ما أهداف تحويل بوصلة عمليات أوكرانيا العسكرية نحو القرم؟
كييف- منعطفات كثيرة شهدها مسار الحرب الروسية الأوكرانية خلال نحو عام ونصف العام، ولعل آخرها ذلك التركيز الأوكراني على استهداف المواقع اللوجيستية والقواعد العسكرية والموانئ والسفن الروسية وغيرها بالقصف، سواء في شبه جزيرة القرم أو في البحر الأسود جنوبا.
حتى أن حصة القرم من القصف الأوكراني تتجاوز أحيانا حصة جبهات “العمليات المضادة” في شرق وجنوب شرقي البلاد، بوتيرة ثابتة شبه يومية، وكميات مسيرات وصواريخ تتجاوز أحيانا كم ما تطلقه روسيا.
بداية التحول كانت مع انسحاب روسيا من “اتفاقية الحبوب” عبر البحر، وقصفها اليومي لموانئ أوكرانيا في مقاطعة أوديسا، مع التهديد باستهداف جميع السفن المتجهة إليها، ثم تهديد أوكراني صريح مماثل، ووعيد بأن “روسيا ستخسر سفن أسطولها في البحر”.
وحسب الخبير العسكري أوليكسي هيتمان، فإن “انسحاب روسيا من الاتفاقية وقصفها كان آخر حلقات أكبر مشكلة تواجه أوكرانيا منذ شهور، وهذا تزامن مع تطوير وزيادة إنتاج مسيرات هجومية أوكرانية، قادرة على تهديد المواقع البعيدة جوا وبحرا”.
وأوضح هيتمان -في حديث مع الجزيرة نت- أن “القرم وأسطول روسيا كانا أكبر مصدر لصواريخ كروز التي تطلق على أوكرانيا منذ بداية الحرب”، متابعا “كييف لم تكن قادرة على تغيير هذه المعادلة لصالحها، إلا مؤخرا فقط، بالحصول على صواريخ “ستورم شادو” البريطانية، ثم البدء باستخدام مسيرات فعالة محلية الصنع تتصدر المشهد”.
“سنحوّلها إلى جزيرة”
ويكاد يجمع الأوكرانيون على أن تهديد وجود روسيا في القرم والبحر سيكون أكثر إيلاما لموسكو، وأكبر أثرا على مسار الحرب، و”غطاء” لتعثر العمليات الأوكرانية المضادة في جبهات الشرق.
وفي هذا الصدد، يرى هيتمان أن “ضرب جسر “تشونهار” وعقد السكك الحديدية في مدينة جانكوي (شمال القرم) عقد على الروس عمليات الإمداد، ولم يتبق سوى جسر كيرتش الذي يصل أراضي روسيا بالقرم (جسر القرم)، وأعتقد أنه سيستهدف مجددا خلال الأيام المقبلة أيضا”.
وأضاف “سنحول القرم من شبه جزيرة إلى جزيرة معزولة، وستبقى لدى (العدو) طرق الخدمات اللوجيستية الجوية والبحرية المحدودة، والمهددة أيضا”.
إضعاف روسيا في “تافريا”
وبالفعل، يربط خبراء بين استهداف القرم وجبهات “تافريا” التي تضم مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون في الجنوب، لكن بعضهم يقلل من أثر تلك الهجمات حتى الآن.
يقول رئيس مركز الدراسات القانونية العسكرية أوليكساندر موسينكو إن “الهجوم المضاد في الجنوب على ضرب أهداف في شبه جزيرة القرم يأتي لأننا بحاجة إلى تقويض الخدمات اللوجيستية من شبه الجزيرة إلى مدينة ميليتوبول (في زاباروجيا) وما وراءها”.
لكنه لفت -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن الضربات الشديدة والأضرار التي لحقت بالسكك الحديدية تخلق مشاكل وأعباء إضافية على الروس، ولكنها ليست حرجة بعد، ولم تقطع جميع الطرق المؤدية إلى القرم؛ فالنقل مستمر، ولكن بأحجام أصغر وأقل”.
حق أوكرانيا في الملاحة
وفي سياق متصل، يرى خبراء أن من أولويات أوكرانيا التي تقف خلف هذا التصعيد تأكيد حقوقها الملاحية في البحر الأسود.
الخبير العسكري، والناطق السابق باسم القوات الأوكرانية فلاديسلاف سيليزنيوف يرى أنه “من خلال مهاجمة السفن الروسية في البحر الأسود تعلن أوكرانيا التمسك بحقوقها في ضمان سلامة الملاحة”.
وقال في حديث مع الجزيرة نت “لا يهم إذا كان الوقود ينقل للجيش في شبه جزيرة القرم أو في سوريا؛ أوكرانيا أظهرت للعالم بأسره أن لديها على الأقل خطة ضد أسطول (العدو)”.
وأضاف “بينما تفكر دول الناتو مثل رومانيا وبلغاريا وتركيا في كيفية الرد على محاولات روسيا تحويل البحر الأسود إلى بحر داخلي، تعمل أوكرانيا اليوم على محاصرة السفن الروسية في الخلجان”.
ما خيارات روسيا؟
وإذا كانت الآراء الأوكرانية متقاربة إزاء أهداف وأهمية استهداف القرم والسفن، فإنها تتباعد عند توقف ردود فعل روسيا وخياراتها المتوقعة.
بتفاؤل كبير، يقول الخبير العسكري أوليكسي هيتمان “الكرملين وأعوانه في الجنوب يفهمون جيدا أن الفشل مصيرهم قريبا، سيكون أمام الروس 3 خيارات: إما الفرار قبل فوات الأوان، أو الانتظار والاستسلام، وإذا كانوا لا يريدون ذلك فهناك تدميرهم ببساطة من قبل قواتنا المسلحة”.
لكن الجندي السابق ورئيس منظمة “عودوا أحياء” للأسرى تاراس تشموت يقول “إضافة إلى نقص الأسلحة والذخيرة وغياب الطيران المتطور الذي يعد أبرز أدوات الحرب، يجب أن نعترف بأن لدينا نقصا في القوى ذات الخبرة”.
وأكمل قائلا “بعد طول تجهيز، اصطدمت عملياتنا المضادة بخطوط دفاعية قوية وحقول ألغام واسعة. التفاؤل في القرم والبحر سابق لأوانه، فهي في النهاية جبهة جديدة واسعة، وردود الفعل الروسية المجنونة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار”.