إيران..”طوفان الأقصى” تكشف عن ثنائية “النفوذ والحضور” بشأن مواجهة إسرائيل
على وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من شهر على قطاع غزة، أسفرت عملية طوفان الأقصى عن جدل واسع في الأوساط الإيرانية بشأن كيفية تقديم بلادهم الدعم لحلفائها في مواجهة العدو المشترك.
وبينما يحتدم النقاش في إيران بين شريحة تعتقد بضرورة الاكتفاء بتقديم الدعم وتوجيه الحلفاء من بوابة النفوذ، وشريحة أخرى لا ترضى بأقل من التحرك العملي لوضع حد للمجازر الإسرائيلية، يقف وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف إلى جانب الفئة الأولى واصفا قطبي الثنائية بـ”المتناقضين”.
وفي كلمة له في ندوة تحت عنوان “القضية الفلسطينية من منظور القانون الدولي” بالعاصمة طهران، أشار ظريف إلى تأكيد الدستور الإيراني على ضرورة الدفاع عن مستضعفي العالم، مستدركا أنه ليس من المقرر أن نقاتل بدلا منهم.
النفوذ والحضور
ورأى ظريف أن الصورة التي يقدمها بعض الأشخاص عن حركة حماس وكأنها وكيل لإيران ليست صحيحة، موضحا أن أفضل دفاع عن الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن هو عدم توفير الذرائع لإسرائيل لاتهام الفلسطينيين باعتبارهم قوة تتحرك بالنيابة عن الآخرين.
ولدى إشارته إلى جواز السفر الفلسطيني الذي كانت تحمله غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة، اعتبر ظريف الادعاءات بأن “فلسطين كانت أرضا بلا مالك” كاذبة وباطلة، مؤكدا أنه لا حقوق لحكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وإنما عليها واجبات فحسب، وأن كيان الاحتلال فشل في معركة طوفان الأقصى.
مواقف الوزير الإيراني السابق حظيت بتفاعل واسع في الإعلام الفارسي ومنصات التواصل، وكشفت عن ثنائية متناقضة بين شريحة ركزت على كلامه القائل إن “الشعب الإيراني سئم أن يدفع ضريبة صراع الآخرين” وشريحة أخرى ترى أن طهران طرف فاعل في المعركة الراهنة -وإن لم تكن طرفا مباشرا فيها- وأن الرسائل الأميركية لطهران خير دليل على ذلك.
عقيدة “الضربة الثانية”
في غضون ذلك، دافع سفير طهران السابق في الأردن ولبنان أحمد دستمالجيان عن “مواقف ظريف الصائبة”، مؤكدا أن دعم الجمهورية الإسلامية للقضية الفلسطينية لا يعني خوض معركة تحرير الأقصى المبارك بالنيابة عن أهل الأرض المباركة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشاد دستمالجيان بما وصفه إدارة طهران الناجحة للمعركة مع العدو الصهيوني، رغم بعدها عن ساحة المواجهة، موضحا أن دبلوماسية طهران فوتت الفرصة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي طالما سعى لاستدراج الولايات المتحدة إلى جبهة مع إيران.
وردا على الشريحة التي تطالب بخوض طهران معركة طوفان الأقصى والوقوف إلى جانب حماس، قال الدبلوماسي الإيراني إن عقيدة بلاده العسكرية “دفاعية وردعية تتبنى عنصر الضربة الثانية” إذا تعرضت سيادة البلاد إلى تهديد، ومن ثم فإنها لا تسمح بخوض المعارك قبل الاعتداء على الأراضي الإيرانية.
جبهة أمامية
في المقابل، يرى الباحث السياسي مهدي عزيزي أن “خطاب الثورة الإيرانية تبنى مبدأ مواجهة إسرائيل ونصرة المظلومين والمستضعفين” حتى قبيل انتصارها عام 1979، واصفا الحديث عن ضرورة المناورة على “مبدأ النفوذ” والتخلي عن “مبدأ الحضور المباشر لنصرة المظلوم” تراجعا عن إيديولوجية الثورة الإيرانية التي طالما خاضت المعارك إلى جانب حلفائها في سورية والعراق في مواجهة “جماعة داعش الإرهابية” على حد تعبيره.
وعزا الباحث الضغوط الغربية على بلاده إلى إستراتيجيتها المبدئية في الحضور إلى جانب المظلوم أينما اقتضت الضرورة، موضحا أن طهران دفعت ضريبة هذه الإستراتيجية طوال العقود الماضية.
وفي حديثه للجزيرة نت، رأی عزيزي أن طهران “لم ولن تخشى الإعلان عن دعمها لكل طرف يقف بوجه الكيان الصهيوني، ذلك لأن الأوساط الإيرانية أجمعت منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية على مبادئ وشعارات تتصدرها نصرة الأقصى المبارك والقضية الفلسطينية”.
ووصف المتحدث ذاته حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين بأنها “الجبهة الأمامية في مواجهة الكيان الإسرائيلي”، محذرا من مغبة التخلي عن حلقات محور المقاومة بما يشجع العدو الإسرائيلي على الانفراد بها والتفرغ للانقضاض عليها واحدة تلو الأخرى.
خطاب الثورة
وخلص الباحث السياسي نفسه إلى أن “دعم إيران لتحرير القدس والوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية نابع عن إستراتيجية الجمهورية الإسلامية حيال القضية الفلسطينية، وليس تكتيكا يمكن تغييره أو التخلي عنه وفق مسار المعركة ومتطلباتها”.
وللوقوف على الشعارات التي رفعها الثوريون الإيرانيون إبان ثورة 1979 وموقفهم من القضية الفلسطينية، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى السياسي المحافظ عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد رضا باهنر، الذي يرى ارتباطا وثيقا بين الثورة الإيرانية والقضية الفلسطينية المتمثلة في السعي العملي لتحرير الأقصى المبارك.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح باهنر أن الثورة الإيرانية دفعت ضريبة مواقفها الثابتة من القضية الفلسطينية ولا تغيير في ذلك بعد الآن، مؤكدا أن الثوار الإيرانيين سبق وأكدوا دعمهم المطلق للثورة الفلسطينية من أجل تحرير الأقصى المبارك وإزالة كيان الاحتلال، ولم يدّعوا يوما أنهم سوف يخوضون معركة للقضاء على الكيان الإسرائيلي نيابة عن الفلسطينيين.
“الضفدع المسلوق”
واستغرب السياسي المحافظ، الانتقادات التي توجه لطهران بسبب مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، في حين ترمي الولايات المتحدة بكل ثقلها في المعركة، وتقف إلى جانب المعتدي في إبادته للأبرياء وقتله آلاف الأطفال والنساء.
وبين هذا وذاك، يدعو المنظّر المحافظ علي أكبر رائفي بور، الإيرانيين إلى الصبر وعدم الاكتراث للشعارات والتحليلات التي تُطلق من هناك وهناك بشأن عملية طوفان الأقصى.
وفي تغريدة أخرى على منصة إكس، كتب رائفي بور أن “إيران تعمل من أجل القضاء على الكيان الصهيوني وإخراج القوات الأميركية من المنطقة وفقا لنظرية الضفدع المسلوق. صبرا! فإن شعلة النار ستزداد رويدا رويدا”، على حد قوله.
وعلی وقع الجدل بشأن ثنائية النفوذ والحضور والحديث عن المضي قدما في تطبيق نظرية الضفدع المسلوق، يطالب مراقبون في إيران بضرورة تنسيق أكبر بين الدبلوماسية والميدان، للعمل على وقف إطلاق النار في غزة أولا ثم إرباك المعتدي في الميدان دون ترك أثر قد يحمل البلاد ثمنا غاليا.