هل تقاوم السلطة الفلسطينية الضغوط بشأن أموال المقاصة؟
رام الله- مجددا عادت أموال الضرائب الفلسطينية التي يحتجزها الاحتلال الإسرائيلي (المقاصة) إلى الواجهة، بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية، أمس الأحد، موافقتها على آلية جديدة لتحويل تلك الأموال عبر طرف ثالث حتى اليوم التالي بعد الحرب.
ويرى محللان فلسطينيان في الآلية الجديدة “شرعنة دولية” لاقتطاع الأموال الفلسطينية، ومنح وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية حق تحديد مصير أموال الفلسطينيين “برعاية وموافقة دولية”.
وأعلنت السلطة الفلسطينية، الأحد، رفضها أي اشتراطات إسرائيلية، لكنها لم تعلن إن كانت ستتسلم أموالها منقوصة أم لا.
وأموال المقاصة هي مجموعة الضرائب والجمارك والمكوس المفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني تجبيها إسرائيل في المعابر نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل عمولة بنسبة 3%.
الاحتلال يعوّض “ضحاياه “بأموال الضرائب التي يجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية.. ما المقصود بـ”أموال المقاصة”؟#حرب_غزة pic.twitter.com/iTxOhh503A
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 16, 2024
آلية جديدة
ويفترض أن تُحول المقاصة شهريا إلى السلطة، لكن سلطات الاحتلال بدأت منذ سنوات اقتطاع مبالغ منها توازي ما تدفعه السلطة لعائلات الأسرى والشهداء، ثم أضافت حصة غزة للمبلغ المقتطع بعد العدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتقدر القيمة الإجمالية لأموال المقاصة في حدود 257 مليون دولار شهريا، بينما يذهب لغزة نحو 200 مليون دولار كأجور موظفين، وأثمان، وقود، وكهرباء.
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن مجلس الوزراء “الكابينت” قد “وافق على تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية عبر النرويج”.
وقالت إنه “سيتم تقديم تقرير عن حال هذه الأموال كل شهر، وإذا كانت هناك مخالفة، وتُحوّل النرويج الأموال إلى السلطة الفلسطينية على شكل قرض أو بأي طريقة أخرى، بينما يملك وزير المالية بتسلئيل سموتريتش صلاحية تجميد جميع الأموال المحولة إلى السلطة”.
ووفق وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية، فإن القرار الإسرائيلي جاء بطلب من الإدارة الأميركية ويقضي بإيداع أموال المقاصة بمبلغ يتراوح بين 750 و800 مليون شيكل شهريا (200 و213 مليون دولار)، في حساب في النرويج، وأنه بإمكان السلطة الفلسطينية الحصول على حصة الضفة الغربية من النرويج، وبقاء حصة قطاع غزة في هذا الحساب.
لكن صحيفة يديعوت أحرونوت قالت إن المخطط الذي وافق عليه مجلس الوزراء السياسي الأمني يقضي “بتحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، مع تحويل مخصصات غزة إلى النرويج”.
رد السلطة
وفي أول رد رسمي فلسطيني، رفض أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ -في تغريدة على منصة إكس- أي انتقاص من الأموال الفلسطينية. وأكد أن “أي انتقاص من حقوقنا المالية، أو أي شروط تضعها إسرائيل تقوم على منع السلطة من الدفع لأهلنا في غزة مرفوضة من جانبنا”.
وطالب الشيخ المجتمع الدولي “بوقف هذا التصرف القائم على القرصنة وسرقة أموال الشعب الفلسطيني وإجبار إسرائيل على تحويل أموالنا كافة”، من دون أن يشير إلى إذا ما كانت السلطة ستتسلم الأموال منقوصة أم لا.
ويعيدنا الاتفاق المعلن عنه إسرائيليا إلى جلسة الحكومة الفلسطينية في الثامن من يناير/كانون الثاني الحالي، حين قال رئيس الوزراء محمد اشتية إن السلطة الفلسطينية وافقت على المقترح الأميركي.
وأضاف اشتية “تدخل الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، ووزير خارجيته أنتوني بلينكين، وعدد من زعماء العالم، لكن إسرائيل لا تزال ترفض اقتراحات الإدارة الأميركية مثل تحويل هذه الأموال إلى النرويج التي تسلمها بدورها إلينا، مع أننا وافقنا على ذلك”.
وأوضح أن “إسرائيل خصمت الشهر الماضي 517 مليون شيكل (نحو 140 مليون دولار) من أموال المقاصة التي بلغت 750 مليون شيكل (قرابة 200 مليون دولار)، وأرسلت الباقي لنا، فرفضنا استلامها”.
القيادة الفلسطينية تدرس المقترحات كافة لحل الازمة المالية الراهنة نتيجة احتجاز اموالنا من قبل اسرائيل . وتصر القيادة الفلسطينية على موقفها القاضي بالالتزام تجاه اهلنا وشعبنا في قطاع غزة . وتثمن القيادة الجهود التي تبذلها دول شقيقة وصديقة لانهاء الازمة المالية .وفي نفس الوقت…
— حسين الشيخ Hussein AlSheikh (@HusseinSheikhpl) January 21, 2024
وفي تغريدة لاحقة، قال الشيخ إن “القيادة الفلسطينية تدرس المقترحات كافة لحل الأزمة المالية الراهنة نتيجة احتجاز أموالنا من قبل إسرائيل”. وأضاف أن “القيادة الفلسطينية تصر على موقفها القاضي بالالتزام تجاه أهلنا وشعبنا في قطاع غزة”، مثمنا “الجهود التي تبذلها دول شقيقة وصديقة لإنهاء الأزمة المالية”.
ووفق الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، فإن المشكلة في الاتفاق ليست في حجب حصة غزة من الإنفاق الحكومي مثلما حدث مع مخصصات الأسرى وأسر الشهداء، بل في “منع السلطة من التصرف بأموالها بحرية سواء في غزة أو غيرها”.
وأضاف “واضح أن السلطة ممنوعة من الإنفاق على غزة بضمانات أميركية ستقدم لإسرائيل على شكل تقارير تثبت ذلك، وإذا حدث هذا فإن الاتفاق أعطى سموتريتش الحق في أن يوقف تحويل الأموال للسلطة من جديد”.
ويرى عبد الكريم في الشروط المعلنة “إجحافا له تداعيات سياسية كبيرة”، قائلا “صحيح أن هناك أزمة عميقة تمر بها السلطة الفلسطينية، لكن سياسيا، كلفة الموافقة أكبر بكثير”. وتابع أن تصريح الشيخ لم يوضح إن كان هناك رفض استلام الأموال منقوصة أم لا.
مليار دولار تقتطعه إسرائيل سنوياً من أموال التجار الفلسطينيين.. ما هي أموال المقاصة؟ ولماذا يصادرها الاحتلال؟ pic.twitter.com/0c3pZIvUnH
— AJ+ عربي (@ajplusarabi) January 20, 2024
الأجدر الرفض
وبرأيه، فإنه على السلطة أن تحاول تغيير شروط الاتفاق وتوضح لأميركا والنرويج تداعيات الخطة وتحاول تقديم نموذج أقرب لنموذج الأسرى حيث كانت تسلم بالخصومات الإسرائيلية مع استمرار الدفع للأسرى والشهداء.
ودعا عبد الكريم السلطة إلى العمل دبلوماسيا لإقناع العالم أنها تتعامل في غزة مع موظفين متقاعدين لهم حقوق مدنية عادية طبيعية، وليس لأحد أن يمنع هذا الحق، معتبرا أن ما يجري ذو مغزى سياسي، متسائلا “إذا أصبحت غزة منفصلة على هذا الصعيد، فماذا بقي من المشروع الوطني كله؟”.
كما طالب السلطة بالاشتغال على بدائل أخرى تكون جاهزة عند رفض تسلم الأموال “ويمكن العمل مع الدول العربية والأوروبيين الذين سيدفعون قريبا 130 مليون دولار، إضافة إلى خيار الاقتراض من البنوك”.
وقال إن قبول المقاصة وفق الاتفاق الحالي “أمر مهين ومقلق”، داعيا إلى “حل هذه المعضلة بشروط لا تكون مهيمنة ولا مقلقة سياسيا”.
وأشار عبد الكريم إلى أن الخصومات الإسرائيلية غير قانونية “وأي اتفاقية جديدة لا تضمن صرفها تعطيها قبولا وغطاء دوليا”. ولم يستبعد ضغطا أميركيا على السلطة لتقبل بها منقوصة تحت ذريعة أن واشنطن أقنعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته بتحويل تلك الأموال.
من جهته، يعد الكاتب المتابع للشأن الإسرائيلي محمد أبو علان الاتفاق المعلن عنه “شرعنة دولية” للاقتطاعات الإسرائيلية.
وقال للجزيرة نت إن “القرار السليم هو رفض تسلم المقاصة، لأنه لم يتغير أي شيء، إذ كان شرط السلطة تسلمها كاملة، ولا يوجد ذلك”.
أما السبب الثاني فهو أن وزير المالية الإسرائيلي وحكومة الاحتلال شرعنا حجز أموال غزة عبر اتفاق أميركا والنرويج وإسرائيل، إذا وافقت السلطة أن تكون طرفا وتكون أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لمزيد من الاقتطاعات.
والأهم مما سبق، يقول أبو علان، إن في الموافقة الفلسطينية -إن حدثت- تمريرا لسياسة وقرار سموتريتش الذي سبق أن أعلن أنه لا أموال لقطاع غزة ما دامت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هناك.