الاخبار العاجلةسياسة

ما الذي يريده نتنياهو بعد 10 شهور من العدوان؟

شكلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -إلى الولايات المتحدة نهاية الشهر الماضي واستقباله الحافل في الكونغرس– عاملا حاسما في توجهاته حيال العدوان المتواصل على قطاع غزة المحاصر، ومفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وينسحب ذلك على مجمل نظرته للتصعيد في المنطقة وضد ما يعرف بمحور المقاومة، ويعود السبب إلى ثقل وأهمية الموقف الأميركي في حسابات نتنياهو والتأثير على مستقبله السياسي.

وقد شكل انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، واختيار نائبته كامالا هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي، إعادة الأمل للديمقراطيين في منافسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

ودفع ذلك نتنياهو لحسم أمره في تصميم اتجاه العدوان على غزة والتصعيد في المنطقة، بما يخدم هدف إطالة أمد الحرب وتعقيد المشهد أمام الإدارة الديمقراطية، في إشارة واضحة إلى انحيازه لصالح ترامب.

ويراهن نتنياهو على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نظرًا لما يشكله ذلك من تخفيف ضغوط الإدارة الأميركية عليه فيما يتعلق بالبيئة السياسية الإسرائيلية الداخلية، ويمنحه من الغطاء اللازم للتصعيد ضد محور المقاومة في المنطقة.

President Donald Trump and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu answer questions from members of the media in the Rose Garden at the White House on Monday, January 27, 2020, in Washington, DC.
فوز ترامب بالرئاسة يمنح نتنياهو القدرة على المناورة باتخاذ قرار وقف الحرب على غزة (شترستوك)

كما يمنح فوز ترامب بالانتخابات المقررة رئيسَ الحكومة الإسرائيلية القدرة على المناورة في اتخاذ قرار وقف الحرب على غزة، في ظل انتفاء عامل الضغط الخارجي عليه للتأثير على وضعه السياسي.

ويسعى نتنياهو لتوظيف ما يمكن أن يحصل عليه من دعم ترامب فيما يختص بمشاريع الاستيطان والضم بالضفة الغربية للمحافظة على تحالفه مع اليمين الديني المتطرف الذي ما زال يرفض وقف الحرب، ويسعى لمزيد من المكاسب في الضفة والقدس.

وفي سبيل ذلك، عمل نتنياهو منذ عودته من واشنطن على تصعيد الموقف عبر تنفيذه عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، وقبلها بقليل نفذ جيش الاحتلال عملية اغتيال وسط الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت فؤاد شكر الذي يعد أرفع شخصية عسكرية لدى حزب الله.

وفي المقابل، يشهد قطاع غزة تصعيدًا في استهداف المدارس ومراكز الإيواء وتعمد إيقاع خسائر وسط المدنيين، وكي يزيد نتنياهو من لغة التصعيد نفذ جيش الاحتلال عملية استهداف مقصودة لمراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي.

فشل الرهان

التصعيد الذي جلبه نتنياهو أحدث صدمة كبيرة لدى محور المقاومة في المنطقة، ودفعه نحو الاقتراب من لحظة كسر قواعد الاشتباك التي حكمت سلوكه منذ عملية طوفان الأقصى.

وتظهر المؤشرات والتصريحات الصادرة من أعلى المستويات في إيران وحزب الله أنها ستنفذ ردا قويا وغير مسبوق على الاغتيالات الأخيرة بحق هنية وشكر.

وفتح هذا التعهد بالرد المنطقة من جديد أمام سيناريو الحرب الإقليمية، وأعاد إدارة بايدن مرغمة على ما يبدو إلى أزمة المنطقة التي أشعلها نتنياهو.

ومما يبدو هذه المرة قناعةً لدى الأطراف الدولية والإقليمية أن الرد الإيراني ورد حزب الله لن يكون محدودا ولا رمزيا، وقد شكل التزامن في عمليات الاغتيال مزيدا من الضغط على محور المقاومة لتوجيه رد استثنائي وهو ما سيكون غالبا خارج حسابات نتنياهو والمؤسسة الأمنية والعسكرية.

ويتفق نتنياهو مع المؤسسة العسكرية والأمنية على استخلاص رئيسي من الفشل الذي لحق بهم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو أن الاحتلال فقد الردع بشكل غير مسبوق. لذا يركز الكل في إسرائيل على محاولة استعادة الردع عبر توجيه هذا النوع من الاغتيالات الصاخبة، إلا أن ذلك يوقع إسرائيل في فخ تغليب المنجز التكتيكي على حساب الخسارة الإستراتيجية.

فالردع المقصود من الاغتيال سيواجه بكسر للردع الإستراتيجي في المنطقة، وسيدفع دولا وجماعات منتشرة في كل المنطقة لتوجيه ضربات لعمق دولة الاحتلال.

وقد غيرت عملية “طوفان الأقصى” وبشكل عميق قناعات المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بعدد من المسلمات، وهي أن تفوقهم العسكري والتكنولوجي قادر على ردع خصومهم، وأنهم قادرون على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة، وأنهم قادرون على الازدهار اقتصاديا. إلا أن هذه القناعات لم تعد قائمة، وبدأ كثيرون في المؤسسة الأمنية يدركون أن “إسرائيل ليست قوية إلى هذا الحد”.

ومقابل هذه القناعة، تدرك الأوساط داخل إسرائيل وخارجها أن نتنياهو قد صمم مسار الحرب على غزة من أجل إطالة أمدها للمحافظة على بقائه في السلطة وتجاوز كافة تبعات الفشل بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول وما قبله وما بعده. وهو ما يدفع نتنياهو إلى هذا النوع من المغامرات في تقصّد تنفيذ اغتيالات استفزازية لإيران ومحور المقاومة.

خطأ في تقدير الموقف

على غرار الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في استهدافها للقنصلية الإيرانية في دمشق، يأتي الهجوم على الضاحية الجنوبية وعملية الاغتيال بحق هنية في طهران كأحد أبرز مظاهر الخطأ في تقدير الموقف الذي يرتكبه نتنياهو.

فمن الواضح أن إسرائيل أخطأت التقدير حينها ولم تكن تتوقع مثل هذا الرد غير المسبوق والواسع النطاق والمباشر الذي تضمن إطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ من الأراضي الإيرانية على إسرائيل.

وما خسرته إسرائيل في شنها مثل هذه الهجمات أنها فقدت ما اعتمدت عليه لسنوات وهو ما يعرف “بالردع بالإنكار” وذلك من خلال درء أو تقليل الضرر في حال الهجوم والتخفيف من الآثار المحتملة له.

وقد حاولت أن تمارس ذلك جزئيًا حيال الضربة التي نفذتها إيران في 14 أبريل/نيسان الماضي، حيث ركزت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة على قدرة التحالف الذي قادته واشنطن على التصدي للهجوم، إلا أن الحقيقة الأهم أنه ورغم ذلك فإن الهجوم عمليًا نجح ووصل إلى أهدافه ولم تستطع إسرائيل إنكار أو تجاوز ذلك.

ويشعر العديد من المحللين الأمنيين الإسرائيليين بالقلق إزاء تآكل الموقف الإقليمي، وهم يخشون أن تكتسب إيران وحلفاؤها المزيد من القوة، أو أن الأخيرة قد تجد المزيد من الحوافز لتسليح قدراتها النووية إذا اعتقدت أنها غير قادرة بالقدر الكافي على ردع إسرائيل بالوسائل التقليدية.

وقد أدخل كسر قواعد الاشتباك -الذي تسبب به نتنياهو ومعه الجيش والمؤسسة الأمنية- إسرائيل عمليًا في اشتباك مع كافة أركان محور المقاومة بالمنطقة، وهو ما يعتبره الكثير من المحللين الأمنيين والعسكريين تهديدا وجوديًا لإسرائيل لطالما عملت على تجنبه.

هروب للأمام

تدخل إسرائيل وفق هذه المعادلة -بالإصرار على استعادة الردع بالقوة الغاشمة- مسارا تصاعديا في الهجوم والهجوم المضاد، وقد لا تجد مخرجًا.

وبذلك يكون نتنياهو بتنفيذه هذه الاغتيالات وهروبه من استحقاقات وقف الحرب على غزة قد فعل عكس ما يريده، ونقل طبيعة التهديد الذي تعيشه إسرائيل اليوم إلى تهديد وجودي وبشكل متسارع.

وقد حاول نتنياهو أن يجعل من الحرب على غزة منطلقًا لتحولات إقليمية وفرض قواعد جديدة، إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا، حيث تحولت الحرب على غزة لمصدر التهديد الرئيسي الذي يجلبه نتنياهو لإسرائيل عبر اعتماده قاعدة “الهروب للأمام”.

كما أن إنهاء الحرب على غزة أو استمراراها لن يحل نهاية المطاف المعضلة الإستراتيجية الكبرى التي تواجهها إسرائيل.

وإذا كانت إسرائيل لا تزال تعتقد أن دمج نفسها بشكل أكثر اكتمالا في الشرق الأوسط من خلال إبرام صفقات التطبيع مع جيرانها العرب من شأنه أن يهمش الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ويقلل من العداء تجاه البلاد، فإنه يتعين عليها أن تتصالح مع حقيقة مفادها أن صراعها مع الفلسطينيين يشكل التهديد الوجودي الأكثر جوهرية بالنسبة لها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى