يتقدم في استطلاعات الرأي.. هل تصل عدوى صعود اليمين المتطرف إلى بريطانيا؟
لندن – تخرج الانتخابات البريطانية هذا العام التي ستجرى في الرابع من يوليو/تموز المقبل، عن تقليد اعتاد عليه المشهد السياسي، وهو اقتصار المنافسة على أكبر قدر من المقاعد البرلمانية على حزبي المحافظين والعمال، حيث يدخل اليمين المتطرف هذه المرة وبقوة حلبة الصراع حسب ما أظهرته استطلاعات الرأي.
ويتزامن هذا الصعود لليمين المتطرف الذي يقوده السياسي المثير للجدل نايجل فراج زعيم “إصلاح بريطانيا”، مع النتائج الكبيرة التي حققتها أحزاب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي، مما أثار المخاوف من أن تصل حمى اليمين الشعبوي إلى المملكة المتحدة خصوصا مع ضعف حزب المحافظين.
وقدم نايجل فراج البرنامج السياسي لحزبه بداية هذا الأسبوع، وركز فيه كما عادة أحزاب اليمين الشعبوي على مهاجمة المهاجرين، وتصوير الهجرة على أنها سبب كل مشاكل البلاد، ولهذا وعد بإغلاق حدود البلاد تماما أمام المهاجرين، والانسحاب من كل الاتفاقيات التي تجمع بلاده بالاتحاد الأوروبي. ويحظى فراج بمتابعة إعلامية كبيرة خلال الحملة الانتخابية بالنظر لتصريحاته المثيرة للجدل.
ماذا تقول الأرقام؟
تشير جل استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها منذ بداية الحملة الانتخابية خلال شهر يونيو/حزيران الجاري، إلى أن حزب “إصلاح بريطانيا” اليميني قد يحصل على ما بين 14% و19% من الأصوات.
وأظهر استطلاع لموقع “يو غوف” (You Gov) أن حزب نايجل فراج قد يحصل على 19% من الأصوات، مما يجعله يدخل في منافسة قوية مع حزب المحافظين على المركز الثاني.
بل إن بعض الاستطلاعات ذهبت إلى حد منح حزب “إصلاح بريطانيا” المرتبة الثانية متفوقا حتى على حزب المحافظين، كما أظهرت نتائج استطلاع لمؤسسة “دلتا بول” (Delta Poll) أن حزب المحافظين قد يحصل على عدد أصوات حزب “إصلاح بريطانيا” نفسه بنسبة 19%.
نمر من ورق
يلقي البروفيسور جورج نيوث، أستاذ اللغة وتحليل الخطاب السياسي في جامعة “باث”، باللوم في صعود نجم اليمين المتطرف مع كل موعد انتخابي على ما يسميه تقليدا بريطانيا “في منح الشخصيات اليمينية المتطرفة منبرا إعلاميا وسياسيا وإعطائهم القدرة على فرض أجندتهم على الحملة الانتخابية”.
واعتبر البروفيسور المتخصص في تحليل خطاب حركات اليمين المتطرف، في حديثه للجزيرة نت، أن التركيز الإعلامي على نايجل فراج هو خير مثال على ذلك “لأن نايجل فراج شخصية غير شعبية ولم يتمكن قط من الفوز بأي مقعد برلماني”، مضيفا أن استطلاعات الرأي التي تمنح لحزب “إصلاح بريطانيا” التقدم على حزب المحافظين هي استطلاعات لا تقول كل الحقيقة.
وفسر الخبير البريطاني عدم دقة أرقام استطلاعات الرأي بكونها تركز على عدد الأصوات، إلا أنها “تهمل طبيعة نظام التصويت في المملكة المتحدة، فعندما نقوم بإضافة هذا العامل فإن حزب إصلاح بريطانيا لن يحصل إلا على مقعد أو مقعدين”.
ويتوقع نيوث حصول حزب العمال على أغلبية كبيرة في الانتخابات الحالية “أمرا مفروغا منه”، مما يعني، بحسبه، أن صوت اليمين المتطرف لن يكون له أي تأثير داخل البرلمان البريطاني، رغم أنه يعيب على حزب العمال انخراطه بدوره في خطاب يميني شعبوي خصوصا في ملف الهجرة.
فقدان الثقة
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة مانشستر الدكتور جورج مارتن، في حديثه للجزيرة نت، أن اليمين المتطرف يستفيد من عدم الثقة في السياسيين والأحزاب الرئيسية في البلاد وما يترتب عن ذلك من خيبة واستياء، متوقعا أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة منخفضة “لكون حزبي العمال والمحافظين لا يركزان على أزمة ارتفاع كلفة المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، ولذلك حتى لو زادت الأصوات التي سيحصل عليها اليمين المتطرف فيجب وضعها في سياق المشاركة المنخفضة”.
وركز الأكاديمي البريطاني في تحليله على السلوك السياسي لكل من حزبي المحافظين والعمال “لأن كليهما منخرط في سباق نحو القاع من خلال محاولة محاكاة خطاب اليمين المتطرف، وخير مثال على ذلك حملة إيقاف القوارب وترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا التي يقودها ريشي سوناك، رغم أنها تنفيذ لشعارات اليمين المتطرف”، مضيفا أن رد حزب العمال على هذه الحملة ضد طالبي اللجوء يركز على كونها خطة باهظة الثمن وستكلف دافعي الضرائب “عوض التركيز على كونها قضية إنسانية وحقوقية”.
واعتبر مارتن أن حزبي العمال والمحافظين يدفعان ثمن المزايدات السياسية بينهما “التي أدت لتكريس خطاب اليمين المتطرف والتطبيع معه في المشهد السياسي”، مضيفا أن ارتفاع شعبية حزب إصلاح بريطانيا مرده أيضا لكون “حزب المحافظين تحرك أكثر نحو اليمين المتطرف لكنه في الوقت ذاته أصبح حزبا غير محبوب شعبيا بسبب طريقة تدبيره للشأن العام”.
وحذر المتحدث ذاته من خطورة “التطبيع مع خطاب اليمين الشعبوي والذي أصبح ينتشر حاليا لدى حزب المحافظين والعمال، ولا أدل على ذلك من كون كلا الحزبين بات يعتبر أن ملف الهجرة مشكلة للبلاد ويجب الحد منها بأي ثمن”.