الاخبار العاجلةسياسة

ضغوط وصفقات.. روسيا تغادر اتفاق “ممر الحبوب” الأوكراني فما ثمن العودة؟

موسكو- كما في حالة تفجير جسر القرم قبل 3 أسابيع، لم تتأخر روسيا عن الرد على استهداف أسطولها البحري في البحر الأسود، وسارعت إلى إعلان انسحابها من “صفقة الحبوب” مع أوكرانيا.

لكن الفرق بين الحادثتين وردود الأفعال الروسية عليهما، يكمن في التداعيات والأبعاد الدولية للقرار الروسي الجديد، كونه يلامس ملف الأمن الغذائي العالمي الذي يعاني أصلا من أزمة عميقة، فضلا عن أنه من الممكن أن يقوّي ورقة روسيا في إعادة طرح ملف رفع العقوبات عنها، ولا سيما في هذا القطاع.

فقد ساهم توقيع “صفقة الحبوب” في يوليو/تموز الماضي برعاية تركيا والأمم المتحدة في تراجع أسعار القمح والحبوب، بعد أن ارتفعت بشكل حاد نتيجة تعطّل عمليات التصدير من الموانئ الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، مما أجّل هذا الأزمة إلى وقت غير منصوص عليه.

GettyImages 1192750460
مناورة سابقة لسفن حربية من الأسطول الروسي في البحر الأسود (غيتي)

سبب كافٍ وعدم رضا

وجاء ردّ الفعل الروسي السريع على لسان وزارة الدفاع التي اتهمت القوات الأوكرانية بمهاجمة سفن أسطول البحر الأسود التابع للاتحاد الروسي في شبه جزيرة القرم بطائرات مسيرة، وهو ما اعتبرته سببًا كافيًا للتخلي عن الاتفاقية الموقعة منذ 3 أشهر، والتي كانت تهدف إلى تقليل النقص العالمي في إمدادات الحبوب.

كما أن بيان وزارة الدفاع الروسية الذي وصف الهجوم بـ”الإرهابي”، أشار كذلك إلى تورط خبراء بريطانيين في الهجوم على سفن أسطول البحر الأسود في خليج سيفاستوبول، وكذلك سفن مدنية تشارك في ضمان أمن “ممر الحبوب”.

ورغم أن الوزارة أكدت أنه تم صدّ أغلب هجمات الطائرات المسيرة، لكنها اعترفت بتعرض كاسحة ألغام روسية لأضرار طفيفة.

ومن الجدير بالذكر أن روسيا عبّرت في وقت سابق عن عدم رضاها تجاه ما اعتبرته “غياب التوازن” في إمدادات الحبوب، معتبرة أنها لا تلبي رغبات الدول الأكثر حاجة لها.

فقبل نحو شهر واحد تقريبا، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنه من بين 87 باخرة محمّلة بالحبوب من الموانئ الأوكرانية، وصلت 32 إلى تركيا (الجهة الوسيطة)، و3 إلى إسرائيل، و3 إلى جنوب أفريقيا، و7 إلى مصر، و30 إلى الاتحاد الأوروبي، و12 فقط إلى بلدان فقيرة وفق برنامج الأمم المتحدة للغذاء، من بينها اليمن وجيبوتي.

ومع إشارة بوتين إلى أن روسيا لا تستطيع التأثير على هذه العملية، فإنه كلف آنذاك وزير خارجيته سيرغي لافروف بإجراء الاتصالات اللازمة لمعالجة هذا “الخلل”، لافتا إلى أن موسكو في المقابل صدّرت نحو 6.6 ملايين طن، من بينها 6.3 ملايين طن لبلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

ضغوط وعقوبات

ومن غير الواضح بعد ما إذا كان القرار الروسي نهائيا أم لا، لكن من المعروف أن الصفقة تنتهي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لذلك لا يزال هناك وقت للاتفاق على الحفاظ عليها، كما يقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون الذي لم يستبعد -في حديثه للجزيرة نت- أن يخضع قرار روسيا بشأن العودة إلى الصفقة لنوع من التعديل.

اقرأ ايضاً
من تركيا إلى لاوس.. موسكو تجد أسواقا جديدة للطاقة الروسية

ويتابع لاشون أن روسيا ستتعرض في كل الأحوال لضغوط متنوعة من مختلف الأطراف حتى إعادتها لهذه الصفقة، سواء من الأمم المتحدة، أو من تركيا المهتمة أيضًا بتمديد هذه الصفقة، فضلًا عن أوكرانيا التي ستسعى من خلال شركائها الغربيين لتغيير هذا القرار، بحسب تقديره.

وفي السياق نفسه، يرى الخبير الاقتصادي أن نوعا من العقوبات الغربية الجديدة قد تُفرض على مواقع التصدير الروسية المتعلقة بالغذاء، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الغذائي في العالم ونشوء عواقب يودّ الجميع تجنبها، مما سيعزز مستقبلا من محاولات إعادة روسيا إلى هذا الاتفاق بطريقة أو بأخرى.

Grain harvest in Odessa
شحن القمح في أوديسا، حيث يهدد الانسحاب الروسي من صفقة تمرير الحبوب بتعميق أزمة الغذاء العالمية (الأناضول)

رزمة واحدة

أما محلل الشؤون الدولية ديمتري كيم، فيرى أن من الصعب تحديد إلى أي مدى ستكون روسيا مستعدة لتغيير موقفها، وما “الثمن” المطلوب لذلك. إذ يرى أنه ليس من السهل -على سبيل المثال- الحصول على التزامات من كييف بعدم استهداف أسطول البحر الأسود مجددا، لأن مستوى الثقة بين موسكو وكييف وإن لم يكن صفرا، لكنه سلبي إلى حد كبير.

وفي الوقت الذي يستبعد فيه -نتيجة لذلك- إجراء تعديلات على قواعد الاشتباك في الحرب الروسية الأوكرانية، يرجّح كيم أن يكون الاهتمام الرئيسي بعد قرار انسحاب روسيا من صفقة الحبوب منصبًا على إزالة العقبات التي تعيق التصدير الكامل للحبوب الروسية. فالمشكلة الاساسية -وفقا له- لا تكمن في التصدير نفسه الذي يخضع للعقوبات، بل في مشاكل خدمة السفن والتأمين ودفع ثمن الحبوب فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على البنوك الروسية.

ويعتبر أن القرار الروسي قد يشكل حافزا للتعامل مع هذه الجوانب من الصادرات الروسية حتى انتهاء الموعد الرسمي لصفقة الحبوب في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أي ما يزال هناك متسع من الوقت لحل الإشكالية الجديدة كرزمة واحدة مع ملف العقوبات الغربية على روسيا.

وعموما، ينطلق أغلبية الخبراء الاقتصاديين الروس في مقاربتهم لبوادر الأزمة الجديدة في قطاع الأمن الغذائي، من واقع أن المحصول الكبير للحبوب هذا العام في روسيا، مقابل ضعف الصادرات، قد أدى إلى انخفاض أسعارها محليًا، وهو ما من شأنه أن يهدد بالتكدّس المفرط للمحاصيل وفقدان جزء منها، فضلًا عن الآثار السلبية جدًا على الدولة وصغار المنتجين الزراعيين على حد سواء.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى