بعد إجلاء إسرائيليين من الشمال.. 70% منهم لا يفكرون بالعودة
القدس المحتلة- في الوقت الذي يروج فيه الجيش الإسرائيلي أن العملية العسكرية الواسعة في لبنان تهدف إلى إعادة الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم منذ اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى البلدات الحدودية والجليل الأعلى يتضح أن الكثير منهم لا يبدون رغبة بالعودة إلى مسقط رأسهم بعد انتهاء الحرب.
وعلى الرغم من مرور عام ونيف على معركة طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة” وبلدات إسرائيلية في الجنوب فإن نحو 120 ألف إسرائيلي لم يعودوا -ومنهم 70 ألفا من الجليل الأعلى وبلدات حدودية مع لبنان- إلى منازلهم بعد إجلائهم منها بسبب الحرب.
وبالنسبة للكثير منهم فإن العودة إلى منازلهم ليست موجودة بالأفق رغم تصريحات قادة الجيش الإسرائيلي بأنه سيكون بإمكان سكان المناطق الشمالية العودة في غضون الأسابيع المقبلة، إذ إن لإخلاء البلدات الحدودية دلالات ومعنى اقتصاديا واجتماعيا وعائليا صعبا، وفق ما أفاد تقرير الملحق الاقتصادي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
أفق مظلم
واستعرضت الصحيفة في تقرير لها تجربة عيدو أدلر، وهو أحد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من بلدة كريات شمونة، وأب لـ4 بنات، أكبرهن تبلغ 14 عاما والصغرى 7 أعوام، وكان لديه متجر لمستلزمات الهواتف الخلوية في المدينة، وقد أُغلق خلال أشهر الحرب.
وفي الوقت الحالي، تعيش العائلة في شقة مستأجرة في مستوطنة رمات يشاي قرب بيسان، وبدأت الفتيات في الالتحاق بالمدارس في المستوطنة، لكن عيدو لا يرى في الأفق العودة إلى المدينة المقصوفة.
وقال عيدو “خلال الشهرين الأولين من الحرب كنت لا أزال أعمل في متجري في كريات شمونة، وفي الشهر الثالث كنت أقدّم أكبر قدر ممكن من المساعدة لجنود الاحتياط، ولم أكن أعمل حقا، ثم أدركت أنه لم يكن مربحا بالنسبة لي أن أبقي المتجر مفتوحا، لأنه لا يوجد أشخاص في المدينة، ومنذ ذلك الحين لم أعمل”.
وأوضح أنه من الصعب عليه العودة إلى كريات شمونة التي سكنها لمدة 10 سنوات وأسس عائلة وأقام مصلحة تجارية فيها، قائلا “في الحقيقة من أصعب الأمور التي حدثت لي أنني فقدت كل ما أسسته، علي أن أعيد تأسيس نفسي وتأهيل عائلتي من جديد والاندماج في المكان الجديد وإيجاد عمل”.
لا رغبة بالعودة
وتكشفت هذه الانطباعات من خلال استطلاع للرأي أجراه معهد “مأجار موحوت” بأوساط 500 شخص تم إجلاؤهم من منازلهم في الشمال والجنوب، إذ اتضح أن 50% من الأشخاص يمثلون عائلات ممن تم إجلاؤها من “غلاف غزة” لا يفكرون في العودة إلى مستوطناتهم.
وأظهر الاستطلاع أيضا أنه من بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجليل الأعلى والبلدات الحدودية مع لبنان لا ينوي 70% العودة إلى المستوطنات التي تم إجلاؤهم منها حتى لو انتهت الحرب، كونهم لا يشعرون بالأمن والأمان لعائلاتهم.
وادعى معظم الأشخاص الذين تم إجلاؤهم في الاستطلاع أنهم لم يتلقوا مساعدة توظيف وتشغيل كافية من الحكومة الإسرائيلية، ويمنحون الحكومة درجة سيئة إلى سيئة جدا في التعامل مع العائلات التي تم إجلاؤها من منازلها وفي معالجة احتياجاتهم الاجتماعية والاقتصادية وكذلك وضعهم الوظيفي.
وتشير الأرقام إلى أن من بين سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم كان 67% منهم موظفين بدوام كامل، و20% بدوام جزئي، و13% يعملون لحسابهم الخاص، في حين تدهور وضعهم الوظيفي والتشغيلي بشكل كبير.
وفي الوقت الحالي يعمل 39% فقط من هؤلاء السكان عمالا بدوام كامل، و17% يعملون موظفين بدوام جزئي، و10% منهم يعملون لحسابهم الخاص، في حين 32% من سكان الشمال لا يعملون حاليا.
عسكري وسياسي
وتأتي نتائج الاستطلاع خلافا لموقف الجيش الإسرائيلي الذي يعتقد أن سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم سيتمكنون من العودة إليها تدريجيا خلال أسابيع قليلة بعد إعلان انتهاء العملية البرية، والتي يقدر أنها ستستمر بناء على توجيهات المستوى السياسي الإسرائيلي بضعة أسابيع أخرى.
وبحسب صحيفة “هآرتس”، فإن من المتوقع أن يعلن الجيش الإسرائيلي زوال التهديد للمستوطنات في الشمال، وتدمير قدرات حزب الله على التوغل البري، وأنه غير قادر على العمل كمنظمة عسكرية منظمة بسبب تعرضه لأضرار جسيمة، إذ يقدر الجيش أن نحو ثلثي قدرات الحزب الصاروخية تضررت في بداية العملية العسكرية قبل قرابة 3 أسابيع.
لكن يانيف كوبويتش المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” يقدر أن التوغل البري للجيش في جنوب لبنان لا يمكن أن ينتهي بعملية عسكرية فقط، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية يجب أن تكون مصحوبة بمسار سياسي حتى يكون من الممكن التوصل إلى تسوية مع لبنان، وهو ما من شأنه أن يمكن العائلات الإسرائيلية من العودة إلى بيوتها.
ترميم الضرر
لكن مع استمرار العملية العسكرية لا تعتقد أبناء أغلبية كبيرة من العائلات التي تم إجلاؤها -سواء من الشمال أو الجنوب- أن الإجراءات المختلفة التي تتخذها الوزارات الحكومية ستساعدهم في مجال التوظيف وإيجاد فرص عمل، بحسب المحامية تالي نير الرئيسة التنفيذية لـ”جمعية 121″ التي تقود شراكة تضم 50 منظمة تجارية واجتماعية تعمل على الاستثمار في تنمية فرص العمل للأشخاص الذين تم إجلاؤهم.
ونقل الموقع الإلكتروني “والا” عن المحامية نير قولها إن “إسرائيل تواجه أزمة توظيف حادة بين الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، ومعظمهم من الشمال، إذ أفاد 32% بأنهم لا يعملون على الإطلاق، وأن مهاراتهم المهنية تتآكل، وهذا يشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد والصحة العقلية لهؤلاء الأشخاص، وأن هذا سينعكس سلبا على سوق العمل والمجتمع الإسرائيلي”.
ومن وجهة نظر المحامية الإسرائيلية، فإن الأزمة هي أيضا فرصة، وتقول “من المهم الاستفادة من هذه الفترة لدعم أولئك الذين لا يعملون، وتمكينهم من دراسة دورة مهنية وتأهيل والحصول على دعم نفسي ووظيفي، ولكنهم يحتاجون إلى تمويل من الحكومة لذلك”.
وتعتقد أن الاستخدام السليم لهذه الفترة سيسمح بالنمو الاقتصادي والتأهيل الاجتماعي السريع بعد الحرب، قائلة إن “هذه ليست أزمة شخصية فقط بالنسبة لهذه العائلات، ولكنها أيضا قضية اقتصادية وطنية أساسية ستؤثر على الاقتصاد في إسرائيل لعقود قادمة”.