وتراجع الأراضي الزراعية ونقص المياه الحاد، بسبب تأثيرات تغير المناخ، إذ تنخفض غلة المحاصيل وتتراجع جودتها، ويتراجع بالتالي إنتاج الغذاء، كما تميل الأسعار إلى الارتفاع، مما يجعل الغذاء غير متاح للعديد من المجتمعات الفقيرة أو النازحة، ويمكن أن يكون انعدام الأمن الغذائي نتيجة مباشرة للكوارث أو الصراعات المرتبطة بالمناخ، ويمكن أن يكون أيضا سببا للتوترات الاجتماعية والعنف، مما يزيد من خطر حدوث نزوح جديد.
وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن الكوارث المرتبطة بتغير المناخ على مدى العقد الماضي، تسببت في حدوث ما متوسطه 21.5 مليون حالة نزوح جديدة كل عام، أي أكثر من ضعف عدد حالات النزوح الناجمة عن الصراع والعنف.
وبالإضافة إلى الكوارث الطبيعية الأكثر تواترا وشدة كأسباب مباشرة تدفع إلى النزوح القسري، فإن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم الدوافع الأخرى للنزوح، مثل تفاقم الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، ونقص المياه، وصعوبة الوصول إلى الموارد الطبيعية الأخرى التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية من أجل البقاء.
ويشكل ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدا آخر، وعلى مدى الأعوام الـ30 الماضية، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحر من 160 مليونا إلى 260 مليونا، 90% منهم يأتون من البلدان النامية الفقيرة والدول الجزرية الصغيرة.
ويشير سجل تهديدات النظام البيئي، الذي أصدره معهد الاقتصاد والسلام “آي إيه بي” (IEP)، وهو مركز أبحاث دولي أسترالي، إلى أن ما لا يقل عن 1.2 مليار شخص يمكن أن ينزحوا بسبب هذه التهديدات بحلول عام 2050.
استجابة أممية
يشير الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2018، بوضوح إلى أن أحد العوامل التي تسبب تحركات واسعة النطاق للأشخاص هي “الآثار السلبية لتغير المناخ والتدهور البيئي”، والتي تشمل الكوارث الطبيعية، والتصحر وتدهور الأراضي والجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر، وينص الاتفاق على حث الحكومات على حماية لاجئي المناخ في بلدان وصولهم وتأمين متطلباتهم الأساسية إذا لم يكن التكيف والعودة ممكنين في بلدانهم الأصلية
وقبل ذلك، في مارس/آذار 2018، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وثيقة ختامية ناقشت قضية حركة الأشخاص عبر الحدود الناجمة عن أزمات المناخ من منظور حماية حقوق الإنسان.
وأشارت الوثيقة إلى أن هناك كثيرا من الأشخاص الذين لا ينطبق عليهم تعريف “اللاجئين” من بين أولئك الذين يضطرون إلى الهجرة لمسافات طويلة وعبور الحدود بسبب التأثيرات المناخية، وأن النظام القانوني لحماية حقوقهم الإنسانية غير كاف، كما لا يتم تطبيق “مبدأ عدم الإعادة القسرية”، الذي ينص على أنه لا يجوز ترحيل الأشخاص الذين عبروا الحدود أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية ضد إرادتهم، وحثت الحكومات على دمج مفهوم احترام حقوق الإنسان في تخطيط وتنفيذ تدابير تغير المناخ، وإعادة التوطين كوسيلة للتكيف مع تغير المناخ.
قبل وقوع الكارثة
يضيف الباحث الإيطالي فرانشيسكو جريللو للجزيرة نت أن تأثير اللجوء المناخي لا يتعلق فقط بأوروبا وحدها، بل يصل إلى باقي أنحاء العالم. ويرى جريللو أننا “بحاجة إلى الاستعداد، وليس فقط الجلوس وانتظار أن تطرق المشكلة أبوابنا، فحتى الآن لسنا قادرين على القيام بشيء تجاه المشكلة، ففي درنة، المدينة الليبية التي غمرها الفيضان، وأودى بحياة أكثر من 20 ألف شخص، إذ من المرجح أن ينزح 80 ألف شخص على الأقل، جميعهم مرشحون للوصول إلى أوروبا، كنا غير قادرين حتى على إرسال المساعدات بعد الكارثة، ما يجب علينا فعله بدلاً من ذلك هو أن نكون مسؤولين تجاه أنفسنا، إنها ليست مسؤولية أخلاقية فقط، بل هي مسؤوليتنا لمنع وقوع مثل هذه الكارثة”.
ويرى جريللو أن التنبؤ الدقيق بالكوارث الطبيعية اعتمادا على التكنولوجيا، يمكن أن يجنبنا كارثة أخرى مثل كارثة ليبيا، كان يمكن تجنبها بسهولة، لكننا لم نفعل أي شي.