هل هو “لويا جيرغا” تقليدي؟.. طالبان تجمع العلماء وزعماء القبائل في أفغانستان
كابُل- افتتح رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة المُلا محمد حسن آخوند -اليوم الخميس- اجتماعا في العاصمة كابُل، شارك فيه أكثر من 3500 عالم ديني وزعيم قبلي من الموالين لحركة طالبان، وجاء على غرار ما عُرف تاريخيا باجتماع “اللويا جيرغا” بأفغانستان.
ويُعقد الاجتماع خلف أبواب مغلقة ودون تغطية إعلامية مباشرة، وفي ظل إجراءات أمنية مشددة، وفي وقت يصفه فيه معارضو الحكومة الأفغانية الجديدة بأنه محاولة لكسب الشرعية الداخلية.
و”اللويا جيرغا” هيئة استشارية قبلية، يُعدّ اجتماعها تقليدا قديما في تاريخ أفغانستان، وخاصة في القبائل البشتونية التي تمتد في انتشارها إلى بعض أجزاء باكستان. حيث يجتمع رؤساء القبائل ووجهاؤها السياسيون والدينيون وسواهم للتشاور في حل مشاكلهم المتعلقة بشؤونهم السياسية والعامة.
لكسب الشرعية الداخلية
وتحاول طالبان -بعد مرور 10 أشهر من وصولها إلى السلطة في أفغانستان، ودون اعتراف المجتمع الدولي بالحكومة التي شكلتها- اكتساب الشرعية الداخلية من خلال اجتماع العلماء وزعماء القبائل، وتنظر إليه على أنه مدخل إلى الاعتراف الدولي.
تأسست طالبان عام 1994، ويقول الباحث والمؤرّخ في شؤونها عبد الباسط جمال -للجزيرة نت- إن الحركة “أجرت أول اجتماع للحصول على الشرعية عام 1996، وشارك فيه نحو 1500 عالم ديني في ولاية قندهار جنوبي البلاد، والآن تريد استنساخ تلك التجربة مرة أخرى لترتيب بيتها الداخلي”.
رفض ثم قبول
وقبل سيطرتها على الحكم، طالب الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي ورئيس لجنة المصالحة السابق عبد الله عبد الله، طالبان بعقد “اللويا جيرغا” لتحديد مصير البلاد السياسي، لكنها لم تقبل، ثم عادت بعد 10 أشهر وقررت عقده لإضفاء الشرعية على حكومتها، مستخدمة نفس الآلية التي استفاد منها مؤسسها المُلا محمد عمر عام 1996.
لكن الباحث السياسي حكمت جليل يشير إلى فرق كبير بين الاجتماعين، فالأول جاء في وقت كانت فيه حركة طالبان قوية ومتماسكة ولا تعاني من خلافات داخلية، وقد حصلت على اعتراف بعض الدول، بينما الاجتماع الحالي “يهدف إلى حلّ الخلافات الداخلية وضمان استمرار حكم طالبان”، ويضيف جليل أن “القاسم المشترك بين الاجتماعين هو عدم توجيه الدعوة للمعارضين السياسيين وللنساء”.
أجندة غير معلنة
ويُعقد الاجتماع -الذي يستمر 3 أيام- برئاسة مسؤول المدرسة الجهادية في قندهار المولوي حبيب الله خان، ويساعده المولوي محمد إسماعيل وحبيب الله سمنغاني.
وقال مصدر في القصر الرئاسي للجزيرة نت: “إن زعيم حركة طالبان الشيخ هيبة الله آخند زاده، كلف نائب رئيس الوزراء الملا عبد الغني برادر بترتيب وعقد الاجتماع في كابل، والهدف الأساسي منه جلب دعم العلماء، والبحث عن حلّ لقضايا شائكة ومثيرة للجدل في أفغانستان”.
ولم تعلن الحكومة الأفغانية رسميا أجندة الاجتماع، ولكن حصلت الجزيرة نت على نسخة منها. وجاء فيها أن النقاش سيدور حول “منع الفساد، وعدم السماح بتكرار التجارب الفاشلة في أفغانستان، ودعم الإمارة الإسلامية، وآلية مساندة الحكومة الأفغانية في الحفاظ على الاستقرار في البلاد، واعتبار كل من يتمرد ويرفع السلاح ضد الإمارة الإسلامية باغيا، وتأمين الحدود مع الجيران”.
ولن يتطرق المشاركون في الاجتماع إلى مواضيع كتعليم المرأة الأفغانية، ومشاركة الأحزاب السياسية في الحكم، والعلاقات مع المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة.
وقال مصدر حكومي للجزيرة نت “عندما تقرأ الأجندة فلن تشاهد البنود التي يتوقعها الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي، هذه البنود كلها لتقوية وترسيخ أركان حكم طالبان في أفغانستان، وأهم من ذلك وضع حد للخلافات الموجودة بين أعضائها، ويمكن اعتبار الاجتماع محاولة لترتيب البيت الداخلي فقط”.
معارضة ودعوة لحوار عام
واعترض بعض السياسيين في الحكومة السابقة على اجتماع علماء الدين وزعماء القبائل الموالين لحركة طالبان، وقال زعيم حزب الوحدة الإسلامية كريم خليلي “هذه ليست اللويا جيرغا، وإنما اجتماع داخلي لحركة طالبان لمناقشة أمورها”.
وطالب خليلي -في حديث للجزيرة نت- زعيم حركة طالبان ببدء مفاوضات مع الأفغان، وتمهيد الطريق لإحلال السلام في عموم البلاد، مضيفا “يجب تقرير مصير الشعب الأفغاني بالشراكة مع كل التيارات السياسية في أفغانستان”.
من ناحيته، اتهم وزير الخارجية الأفغاني الأسبق زعيم حزب الجمعية الإسلامية صلاح الدين رباني، حركةَ طالبان باستخدام اسم ” اللويا جيرغا” كأداة لكسب الشرعية، وقال إن “الاستحواذ على الحكم لا يؤدي إلى استقرار”.
اللويا جيرغا
و”اللويا جيرغا” هي إحدى الآليات التقليدية لاكتساب الشرعية السياسية في أفغانستان، وكان لها مكانة مرموقة في التاريخ السياسي، وعُقد أول اجتماع باسمها عام 1747 في قندهار لانتخاب أحمد شاه دراني ملكا لأفغانستان الحديثة.
ويقول المؤرخ والباحث شريف زدران للجزيرة نت “الكل يعرف أهمية الجيرغا في حل القضايا بأفغانستان، وقد تغيّر محتواها خلال العقدين الماضيين حيث استخدمت وسيلة لتحقيق أجندة الحكومات والأجانب، والآن لا يثق الشعب الأفغاني بقراراتها”.
ومنذ سقوط حكومة حركة طالبان عام 2001، عُقدت “اللويا جيرغا” 5 مرات في حكومة الرئيسين السابقين حامد كرزاي وأشرف غني، ولم تكن قراراتها إلزامية، بخلاف ما تعارف عليه الناس في أفغانستان.