الاخبار العاجلةسياسة

إسرائيل نتنياهو.. إستراتيجية المجازر والمفاوضات

جاءت مجزرتا مواصي خان يونس ومخيم الشاطئ، أمس السبت، بعد أيام من استئناف محادثات صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لذا لا يمكن فصل المجزرة عن المسار السياسي الذي تشهده المفاوضات.

فلطالما عمدت إسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة المتواصل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى الضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين.

لماذا المجزرة؟

وفقا للعديد من المحللين فإن ما يقوم به الاحتلال من مجازر في القطاع يظهر أن اليد العليا في المفاوضات هي للمقاومة وليست للاحتلال، وأن أي موافقة على الصفقة تعني انتهاء الحرب.

لذا فقد عمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أيام من إعلانه عن خطوطه الحمراء إلى ارتكاب مجزرتي المواصي ومخيم الشاطئ، ووفقا للباحث والمحلل السياسي سعيد زياد فإن نتنياهو “يسأل نفسه يوميا ماذا سأفعل اليوم لتخريب المسار التفاوضي”.

وأشار زياد، في تصريحات للجزيرة، أن نتنياهو يدرك أن “موافقته على الصفقة تعني قطعا أن اليوم التالي هو لحماس، وأن جيشه خرج مهزوما، كونه لم ينجح في تحضير سيناريو بديل عن المقاومة، ولم يستطع إضعافها بالقدر الذي كان يأمله”.

وهو ما يبدو قد تحقق حاليا إذ ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن المفاوضات بشأن صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ستتوقف بعد مجزرة المواصي، على الأقل في المدى القريب.

نتنياهو المخلص

على الرغم مما يقال من أن نتنياهو يسعى للحفاظ على كرسي رئاسة الحكومة وإنقاذ نفسه من المصير الذي ينتظره بعد نهاية الحرب، فإن هناك بعدا آخر يدركه نتنياهو والعديد من قادة إسرائيل.

فإسرائيل بعد معركة طوفان الأقصى تقف على مفترق طرق، إذ إن نتائج المعركة سترسم معالم الطريق للكيان الإسرائيلي مستقبلا.

لذا فإن أحد محددات موقف نتنياهو، وفقا للمحللين، الحرص على عدم دخول إسرائيل في نفق مظلم والحفاظ على إسرائيل من التفتت.

الأمر الذي تنبأ به في عام 1999 المؤرخ الإسرائيلي رون بونداك، الذي يعد أحد مهندسي اتفاقيات أوسلو، إذ توقع أنه بعد 7 سنوات ابتداء من عام 2017 سيشن جيش الاحتلال “حربا صعبة ومعقدة على الفصائل الفلسطينية في الأراضي المحتلة”، وضمن توقعاته أن “يتصاعد الصراع بين الطوائف الدينية والعلمانية داخل المجتمع الإسرائيلي ويتفاقم بشدة إلى حد العنف الذي قد يؤدي إلى ظهور جيوب لحرب أهلية”.

ووصفت صحيفة هآرتس توقعات بونداك بأنها كانت دقيقة إلى حد “مؤلم”، وبدا اليوم قريبا من التحقق على أرض الواقع “بشكل مرعب”.

وقد حرص نتنياهو في خطابه في النقب يوم الخميس الماضي على أن يبين للإسرائيليين أنه يجب عليهم الصبر وتقبل خسارة عدد من الجنود فـ”الفارق الكبير بين الماضي والحاضر يكمن في قدرتنا على محاربة أولئك الذين يسعون إلى أرواحنا”، وفقا لما قال.

كما أكد في خطابه على وجوب أن “نقاتل كرجل واحد في أعقاب وحش الرعب”، مشددا على أنه “في هذه الحرب ننتصر، ونحن مصممون على استكمال النصر”.

مأزق نتنياهو

شهدت جولة المفاوضات الأخيرة في الدوحة في 10 يوليو/تموز الجاري زخما استثنائيا و”تفاؤلا حذرا”، ليخرج نتنياهو في اليوم التالي ليكرر مرة أخرى على خطوطه الحمراء قبل أي صفقة تبادل من أن:

  • إسرائيل ليست جاهزة لقبول مطالب حماس في المفاوضات.
  • كل صفقة يجب أن تتيح لإسرائيل معاودة القتال لتحقيق أهداف الحرب.

ووفقا لما يقوله المحلل السياسي ساري عرابي للجزيرة فإن نتنياهو “يشعر بمهانة عميقة لذلك هو يحاول من خلال إطالة أمد هذه الحرب لتجاوز العار الذي ألصق به في 7 أكتوبر”، مؤكدا أن “هذا العار يتراكم على نتنياهو، من ثم يجد الكيان نفسه بين مصالح إستراتيجية عليا تمثلها وجهة نظر الجيش والأمن وبين وجهة نظر نتنياهو التي تتمحور وتتمركز حول ذاته النرجسية”.

خلاف وجهات النظر تلك بين الطرفين كانت سابقة في تاريخ إسرائيل فهي “المرة الأولى في تاريخ الكيان التي يتبادل رئيس الوزراء والأجهزة الأمنية روايات يكذب كل طرف فيها الطرف الآخر”، وفقا لعزام أبو العدس المختص بالشأن الإسرائيلي.

كما يشير أبو العدس إلى أن “فيديوهات المقاومة الأخيرة تظهر أن المقاومة ما زالت قادرة على خوض المعركة وأنها ماضية في استنزافه”.

وأشار إلى أن هذه المرة الأولى في الحروب على غزة تظهر فيها “صور الدبابات المحترقة… مما يدلل على حجم الخسارة والمأزق الذي ينتظرهم في غزة بعدم التوصل لاتفاق”.

دبابات إسرائيلية مدمرة غرب غزة
دبابات إسرائيلية مدمرة غرب غزة (مواقع التواصل)

إستراتيجية نتنياهو

يواصل نتنياهو منذ أشهر، المماطلة في التوصل إلى أي اتفاق، فكلما حدثت هناك انفراجة وضع العراقيل أمامها.

آخرها في مؤتمر الصحفي الذي عقده أمس السبت لتبرير مجزرة المواصي، وأكد فيه أن “الحرب ستنتهي فقط عندما نحقق كافة أهدافها ولن نوقفها قبل ذلك بثانية واحدة”، معتبرا في الوقت ذاته أن جيش الاحتلال “في مرحلة تقدم إيجابي في الحرب، وليس من الصائب وقفها الآن”.

ووفقا للدكتور مهند مصطفى الخبير في الشأن الإسرائيلي فقد استخدم نتنياهو نفس الأدوات لإفشال مباحثات التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

  • مثل تحويل التفاصيل إلى قضايا جوهرية.
  • تنفيذ عمليات عسكرية تسهم في تعكير أجواء المباحثات.
  • بناء سردية أن الطرف الآخر يفشل الصفقة.

وأوضح الدكتور مصطفى أن حديث نتنياهو بالمؤتمر الصحفي “هو عودة للسابع من أكتوبر لليوم الأول من الحرب عندما تحدث وقال إن استهداف قيادات حماس هو جزء من تحقيق أهداف الحرب”.

هل ترضخ المقاومة؟

في إطار الخلاف بين المؤسسة الأمنية ونتنياهو جاء تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أكد فيه فشل سياسة الضغط على المقاومة وعلى رأسها حركة حماس حين ذكر أن “من يعتقد أن ممارسة الضغط على سكان غزة سيؤدي إلى الضغط على حماس فهو مخطئ”.

ووفقا للباحث سعيد زياد فإن المقاومة تتكئ بموقها هذا على عامل القوة على الأرض وأنه ما لم يحققه الاحتلال بالقوة لن يحققه بألاعيب السياسة.

وهو ما يؤكده ما تسرب عن رسالة بعث بها رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار لقيادات الحركة بالخارج والتي أكد فيها أن كتائب عز الدين القسام تخوض معركة شرسة وعنيفة وغير مسبوقة ضد قوات الاحتلال، وأن جيش الاحتلال تكبّد خسائر باهظة في الأرواح والمعدّات.

وأكد السنوار أن “كتائب القسام هشّمت جيش الاحتلال، وهي ماضية في مسار تهشيمه، وهي لن تخضع لشروط الاحتلال”.

لذا فقد عمدت المقاومة، وفقا للخبير العسكري والإستراتيجي العقيد ركن حاتم كريم الفلاحي، إلى رفع كلفة محاولات توغل جيش الاحتلال داخل القطاع وتكبيده خسائر بالأرواح والآليات واستنزاف قواته.

ويشير محللون إلى أن إستراتيجية المقاومة منذ اليوم الأول في التفاوض، عمدت إلى عزل التطورات الميدانية ومحاولات الاحتلال التأثير على مجرى المفاوضات أو حتى تفجيرها عبر تصعيد الأوضاع ميدانيا وزيادة الجرائم أو تنفيذ عمليات اغتيال.

من خلال ذلك يمكن القول إن سياسة المجازر واستهداف المدنيين لن تجدي نفعا مع المقاومة ولن تجعلها ترضخ لشروط نتنياهو، إذ يرى تشاس فريمان الدبلوماسي الأميركي والسفير السابق أن “المجازر الإسرائيلية في غزة وفّرت خيارا وحيدا للفلسطينيين وهو دعم حماس”، فهو يعتبر أن حماس هي المقاومة الحقيقية بالنسبة للفلسطينيين، هي رمز وروح حق تقرير مصيرهم”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى