ديمقراطيون يصفونها بالسرطان.. “أيباك” تهاجم معارضي الحرب على غزة
واشنطن- “لماذا أحارب أيباك؟ لأنها سرطان في ديمقراطيتنا، وواجهة للحزب الجمهوري”، كانت تلك كلمات مارك بوكان، النائب الديمقراطي الممثل للدائرة الثانية بولاية ويسكونسن في مجلس النواب الأميركي، التي غرد بها على منصة “إكس” ليشير لمقابلة مع موقع سلات (Slate) الإخباري.
وأضاف بوكان في لقائه “لا أكترث ولا أخشى أيباك. أعتقد أنهم يمثلون وجودا سرطانيا في ديمقراطيتنا وسياستنا بشكل عام، وإذا كان بإمكاني أن أصبح جراحا وأقضي عليهم، فهذا رائع”.
وعقب هجوم بوكان، تشجّع عدد صغير من الديمقراطيين في الكونغرس واتهموا المنظمة علنا بنشر الأكاذيب والمعلومات المحرّفة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما تبعها من عدوان إسرائيلي غير مسبوق على قطاع غزة.
قوة أيباك
وتعد منظمة “أيباك” AIPAC (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية) أكبر منظمات اللوبي اليهودي وأهمه في الولايات المتحدة والعالم.
ويراها كثيرون إحدى أكثر الكيانات المخيفة في السياسة الأميركية. وهي آلة نفوذ تمتلك ملايين الدولارات وتؤثر بها بصور مختلفة في قلب وتفاصيل كل ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي في صورته الأوسع.
وأصبح دارجا في أروقة واشنطن ودهاليزها الهمس بخطورة “أيباك”، وبإمكاناتها الضخمة التي تمكنها من القضاء على كثير من السياسيين التي تراهم معادين لـ”أجندتها” الداعمة لإسرائيل. وبلغت من القوة ما يسمح لها بالتمتع بنفوذ طاغ داخل الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.
وتشير بيانات حكومية إلى أنها أكبر مانح مالي لزعيم الديمقراطيين بمجلس النواب حكيم جيفريز، ولزعيم الجمهوريين ورئيس المجلس مايك جونسون. وتبرعت المنظمة بأكثر من 50 مليون دولار لأعضاء مجلس النواب في دورة الانتخابات الأخيرة.
وعلى مدار العقود الستة الأخيرة، حققت “أيباك” مكاسب كثيرة عززت العلاقات الإسرائيلية الأميركية، وحافظت هذه المنظمة على حياد دائم بين حزبي الكونغرس، بما أبعدها عن أي شبهات تفضيل حزب على آخر. إلا أن هذا الحياد يتعرض لاختبار كبير خلال الأعوام الأخيرة.
وخلال العقد الأخير، ارتبطت “أيباك” ارتباطا وثيقا بالليكود الإسرائيلي والحزب الجمهوري. ويتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يهيمن الجمهوريون على السياسة الأميركية في المستقبل المنظور، بينما لا يزال أغلب اليهود الأميركيين ديمقراطيين.
استهداف
وتدعم هذه المنظمة، على وجه الخصوص، حكومة نتنياهو بقوة، ولا تتردد في الإنفاق بكثافة لهزيمة أي سياسي أميركي تعدّه ناقدا لسياساته، لذلك يخشى كثير من أعضاء الكونغرس إغضاب “أيباك”، ولا يتحملون أن يُنظر إليهم على أنهم يتحدون “اللوبي” الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال.
في الدورة الانتخابية لعام 2022، كانت أيباك جزءا من حملة إنفاق (PAC) الفائقة التي حطمت الأرقام القياسية من خلال طرح عشرات الملايين من الدولارات في عمليات شراء الإعلانات ضد المرشحين التقدميين في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لصالح مرشحين أكثر تحفظا وأكثر دعما لإسرائيل.
وتشن أيباك هجمات بلا رحمة على النائبتين رشيدة طليب وإلهان عمر. ونشرت ذات مرة إعلانات تعرض وجه إلهان بالفوتوشوب بجوار صواريخ حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي حملة سرعان ما أسفرت عن تلقي النائبة ذات الأصول الصومالية تهديدات بالقتل.
وحتى بعد توبيخ نادر، أدان فيه نانسي بيلوسي وستيني هوير، اللذان كانا آنذاك أكبر ديمقراطيين بارزين، الإعلانات، رفضت “أيباك” إزالتها. وفي الواقع، وضعت المزيد من المال فيها، واستمر عرضها لأشهر عدة.
مع تصاعد الدورة الانتخابية لعام 2024، يُحتمل أن تضع “أيباك” ولجان تمويل العمل السياسي التابعة لها مرة أخرى، ملايين الدولارات لضرب النواب التقدميين، وهي خطوة تهدد إلى حد كبير طريق الديمقراطيين لاستعادة الأغلبية في مجلس النواب.
مواجهة
وبدأت لجنة العمل السياسي للأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل في عرض إعلانات ضد النائبة من أصل فلسطيني رشيدة طليب، كما اشترى مشروع الديمقراطية المتحدة التابع لأيباك وقتا للبث التلفزيوني لمهاجمة النائب مارك بومان بسبب تصويته ضد إسرائيل.
وبدأت مواجهة النائب بوكان مع “أيباك” بعد أن صوّت مجلس النواب، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على تمرير قرار يتعهد بدعم ثابت لإسرائيل، وهو ما يعكس موقف واشنطن التقليدي من العدوان. إلا أن القرار لم يشر إلى العدد المتزايد من الضحايا المدنيين في غزة.
ومهّد هذا القرار الطريق لتصويت لاحق على 14 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية لإسرائيل، دون شروط. وصوت 8 ديمقراطيين ونائب جمهوري واحد ضده.
بعد التصويت على القرار، نشرت المنظمة على منصة “إكس” تغريدة تتهم هؤلاء النواب، إضافة إلى بوكان، “بمحاولة إبقاء حماس في السلطة”. ورد بوكان قائلا “أيباك كاذبة، وتجيد عدم قول الحقيقة”.
وأضاف “الولايات المتحدة ترسل مليارات الدولارات سنويا لمساعدة إسرائيل، كيف لا نساعد في إطعام ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في سجن مفتوح في غزة، الذين ليسوا من حماس؟ نحن لا ندعم الحركة، نحن لا ندعم قتل الأطفال فقط، وهو ما يبدو أن أيباك تدعمه”.
وبعد بضعة أيام، بدأت أيباك حملة على النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، التي تعادي المنظمة توجهاتها التقدمية، وعدتها “خائنة”.
مواصلة النقد
كما هاجمت النائب الجمهوري توماس ماسي لتصويته ضد قرار 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واصفة إياه بأنه “معادٍ للسامية”، ورد النائب بالقول إن “هذا التشويه الذي لا أساس له يهدف إلى تخويفي للتصويت لإرسال 14 مليار دولار من أموالنا إلى دولة أجنبية”.
ويتباهى موقع “أيباك” على الإنترنت بأن 98% من المرشحين الذين دعمتهم قد فازوا في انتخاباتهم، وأن لجان التمويل التابعة لها قد دشنت بالفعل هجوما ضد منتقدي إسرائيل في الكونغرس.
وحجزت أوقاتا لبث إعلانات سياسية تستهدف عددا من المعارضين لإسرائيل؛ مثل: النواب رشيدة طليب وجمال بومان وسمر لي. وتوددت المنظمة إلى المرشحين المنافسين لهؤلاء النواب في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، في محاولة لإخراجهم من الحياة السياسية الأميركية بهزيمتهم في انتخابات 2024.
ولم يصل الخوف إلى النائب بوكان، الذي استمر في نقده لأيباك، وقال إن “السبب في ضغطي عليها هو أنها أصبحت خطيرة، فهي تتظاهر بحيادها الحزبي، لكنهم أصبحوا جماعة ضغط يسيطر عليها الحزب الجمهوري. لقد حان الوقت لكشف حقيقتهم بدلا من الخوف منهم”.