قوى تونسية تقاطع أنشطة منظمات دولية منحازة لإسرائيل
تونس- أعلنت قوى مدنية تونسية بارزة تعليق أنشطتها المشتركة مع منظمات واتحادات دولية، ووجهت رسائل شديدة اللهجة لدول الاتحاد الأوروبي بسبب ما اعتبرته انحيازا منها لإسرائيل، كما قررت أخرى مقاطعة التمويل الأميركي رفضا “للاصطفاف غير المسبوق” وراء جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وتأتي هذه المقاطعة في خضم احتجاجات شعبية واسعة ومستمرة في العاصمة تونس ومدن أخرى، حيث خرج الآلاف، اليوم السبت، للتظاهر رافعين أعلام فلسطين وشعارات مناصرة للمقاومة الفلسطينية، ومطالبين بوقف العدوان الإسرائيلي وطرد سفيري الولايات المتحدة وفرنسا.
رفض موقف الاتحاد الدولي
وأعلنت 6 نقابات كبرى أساسية ضمن الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر منظمة عمالية في البلاد، تعليق مشاركتها في كل أنشطة الاتحاد الدولي للخدمات العامة.
وجاء القرار بسبب لائحة أصدرها مؤخرا الاتحاد الدولي بشأن الأوضاع في غزة، واعتبرها اتحاد الشغل مجانبة للحقيقة ومنحازة لإسرائيل.
وتمثّل النقابات الست -التي أعلنت تعليق مشاركتها- جزءا من الاتحاد الدولي للخدمات العامة، الذي يضم كلا من الجامعة (الاتحاد) العامة للفلاحة، والجامعة العامة للتخطيط والمالية، والجامعة العامة للأشغال العامة والبيئة، والجامعة العامة للمياه، والجامعة العامة للعدلية، والجامعة العامة للبلديات، والجماعة العامة للكهرباء والغاز، والجامعة العامة للصحة.
وقال الناطق باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري للجزيرة نت إن “القرار يأتي للتعبير عن الاستياء الكبير من موقف الاتحاد الدولي للخدمات العامة ومساواته بين الضحية والجلاد”، مبينا أنه “يدعو لوقف إطلاق النار من الجانبين، بينما يرتكب الاحتلال الصهيوني مجازر يومية في حق المدنيين”.
وأوضح الطاهري “قررنا تعليق كل نشاطاتنا بالاتحاد الدولي للخدمات العامة، الذي يضم أكثر من 20 مليون نقابي، لكننا لم نعلن انسحابنا منه، حتى نحارب داخل هذه الأطر الدولية ضد الفكر الصهيوني”، مشيرا إلى أن اتحاد الشغل يطلب من النقابات الدولية إعلان إدانة واضحة وصريحة ضد الجرائم المرتكبة في غزة.
من جهة أخرى، وجّه اتحاد الشغل رسالة للاتحاد الدولي للنقابات يعلن فيها استياءه من “موقفه الغامض” تجاه المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين في قطاع غزة. وفي هذا السياق، يقول الطاهري للجزيرة نت “نحن نرفض هذا الانحياز مع الكيان الصهيوني، ونطالب بموقف واضح ينقذ الفلسطينيين من الإبادة الجماعية”.
تهديد بالانسحاب
وفي سياق متصل، أعلنت الهيئة الوطنية للمحامين (إحدى أبرز القوى المدنية في تونس) مقاطعة أشغال الاتحاد الدولي للمحامين، المقرر عقده في مدينة روما من 25 إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بسبب ما اعتبرته “اصطفافا فاضحا منه مع الكيان الصهيوني”، ولسكوته عن المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين.
وعن هذا الموقف، يقول عميد المحامين التونسيين حاتم مزيو “كان من المفترض ألا يقحم الاتحاد الدولي للمحامين نفسه في الصراعات السياسية والأيديولوجية، لكن رئيسته أعلنت بشكل فردي عن انحيازها للكيان الصهيوني”، مؤكدا أن الهيئة ستعلق عضويتها بالاتحاد إن لم يراجع موقفه.
ويقول مزيو في حديث للجزيرة نت “إذا لم يُعد المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للمحامين الأمور إلى نصابها، فسنعلن تعليق عضويتنا في الاتحاد والانسحاب والانسلاخ منه بشكل نهائي”، علما أن الهيئة الوطنية للمحامين أعطت الاتحاد الدولي للمحامين مهلة حتى 25 من الشهر الجاري لتصحيح موقفه أو الانسحاب منه.
وكانت هيئة الوطنية للمحامين المعروفة بدفاعها ونصرتها للقضية الفلسطينية، قد أعلنت مؤخرا تشكيل لجنة قانونية من رجال القانون وممثلي القوى المدنية لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية، ورفع شكوى رسمية لمحكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق في ما يُرتكب في قطاع غزة من جرائم إبادة.
من جهتها، أعلنت منظمة “أنا يقظ” -الناشطة في مجال مكافحة الفساد المالي والإداري وتدعيم الشفافية- عن مقاطعة عمليات التمويل أو المشاريع القادمة من الإدارة الأميركية، “بسبب سياسة الكيل بمكيالين المتبعة من الولايات المتحدة”، مهددة باتخاذ الإجراء نفسه مع أي هيكل يساند إسرائيل رسميا.
وقد عبرت المنظمة عن امتعاضها الشديد من “الدعم اللامشروط للإدارة الأميركية لجرائم الكيان المحتل، من إبادة جماعية وتهجير قسري للشعب الفلسطيني، وتجسيد دعمها المباشر من خلال إرسال حاملتي طائرات عسكرية، وإعلان استعدادها للمشاركة في عملية الاجتياح البري للأراضي الفلسطينية”.
احتجاجات عارمة
وتأتي جميع هذه الخطوات وسط تضامن واسع مع الفلسطينيين سواء من قبل السلطة السياسة أو من أحزاب المعارضة في تونس، حيث تراجعت التجاذبات الداخلية في سبيل رص الصفوف والتعبئة الجماهيرية الشاملة في البلاد، للاحتجاج على استمرار العدوان الإسرائيلي بحق المدنيين.
وتتواصل يوميا في تونس الاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي، فقد خرج -اليوم السبت- في العاصمة تونس الآلاف من المحتجين رافعين الأعلام الفلسطينية، وشعارات تطالب بوقف المجازر المرتكبة في قطاع غزة، وأخرى تنادي برحيل السفير الأميركي والفرنسي والبريطاني باعتبارهم “شركاء في الجريمة” وفق المحتجين.
وقال رمضان بن عمر، عضو اللجنة الوطنية لدعم المقاومة الفلسطينية والناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنه تم الاتفاق في “لجنة دعم المقاومة” على مواصلة تعبئة الشارع التونسي من مختلف الشرائح، لتقديم الدعم والمساندة لأهالي غزة في ظل التواطؤ الدولي.
ويرى بن عمر، في حديث للجزيرة نت، أن “هناك انحيازا مفضوحا من الدول الأوروبية وأميركا للكيان الصهيوني”، من خلال توفير غطاء سياسي لتبرير الاعتداءات الهمجية على الشعب الفلسطيني. وقال “هذا يفرض علينا المزيد من الجهد لمناصرة قضية الشعب الفلسطيني، وفضح الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في قطاع غزة ضد الأبرياء”.
ودانت اللجنة الوطنية لدعم المقاومة الفلسطينية -في رسالة وجهتها للاتحاد الأوروبي- “سياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الاتحاد، من خلال صمته أمام جرائم التقتيل والإبادة في فلسطين، وهرولته للدفاع عن أوكرانيا”.
وكتبت اللجنة في رسالتها “نشهد تعرية لمواقفكم التي لطالما ادعت دفاعها عن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتبررون الهجمات ضد السكان المدنيين العزل والقتل العمد، وتساندون تدمير المواقع المدنية المخصصة للأهداف الدينية والتعليمية والمستشفيات والوحدات الطبية، وحتى أماكن تجمع المرضى والجرحى، في إبادة جماعية ثابتة وتطهير عرقي بيّن”.